د.عبدالرزاق محمد جعفر
أعمى بطريق مُظلم! / الحلقة الرابعة والعشرون
لم يهتم "صابر" بالمطبات الفاشلة التي تعرض لها مع حواء وسَـعُدَ حينما وضع القدرفي طريقه أمرأة لفتت نظره ,وبعد لحظات وجد نفسـه منجذباً لها, ورمى عليها التحية !, فنظرت تلك المخلوقة نحوه بتعجب !, ولم ترد ها،.. إلا أنها ابتسمت له وتمعنت به, وكان شفيعه لطف الغزال وقوة الأسدّ,.. وبعد لحظة,..ردت التحية وسألته عن هويته,.. حيث ســمعت لهجته المختلفة عن لهجتها فأجابها على الفور(عراقي...أنا )! فأبتسمت,.. وعلا وجهها الاسـتغراب موشــحاً بالـفرح،... فذهلَ "صابر" من مقدرته على أختراق تلك الحورية !
وهكذا قتل "صابر" الخوف ,.. وساربجانبها وكأنها خليلته منذ امد طويل, ثم قادته ليكملا حديثهما في مقهى على قارعة الطريق, وبَدأ الحوار بينهما بكل أدب وحشمة وأسمعها عبارات منمقة عن عواطفه الجياشة ، مادحاً وسـامتها وسـحرها , وردد شعرالأخطل الصغير:
قتل الورد نفسه حسداً منـ ... ك والقى دماه في وجنتيك
والفراشات ملًت الزهر لما ... حد ًثتها الأنسـام عن شفتيك
فشكرته بلهجتها وقالت "يِعَيّشكْ" اي ربي يحفظك ، وطرحت عليه وابلاً من الأسئلة.
***
جلس "صابر" قبالتها وهوغيرمصدق بما تحقق له من مكسب, ثم تبادلا حديثاً طويلاً, وعرض عليها إنتاجه الأدبي والعلمي,.. وأخذت عنوانه، ولم تفصح له عن ســيرتها, سوى كونها حاصلة على شهادة الليسانس / فلسفة, وتعمل موظفة في شركة لصناعة شـبكة الصـيد!,
أكسـبتها خبرة معمقة بمهنة صيد الرجال ,وهكذا وقع "صابر" في شباكها, ... ووجد نفسه في حضرتها كـتـلمـيـذ "خائب",.. يقف أمام معلمته لأول مرة ، إلا أن هدوءها وتواضعها,..شجعا "صابر" على رفع الحواجز بينهما, وعرض عليها أنتاجه العلمي والأدبي وأهدى لها بعضاً منها وراحت تتمعن بها وأسـمعـتـه عبارات الإطراء,مثمنة مكانته العلمية في الجامعة والمجتمع ،.. ثم ناقشته ببعض ما ورد في منشوراته من أفكارأشعرته بمقدرتها الثقافية.
وما أن أيقنت بنيته الطيبة نحوها,.. أعلمته عن سيرتها الشخصية, وفهم من حديثها عدم توفيقها من العثورعلى بعـل وفق مواصفاتها, اي انها ما زالت عانسـاً لحد الآن بالرغم من انها في نهاية العقد الثالث من عمرها, وان فـشـل خطبتها من زميلها الجامعي, جعلها تعتكف مع نفسها، وترفض التعارف بأي رجل !
حدس "صابر" سبب ادعائها بالعفة, يعود لأزالة اي شـك يداهمه عن عـفـتها , ..وبمرور الأيام لـمـس رغبتها بتكوين علاقة معمقة معه, فأرتهب ونادى : لك الله ياغافل,.. بالك تعاود ثاني !
استمرت علاقة "صابر"مع تلك المـرأة الطلسم !... التي هبطت عليه من حيث لا يدري وراح يحمد ربه على ما اكتسبه من هدوء ردً له الروح ولـمس سعادة بوجودها بمعيته لم يحـس بمثلها منذ أيام الشباب،..ولكن دوام الفرحة من المستحيلات في حباة "صابر" فـبعـد علاقة عدة أشهرأكتشف شيئاً جديداً فيها,قـشع الضباب الذي اكتنفها !
تمكنت تلك المرأة بذكائها وخبرتها أن تهيمن على عواطف "صابر" وتدفعه لكي يتعلق بها بشكل جنوني, فهام بها عشقاً, ومرددا بصمت كلما خلد للنوم,..أغنية كاظم الساهر : " زيديني عشـقاً,.. زيديني" !
كان "صابر" يحمد ربه لتـأقـلمه مع تلك الظروف, حيث خففت من وطأة الغربة والحنان لوطنه وعائلته ، فقد أحـس بشيئ من الهناء على أسـاس :
( حب فاشـل أحـسـنً من لا حـب! ), .. حيث ُطُمرت عواطفه سـنيناً طويلة بسبب الصرح العلمي الذي وصل إليه وتربية أولاده والكفاح المستمر لتوفير السكن ولقمة العيش لهم في المهجر.
أمضى" صابر" مع تلك الغادة أياماً بهيجة ثم ودعها على أمل اللقاء بموعد تحدده هي بنفسها، فهي لم تعطه رقم تلفونها أوعنوان سكنها أوعملها, وهذه هي أول بذرة شــر لشجرة الحب !, فإن نمت فسوف تكون كفيلة بقتل اليابس والأخضر, بغض النظر أن طال الزمن أم قصُّر،... إذا لم تقتلع البذرة الخبيثة قبل نموها!
تكررلقاء "صابر"مع تلك العانـس الغريبة الأطوار،.. وهو مؤمن بفشله رغم خبرته في علم التربية الاجتماعية وعلم النفس والتعامل مع نساء من مختلف الأطوار!.. حيث لم يجد اللغة التي تفهمها ، فهي غامضة في كل تصرفاتها، فقد أبت عليه أن يعرف تلفونها أو سكنها بالرغم من إطلاعها على كافة أسراره !
شـعـر "صابر"بملل من هذه العلاقة الزائفة والأهتمام من طرف واحد،... حيث لم يلمس لديها أية مشاعرعاطفية نحوه حتى بحدود المجاملة المتعارف عليها ,.. وبات الأمر على العكس من ذلك ، فلقد ازدادت نفوراً من "صابر" يوم أن أفصح عن عواطفه المطمورة منذ سنين والتي تفجرت كما يتفجرالبركان الهامد يوم ان اقترب منها,... وهي في سجال مع صاحب المكتبة,... الا انها كانت تصده بكل لباقة في اللحظة المناسـبة !,.. فيبتعـد عنها مدركاً هدفها من تلك الحركات المفـتعـلة, الا انها حدسـت أنزعاجه,.. ولم ترغب ان تخسـره,.. ولذا أخبرته في احد الأيام بأنها " عذراء " لم يمسسـها بشـر،.. ولن تسمح بذلك مطلقاً إلا شرعا ً،... ولم توافق على الزواج السري ، وتهكمت على كل من يؤمن بالعلائق الجنسية غيرالشرعية,.. وبعد بضعة أيام وافـقـت على الزواج منه ، ولم يصدق, فمن غيرالمعقول أن تعرض امرأة بمثل جمالها ومستواها الثقافي الزواج على كهل مثله,.. وهكذا وصلت علائق " صابر" بالهناء كضفتي نهر, وفقد الأمل بترويضها وأقتنع بالصداقة وبـس !,..أي يابسـه وتمن , كما في المثل العراقي!
***
لم يستطع "صابر" أسـتغلال قدراته لكسب ودها حتى نظرياً, وبمرورالأيام لم يلمس منها إلا بُعداً وبروداً منقطع النظيرازداد يوماً بعد يوم ، عـزاه إلى خبرتها لتقوده نحوعشــها وتهيمن على عواطفه، فأذعن لإرادتها, آملاً أن يلمـس المستخبي والمستور من مخططها !..وفي احدى زياراتها صرح لها باستحالة زواجه منها او من اي أمرأة اخرى , ..فلم تأبه بمنطقه , وتغيرسلوكها فجأة وازدادت بُعداً عنه,... ولم تمكنه من تحقيق أية رغبة من رغباته المكبوته,.. التي سـبق وان وعدته بها،.. وبدأت تتغيب عن زيارته لفترة طويلة من دون إعلامه كما كانت تفعل في السابق!
وهكذا تحقق ما كان متخوفاً منه، ولما عادت له بعد عدة أسابيع ادعت حـَدوثات واهية لم يصدقها مُطلقاً, وجَـمـدَ مشاعره نحوها ولم يعتابها البته,..على طريقة عبدالحليم حافظ : " بلاش عتاب"!
لم يستوعب "صابر" وجود امراة تمتلك كافة المؤهلات التي وهبها الله لحواء ولا تـُظهر أحاسيسها الأنثوية ،... ولذا فهي غيرصادقة في رغبتها بالزواج, بل كانت تبرر تصرفها معه لكبح مشاعره نحوها,.. لمنعه من التمادي لتجاوزالخطوط الحمراء !, ... ولذا أستمرمعها في علاقة سطحية لمجرد قتل الوقت أو اللعب بالوقت الضائع, وفق لغة لاعبي فريق كرة القدم المتقدم بالأهداف !
*****
علمتنا الحياة الكثير من عبارات الأمانة والصدق والشهامة وغيرها من المُثل المنمقة وحافظنا عليها ليومنا هذا ولم نحـيِدْ عنها مطلقاً، وقد تكون هي السبب الأساسي في كآبتنا وعدم مقدرتنا بالسير ضمن السائرين الذين توشحوا بالرذيلة وصارت الخيانة عندهم شجاعة،... والضحك على الذقون عبقرية أو ذكاء، ولذا استنبطوا أنواعاً عجيبة وغريبة من التصرفات اكتسبوا من ورائها منافع رخيصةً, وانعكست على علاقة حواء بآدم, فأنعدمت الثقة بينهما,. وبان الوجه القبيح لكل منهما,..فأدى إلى الكراهية والأنفصال اوحتى العداوة الشخصية !,..
ومهما كان أحد الأطراف عبقريًّا في تصرفاته لخديعة الآخر، فلا بد أن ينكشف ويدفع الأثنان الثمن, فالحب نطقه سهل وفهمه صعب!
***
وهكذا اسـتمر "صابر" في دوامة, معتبراً نفسـه أغبى الأغبياء, ويأس من عقاقير"الصبر" لعلاج مشاعره المتأججة لينقذ ما يمكن انقاذه قبل احتراقها ما تبقى بأشعة ليزرالتي تحرق ولا تحترق!
***
ومـرًت الأيام و "صابر"ما زال أمام تلك العانس التي أصرت على عدم السماح بالأقتراب من الخطوط الحمراء, وهي التي مهدت بـشده نحوها,.. وبكل ما تملكه حواء من دهاء, وهو كالمسطول!, أو قل أنه (أعمى بطريق مظلم ) ,..فما في الكون إنسان يقبل بمثل تلك العلائق!, فقد شـد ًّته ًنحوها بعنف ولن تفصح له عن مشاعرها, ولن
تتركه وشأنه ,... وهل يمكن لأمرأة بمثل نضوجها الجنسي,.. أن لا يكون لديها شعور نحوإنسان تدعي حبه؟
سببت هذه الحالة انهياراً لـ "صابر" وراح يطلب العون من أي شخص يستطيع أن يرشده لنهاية الطريق معها لكي يخرج من النفق الذي وضع نفسه به، ولا طاقة له بالاستمرارمعها,.. آملا أي ضوء ينير له الطريق حتى لا يبقى أسيراً لتلك المرأة الطلسم!
العاقل هومن يصمد ويفـتـش عن الأسباب التي لفشله , والتخطيط لأسس جديدة بهمةٍ وطاقة عالية،..عندئذ سـيحقق النجاح وتزول عنه سحب الفـشـل من سـماء حياته وأن لا يـعـتـمـد على الحظ فقط !!
أن الحب من طرف واحد هو كلإعصار,... يحطم كل الآمال، والشجاع هو الذي يـقُـر بالواقع ويهرب في الوقت المناسب وسوف لن يخسر شيئاً سوى الاحتفاظ على ما تبقى لديه من قدرة فكرية قبل فوات الأوان، فالحب لا يعرف المذلة، إنه الشموخ!
آمن "صابر" بالتأقـلم مع عادات أي مجتمع يحل به، وقد سمع ذلك من إحدى طالبات جامعة موسكو أيام الدراسة حيث قالت له بعد ان وبخها لتبادل القبل مع زميل دراستها :
من يريد العيش معنا فليخلع ملابسه حال وصوله ويرتدي زينا !
وهكذا راح "صابر" يصارع العادات الاجتماعية التي ورثها ويجاري عادات المجتمع الذي يعيش فيه محاولاً تحطيم الازدواجية الجاثمة على صدره، وترك التردد!
اقتنع"صابر" بعدم الجدوى من استجداء العواطف من امرأة همها اشباع نزواتها , وأن لا يحزن على ما فاته , فهو قد تعرف على فئة صغيرة من المجتمع , فقد تكون هذه السيدة سادية او رومانسية في آن واحد, ولربما تريد الثأرلعواطفها التي اغتالها شخص ما!
ومن البديهي ان المرأة المهشمة القلب سـوف تـغفر ولن تنسى او تسامح من لم يتقن لعبة الحب معها !... ومثل هذا النوع من النساء يعتبرن كل الرجال من طينة واحدة ، فيهجمن على الضحية ليـشـبعن كرامتهن المهدورة !
***
يتبع في الحلقة / 25 / مع محبتي لكل قراء الكاردينيا الغراء
للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة:
http://www.algardenia.com/maqalat/14407-2015-01-09-07-34-12.html
874 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع