أ.د.شموئيل(سامي) موريه
استفسر العديد من الاصدقاء في الآونة الأخيرة عن سبب انقطاع مراسلاتي اليهم، والسبب راجع الى انني الان اعاني من الإنفلوينزا منذ عودتي من باريس من مؤتمر اليونيسكو المنعقد في 3 من الشهر الجاري حول "الخطر الداهم على التراث والتنوع الثقافي في العراق وسورية"، والذي دعيت اليه من قبل رئيسة اليونيسكو السيدة إيرينا بوكوفا، بصفتي "رئيس رابطة الجامعيين اليهود النازحين من العراق"، وما زالت اعاني من حرارة مرتفعة وملازما الفراش واتناول اقراص الدواء التي وصفتها لي طبيبة عربية شابة في 27 من العمر من القدس القديمة، انهت دراسة الطب في عمر مبكر بدون الحاجة الى التجنيد الالزامي الذي يسرى على اليهوديات، بمعنى انهن يبدأن الدراسة بعد ثلاث سنوات من الطالبات العربيات.
ومن الجدير بالذكر ان الطبيبات العربيات اللواتي يعملن في مستوصفات التأمين الصحي في اسرائيل، والطبيبات العربيات والممراضات اللواتي يعملن في مستشفيات اسرائيل ومستوصفاتها هن من خيرة العاملات في شؤون الصحة هنا في البلاد، واغلبهن درسن في اسرائيل وفي الاردن ومصر، والطبيبات اللواتي درسن الطب في الاردن هن على مستوى عال من التخصص ايضا، وفي الاردن يتم تدريس الطب باللغة العربية أما في مصر فلغة التدريس فيه الانكليزية، وهذا يتيح للخريجات والخريجين مواصلة الدراسة في اوروبا وامريكا بسهولة،
اعرف الطبيبات والممرضات العربيات من خفرهن وتواضعهن ورقة معاملتهن للمرضى، فهن "غضيضات الطرف مكحول" منذ ان قال زهير بن ابي سلمى في وصفه لسعاد، والتقاليد والعادات مقدسة عند العرب الى اليوم، فهن لا ينظرن مباشرة في عيون المرضى من الرجال، وبدون تحد لمن يؤمن بالتفوق الذكوري في المجتمع، كما تفعل الطبيبة اليهودية التي تبدأ الفحص بإصدار الأوامر وكأنها في ثكنة عسكرية، أما إذا كانت الطبيبة من القادمات الجدد فتصدرها بدون الشعور بانها تسديك معروفا وبدون عجرفة، وخاصة إذا اردتَ الاستفسار والتأكد من فهمك التعاليم التي تلقيها بسرعة كأنها تقول لك: "يالله يابا خلصنا وفرجينا عرض كتافك، الدور وراك طويل! "
صدق حدسي، ولكي اتأكد منه، سألتها بصورة غير مباشرة، هل تتكلمين العربية؟ ادركت الطبيبة الشابة المقدسية من لهجتي بانني عراقي، قالت بسرور مكبوت، بل انا عربية مقدسية! قلت هذا امر يبعث على السرور والتفاؤل. انه بداية للاندماج الخير في المجتمع الاسرائيل، فلي العديد من الطالبات والطلبة العرب من القدس الشرقية والضفة، وهذا الاحتكاك سيولد ثقافة جديدة تتفهم الجانبين، لقد ساهم يهود العراق في الثقافة والمجتمع العراقي لإخلاصهم لمصلحة العراق، فإذا بالقومية المتطرفة تحرق الأخضر واليابس، وتحاول ابادة كل من لا ينساق وراء رعوناتها، والانفال ستبقى وصمة عار في جبين ذلك الحكم القومجي المتعجرف. وحكمة وحنكة القيادات العربية والفلسطينية خاصة، في بث الكراهية والعداء نحو الآخر، قد عاد بالنفع الكبير على دولة اسرائيل منذ البداية. فالقيادة الفلسطينية، التي تأبى حل المشكلة مع اسرائيل عن طريق التفاوض السلمي بعد أن يئست من سياسة "خلي السيف يكول"، عادت الى سياسة الطلب من الآخرين بحل مشكلاتهم، وهذه المرة عن طريق حكمة وعبقرية فرض ارادة المجتمع الدولي على اسرائيل بصورة احادية الجانب لإصلاح اخطائهم المتكررة، فهم لا يزالون يصرون بكل ما في العصبية العربية والتعصب الديني من صولة على إبادتها. فإذا بسياستهم الحكيمة هذه ترفد اسرائيل بخيرة المثقفين الفلسطينيين ويهود البلاد العربية فيزيدونها قوة على قوة. إن سياسة ضربني وبكى سبقني واشتكى التي انتهجها العرب نجحت الى حين، ونرى بانه قد آن الأوان لحل هذه المشكلة عن طريق المفاوضات والاخذ والعطاء وهي سبل اجدى وافضل بحلول مرضية من الجانبين، فهل حل السلام بقرار مجلس الامن قيام دولة اسرائيل، بدون إقراره مرضى البلاد العربية؟
لقد ادركنا اخيرا ان القتل والتدمير ومحاولة ابادة الآخر المختلف، لا يأتي بشيء سوى التدمير الذاتي وان التعايش السلمي والحضاري والبناء وانفاق الاموال الطائلة لا على شراء السلاح الذي يبيعه "الكفار" للمؤمنين الذين يريدون نشر دين الحق بقوة السلاح لا بالتي هي أحسن، فألبت المؤمنين والكفار للوقوف معا امام الخطر الداهم للحضارة الانسانية الحديثة، حضارة تخفيف آلام الانسانية عن طريق العلوم والتعاون في حل الاخطار المتربصة بالإنسانية جمعاء من الطبيعة والتغيير المناخي والتصحر، والهجرة الغير شرعية والمآسي التي تخلفها، والسير بالإنسانية نحو طريق لمستقبل افضل للأجيال القادمة.
اشكر جميع المعلقين على كلماتهم التى تعبر بحرية عن رأيهم في موضوع الصراع العربي الاسرائيلي حتى الذين ديدنهم التهدد بابادة الآخر، ونحن نعلم اي منقلب انقلب اصحاب هذا التيار وما كانت نهايتهم . ونصيحة اخوية لمن يهدد بالابادة، كل تهديد تنظر اليه اسرائيل بعين الجد وترد عليه بحزم.
والعجيب ان العلماء المسلمين يتغاضون عن ذكر آيتين في القرآن الكريم تشيدان ببني اسرائيل وهم اليهود اليوم ونعمته عليهم وان الله وعد الارض المقدسة لهم بقوله تعالى في القرآن الكريم، في سورة المائدة ، الآيتين 19-20 ووعد الله حق: "إذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم انبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤتِ أحدا من العالمين. (20) يا قوم ادخلوا الارض المقدسة التي كتب الله لكم ..." (صدق الله العظيم)، اما نرى صحة وحقيقة هذه الآيات البينات الى اليوم ، وان كل من حاول منع دخول اليهود الى الارض المقدسة، باءوا بالفشل، وكيف نفسر خيبة الجيوش الغازية التي ارسلت لتدمير دولة اسرائيل 7 مرات على الاقل ؟ ألا ترى معي ان وعد الله حق وان من حاول تغيير ما جاء في هذه الآيات لم يفلحوا ولن يفلحوا الا اذا ساروا على هديها وتعاونوا على تحقيقها، فعند ذلك سيرى المؤمنون بركات الله في اخماد الفتن بين المسلمين انفسهم.
ماذا جرى للحضارة العربية الاسلامية؟ ان العلماء ايام المعتزلة العباسيين إذا نازلهم العلماء المسلمون في نقاش ديني يقولون للعلماء المسلمين حتى في حضرة الخليفة: لا تناقشونا بالاحتجاج الى القرآن كأنه خلاصة الحقائق السرمدية، فإننا لا نؤمن به!"، وهكذا يسير النقاش العقلاني دون اراقة دماء. تُرى ما كان يفعل علماء المسلمين اليوم لو قيلت لهم مثل هذه الحجة العلمانية؟؟؟.
إن هدفي من المقال الذي نشرته أيلاف الغراء هو اظهار طريقة معالجة الحكومات لمشاكل الاقليات في الدول الديموقراطية مقارنة بالدول والسلطات التي تحكم العاطفة والغرائز. في البلاد العربية أو ما اسميه "بعقدة الجمل"، أي حتمية الانتقام وهي عقدة ما تزال سائدة في بعض المجتمعات، ففي العراق عندما كانت الحكومة تغضب على اليهود، كانت تقوم بفصلهم من الوظائف الحكومية وتمنع عنهم تصاريحهم التجارية وتقطع عنهم لقمة العيش. أما في اسرائيل فهي تشجع المواهب والمثقفين على مواصلة اعمالهم والعمل الحر، ,فتتيح للعرب الذين درسوا الطب والمتمريض فيها وفي دول عربية اخرى العمل في مستشفياتها ومستوصفاتها بكل حرية، بل نجد كبار الاختصاصيين ورؤساء الاقسام في كبار المستشفات من الاطباء العرب ، ففي رفاهبة الجميع تكمن قوة البلاد،
قيل لارشد العمري الوزير العراقي في العهد الملكي، لماذا طردت اليهود بصورة خاصة من وظائفهم الحكومية، قال: اليهودي يستطيع الاتحاق بالتجارة بسهولة ويغتني بسرعة ، أما الـمسلم فيكون كالسمكة التي اخرجت من الماء" ما شاء الله على هذا المنطق القويم الذي ادى الى الفرهود والى طرد اليهود بعد تجميد اموالهم بعد حرب 1948 كتبادل سكان واموال بين العرب واليهود. وهذا ما قامت به سائر الدول العربية بقرار سري من جامعة الدول العربية. ثم ماذا فعلوا بأموال اليهود المجمدة والمصادرة في البلاد العربية، كتب المفكر المصري الكبير المرحوم انيس منصور، "التمست مني سيدة يهودية مصرية عادة لزيارة مصر "مصاحبتها لزيارة دارها في القاهرة، فقال لها "لا استطيع فهي اليوم مقر السفارة السعودية"، فتصور اية اموال طائلة تركها يهود البلاد العربية، وما بالك بما تركه يهود العراق حيث قصورهم في العراق وخارجها كانت مضافة لملولكها، وما بالك باملاكهم في باقي الدول العربية، ثم ماذا فعلوا بهذه الاموال؟ هل انفقوها على تعويض اللاجئين الفلسطينيين المساكين المظلومين ضحية سياسة حكامهم، كلا بل أحرقوا بها الاخضر واليابس في حروب وصراعات نسال الله حسن الخاتمة لخير الشعوب العربية والمتطاحنة دينيا ومذهبيا وعقائديا. اما شكوى القيادة الفلسطينية اليوم والاعتماد على الآخر لحل المشاكل المصيرية بلجوئها الى المحافل الدولية، فهذا موقف انهزامي لا يدل على نضوج
فكري سياسي، فما حك جلدك مثلُ ظفرك فتولى انت جميع امرك!
رحم الله السادات وموقفه السياسي الواقعي السليم في مصر التي اختارت الانفتاح الاقتصادي والثقافي والادبي على حضارة حوض البحرالابيض المتوسط، وذلك منذ أن تولي الحكم عليها محمد علي الالباني الذي قام بتهميش سلطة رجال الدين العرب في 1805 واقصاء المماليك في 1811 في مذبحة القلعة لبناء جيش نظامي جديد على غرار الجيوش الاوربية،
افلح المرحوم السادات بخطوته الرائدة الواقعية الشجاعة في إخرج مصر من دائرة حروب عقيمة الى واحة السلام التي لم يحسن الاخوان في جعل مصر ارضا يدخلها الناس آمنين، فجعلوها ساحة صراع عدوية عدائية لا ترى في الحضارة الحديثة التي تسعي الى حياة انسانية كريمة لجميع البشر، الحل الوحيد لمشاكل الانسانية التي يحاول المحافظون الرجوع بالعقل الى الغيبيات العقيمة.
وجميع البوادر تشير اليوم الى أن الرئيس السيسي ينهج نهج السادات الواقعي لخير مصر وشعب مصر وحل مشاكله الاقتصادية والسياسية والثقافية، وفقه الله الى ما هو خير للجميع، وليكن السيسي خير خلف لخير سلف،
البروفيسور/ سامي موريه
المصدر/ايلاف
753 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع