الدولة تمنع التعذيب في القانون لكنها تيسر استخدامه في الممارسة

                                    

                         د. عبدالقادر القيسي


 بداية ان مقالتي هذه ستكون بعيدة عن الجانب القانوني البحت وانما ستكون انسانية اطارها قانوني، وكلمة الدولة لا تشمل كل مفاصلها وانما البعض، ونقول:

على مدى اكثر من سبع سنوات وطيلة عملي في اكبر محكمة مختصة بالإرهاب (المحكمة الجنائية المركزية في ساعة بغداد) كرئيس غرفة المحامين ومسؤول مكتب التنسيق الخاص بالمعتقلين العراقيين مع القوات الامريكية، وفدت الينا عدة شكاوى تخص التعذيب من(محامين ومتهمين وذوي المتهم) وبعضها لمستها ميدانيا، في البداية كانت الشكاوى تأتينا فرادى لكن في السنوات الاخيرة أصبحت تأتينا بالعشرات وعلى مدى تلك السنوات تواترت الشهادات والروايات، يحكونها، تتنوع وتختلف أحيانا، وتتكرر وتتطابق أحيانا أخرى، لكنها تتفق جميعها في بشاعتها وقسوتها، وأخذت أشكال التعذيب تتشكل أمامنا بتفاصيلها ودقائقها، وكانت كثيرا ما تصدمنا وحشيتها(خصوصا ما تعرض له المعتقلين في قضية سياسية معروفة التي اريد الباسها عنوة ثوب القضاء، والتي كنت احد ضحاياها بقدرة من كانوا يعملون بالخفاء وعزم بعض المحامين) وظهرت هناك قدرة وحماسة فائقة للقائمين على التعذيب على تنفيذها، وتكرار تنفيذها، وأحيانا الابتكار والتفنن في أدائها، وصولا إلى هدف التعذيب النهائي، وهو السحق التام للضحية لأسقاط شخصية سياسية او لأسباب طائفية او حزبية، وتحقق أمامنا، بشكل مجسد إضافة لمشاهداتنا الميدانية، ما قرأناه في تقارير سابقة وحالية من منظمات دولية متعددة، عن ممارسة أبشع أشكال التعذيب التي  تعيدنا الى الحقبة السابقة، وأن ممارسة التعذيب تم تعميمها على نطاق لم يسبق له مثيل، من حيث اتساعه، ومن حيث عشوائيته، وأنه يطال الغالبية، من افراد عاديين او حزبيين او سياسيين، معارضين، وأنه يمارس ضد الأفراد غالبا، وارتسمت أمامنا أيضا أنماط وأنواع من التعذيب يختص بها كثير من القائمين بالتحقيق، وجديرة بأن تنسب إليهم، وهى أنماط غير مسبوقة أو منقولة، ونسجل في هذا المقالة بعضا منها على سبيل المثال لا الحصر، كما يرويها ضحاياها، أو بالأحرى أبطالها، والناجين من معاناتها المروعة، وقد عبروا المحنة ولموا شتات النفس والجسد، واستطاعوا الوقوف على أرجلهم ثانية لمتابعة الحياة، وسقط غالبيتهم تحت وطأة التعذيب الوحشي .

ويروي المعتقلين المطلق سراحهم مؤخرا (ارويها كما تحدثوا بها) عن صور للتعذيب الجسدي وهو أكثر الأنواع شيوعا، منها:

الضرب المبرح الضرب باللكمات على الوجه والرأس، وبالسياط وخراطيم المياه على الرأس وباقي أجزاء الجسد، وقلع الاظافر.
الكي بواسطة قطعة معدنية بحجم وطول قلم الرصاص للمناطق الحساسة من الجسم إضافة إلى الحرق ويتم ذلك بواسطة السجائر أو بأدوات معدنية ملتهبة أو بالزيت المغلي، وفي عدد من الحالات تم سكب مواد كيميائية ملتهبة أو بلاستيك مصهور على أجزاء مختلفة من الجسم بهدف التشويه، وتدمير فروة الرأس بتجريح الرأس وحلاقة الشعر، ويمارس بشكل خاص على النساء.
الربط المحكم بالقيد والتعليق والوقوف لساعات قد تمتد ليوم كامل، وهناك السير والوقوف في الشمس طوال النهار دون السماح له بشرب الماء، او إجباره على القفز داخل حفرة ضيقة وعميقة، أو القيام بأداء تمارين رياضية عنيفة لفترات زمنية طويلة، او الإجبار على مشاهدة شخص آخر يتم تعذيبه أو إجبار الشخص بأن يقوم بتعذيب شخص آخر وقد تكون الضحية أحد أفراد أسرة المعتقل، كأن يعذب الاب ابنه او شقيقين احد منهما يعذب الآخر، وهناك طريقة الاختيار المستحيل وهي طريقة شائعة جدا تهدف إلى الضغط على الضحية من اجل الكشف عن معلومات سرية أو بهدف الاستمرار في التعذيب، أو مقايضة المعذب على اختيارات مستحيلة مثل مقايضته انه اذا اعترف على فلان يتم اطلاق سراحه، أو تخييره ما بين إيقاف التعذيب وتأدية أفعال وحركات منافية للعرف الاجتماعي مثل ممارسة الجنس بصورة منافية للأخلاق.
إجبار الشخص على الكفر بمعتقداته الدينية أو إهانة مقدساته او سب رموزه الدينية والسياسية أو الإهانة العلنية، او الصياح مثل بعض الحيوانات وغيرها.
التعذيب الجنسي: وهو على عدة صور منها، إجبار الشخص على التعري على الملأ أو إجباره على الاشتراك في عمليات جنسية، او التحرش الجنسي  بالأجزاء الحساسة منه وهتك العرض والتهديد بالاغتصاب، او بإتمام العادة السرية والقذف على المعتقلين، ويحدث هذا التحرش مع الرجال والنساء، او إدخال سلك معدني في القضيب الذكري ويترك هذا السلك يوما أو اكثر حتى يصاب الضحية بنزيف في الجهاز البولي التناسلي، ثم ينزع السلك حتى يتوقف النزيف، ثم تعاد الكرة، ومنها ربط الخصيتين بحبل يلف حول بكرة بآخرها ثقل، أو الضغط عليها بكماشة أو أي شيء اخر.
    الخوزقة أو الاغتصاب بأدوات صلبة ويستخدم مع الرجال بشكل أساسي، وفية يتم إدخال عصا غليظة، أو تدفع زجاجة بفتحة الشرج أو تجبر الضحية بالجلوس عليها، وقد لا يمكن إخراج الزجاجة بسبب ضغط الهواء إلا بكسرها وهي داخل الشرج.
    صب المياه الباردة أو الساخنة على الأجساد.
    القفل داخل حاويات وداخل دورات المياه التي ينعدم فيها التنفس تماماً.
    ربط الأعين ربطاً محكماً وعنيفاً والتعليق بواسطة الحبال في أوضاع غير مريحة لمدد تتجاوز الخمس ساعات.
    تقييد الضحية عاريا في شجرة في منطقة المستنقعات او في العراء طوال الليل، أو بتقييد الضحية في وضع القرفصاء مع ثني الذراعين كما لو كان موضوعا في صندوق ضيق، وتركه لعدة أيام متصلة.
    الصعق الكهربائي ويتم هذا الصعق بتوصيل أسلاك كهربية بالأصابع أو اللسان أو ما وراء الأذن والإجبار على الجلوس على كرسي مكهرب وعادة ما يتم استخدام الكهرباء في الأعضاء التناسلية.
     الاغتصاب الفعلي وقد يتم من قبل فرد واحد، أو يتناوب أكثر من فرد على اغتصاب الضحية ويحدث مع الجنسين، وبنسبة أعلى مع النساء، والتهديد بإيذاء الأسرة بالتعذيب أو الاغتصاب أو القتل وكثيرا ما يتضمن ذلك محاولات فعلية لهذا الشكل من أشكال الاعتداء، كما يتضمن التهديد بإفقاد الضحية عقله.
    اجبار المتهم على شرب محاليل مركزة من السكر أو الملح مع الوقوف في الشمس الحارقة حتى يزداد العطش والعرق وقد يجبر أن يرفع يديه لأعلى طوال مدة الوقوف.
    وهناك الإعدام الوهمي: وفيه تعد الضحية لعملية إعدام كاملة التفاصيل ويطلب من الضحية إن يكتب وصيته ثم تجري خطوات تنفيذ الإعدام مثل تغمية العينين، أو ربط الحبل حول العنق إذا كان الإعدام شنقا أو الربط بشجرة إذا كان الإعدام بالرصاص، وفي اللحظة الأخيرة يؤجل الحكم ويتم التراجع عنه مؤقتا مع إعلان أي سبب للتأجيل، وقد تشمل الإيحاء بأن الشخص على وشك أن يتم قتله وقد يتكرر ذلك عدة مرات، وفي كل مرة تكون الضحية على موعد مع الموت بعد إن وصلت حالته من الإجهاد النفسي تجعل ذلك الموت حلما وأملا للخلاص من كابوس الحياة المستحيلة.
    إجبار الضحية المعتقل على استنشاق مواد مدمرة للجهاز التنفسي وللعين ويكون ذلك بإلباس رأس المعتقل كيس قماش ملئ بالفلفل والبهارات يضيق عليه بدون تهويه وتركه يستنشق الأبخرة.
    القذف بالألفاظ النابية والتهديد المستمر بإمكانية إحضار الزوجة وفعل المنكر معها أمام المعتقل.
    وضع عصا بين الأرجل وثنى الجسم بعنف إلى الخلف والضرب على البطن.

ثمانية عشر / السرداب :
هذا التعذيب لم أجد له مثيل عندما تصفحت ما كتب عن التعذيب، والسرداب وهي طريقة مبتكرة للتعذيب لا تترك أي اثار على جسد المعتقل، وهو عبارة عن سرداب تحت الارض فيه ماء مجاري(اجلكم الله) ترمى فيه الحيوانات النافقة وبعلو130سم يدخل فيها المعتقل ويترك فيه لحين مناداته للسجان انه جاهز للاعتراف لعدم تحمله، وعند خروجه هناك مجموعة جاهزة وحرفية امامها لابتوب تختار له الجرائم التي عليه الاعتراف بارتكابه لها ويقومون بأفهامه وتنظيم مفردات اعترافه، من مسرح جريمة الى كشف دلالة لمحل الحادث وتفاصيل المجنى عليه وغيرها وحسب نوع الجريمة،  وبعدها يتم تهيئته خلال أسبوع لأجل ان يدلي باعترافه امام الهيئة القضائية، او قاضي التحقيق، ويكون قد تم تحفيضه وتلقينه بكافة الوقائع ومضمون اعترافاته، تحت التهديد بالعودة للسرداب، ان هو تناسى او نسي ما متفق عليه، فيكون حديثه امام الهيئة القضائية بطريقة تحتاج الى قضاة ذو خبرة عريقة بالتحقيق وصفحاته، ولديهم خبرة بطرق وأساليب المحققين غير الشرعية، وبسبب الضغوط السياسية وما تم ممارسته إعلاميا والتدخلات في سير التحقيقات، لم يتم اكتشاف طرق التعذيب هذه، وهناك تفاصيل لا اريد ان اذكرها لأنها مؤلمة، واني من انصار عدم التعرض للقضاء بالأعلام وكنت اعبر عن ذلك دائما للسادة نقباء المحامين الثلاث، بالرغم من اني اسمع واشاهد واقرا العديد من التصريحات والتقارير والبيانات التي تشير الى هناك تدخلات بالقضاء وتأثيرات حكومية وحزبية ودينية قد اخذت طريقها في تغير جزء كبير من الدعاوى.
ملاحظة (والله والله لن ازيد كلمة واحدة على هذه الطرق والوقائع ونقلتها وفق ما رويت ومن معتقلين تم إطلاق سراحهم بل تم تجاوز الكثير رفقا بالقارئ وعدم إطالة المقالة)
يقرّ القانون الدولي بكل وضوح مسؤولية الدولة عن ممارسات التعذيب المقامة من طرف موظفيها الرسميين (القائمين بالتحقيق)، وتتحمل جميع الحكومات مسؤولية ملاحقة المخالفين أمام القضاء في إطار نظام الإجراءات الجنائية الخاصة بالتعذيب.
ان منع التعذيب بكل صوره هو في حد ذاته فعل ينبع عن الإرادة السياسية او المهنية، وان الية مكافحته تمتد لتشمل كل أولئك الذين في موقع السلطة ويتحمل القضاة والمدعيين العاميين مسؤولية جوهرية ورئيسية في المساعدة على منع اعمال التعذيب وسوء المعاملة بحكم دورهم في دعم سيادة القانون، وذلك عن طريق التحقيق في ادعاءات التعذيب بشكل  فعال وعلى وجه السرعة وعقاب أولئك المسؤولين عنه، بالرغم ما يؤدي ذلك الى مشاكل عديدة وتهديدات خطيرة ولإدارة مجرى العدل عموما، نظرا لان عادة من يرتكبها بعض المنتسبين للشرطة والأجهزة الأمنية والقائمين بالتحقيق وهم مسؤولين بصفة عامة عن حفظ القانون وتنفيذه وهذا يجعل الامر اكثر صعوبة عند التعامل معه مقارنة بأنواع الجرائم الأخرى، ورغم ذلك يتحمل القضاة والمدعيين العاميين واجبا قانونيا في العمل على عدم المساس بنزاهة مهنتهم والعدالة التي يدعمونها بسبب التهاون وغض النظر المستمر في اعمال التعذيب او سوء المعاملة وغيرها، وهناك ظواهر تسهّل ممارسة التعذيب، منها:
أولا : الاعتقال السري (الاعتقال مع منع إخطار ذويه او محام).
ثانيا : صعوبة إيجاد أدلة دامغة ضد المسؤولين عن التعذيب إذ يركنون إلى إخفاء هوياتهم أو اعتماد أساليب لا تترك آثارا مادية، كما يمكن أن يتم التلاعب بالأدلة أو إتلافها، إضافة إلى تحرير تقارير ومحاضر مزورة، هذا مع احتمال وجود تعليمات تفرض التزام الصمت وتمنع البعض من التبليغ عن زملائهم، علاوة على إحراج الشهود أو تهديدهم بأعمال انتقامية مادية أو عبر إجراءات قانونية قسرية.
ثالثا: وجود خلل في أسلوب التحقيق والملاحقة القضائية والأحكام، أو عدم فعاليتها أو جدواها أو تشبّع البعض منها بالفساد.
رابعا: عدم ضمان او إنصاف حق من يتعرض للتعذيب وتعويضه تعويضا عادلا ومناسبا وإعادة تأهيله على أكمل وجه ممكن، وحثه على رفع شكوى يُنظر فيها بنزاهة، وتامين الحماية له من المساس به نتيجة لشكواه.
خامسا: عدم فعالية الادعاء العام في ملاحقة المسؤولين عن التعذيب وإذا وجد مدعي عام من يريد ان يحاسب يتم تهديده واختلاق شتى الفبركات بحقه، منها انه لديه ميول مع المجاميع الإرهابية، وكما حدث مع البعض منهم، غير متناسين انه هناك من رجال الادعاء العام من واجه التعذيب بشجاعة.
سادسا:هناك ضعف بين في استخدام الملاحقات الجنائية ضد ممارسي التعذيب، وفي حقيقة الأمر، من الصعب مباشرة الملاحقات ضد منتسبي الأجهزة الأمنية والشرطة والمراكز التحقيقية، فنجاح الدعاوى يمكن أن يكون صعبا للغاية بسبب قانون الصمت شبه الرسمي المسيطر بين زملاء المهنة والعرف السائد بإخفاء او اعاقة الوصول إلى أدلة واضحة.
سابعا :وجود بعض المحامين مع الأسف الشديد جاهزين (تحت الطلب) لأجل التوقيع على إفادات لمتهمين معترفين تحقيقا وقضاءا وما على المحامي الا ان يضفي المشروعية على الإفادة من خلال توقيعه، لإرضاء للقائمين بالتحقيق ولتعزيز عمله المهني من خلالهم، وهناك محامين يذهبون ليلا للمراكز التحقيقية ويشاهدون المتهم يعتدى على كرامته الشخصية، ويعامل معاملة مهينة ويدلي باعترافه بالإكراه؛ لكنهم لا يعترضون، اما لخوفهم من القائمين بالتحقيق ان هم اعترضوا، يقومون بإدخال اسمهم في اعترافات أي متهم وببساطة، او مشاركين في جريمة التعذيب، حيث بعضهم يقوم بضرب المتهمين وهو بنفس الوقت يكون محاميه؛؛؛ اهناك انتهاك لمهنة المحاماة وقدسيتها اكثر من ذلك؟ (أحد أسباب استهدافي الرئيسية هو بسبب منعي توقيع الافادات من المحامين بدون حضور الاستجواب).
ثامنا: اجراء التحقيق دون تطبيق نص المادة 123 من قانون أصول المحاكمات الجزائية النافذ، من حيث حق الصمت للمتهم وحق اختيار محاميه، واجبار المتهم ضمنا بقبول المحامي المنتدب تحت الخوف والتهديد، لان المحامي الفعلي تكون رعايته لشؤون موكله القانونية منتجة وذات مصداقية، وأكبر خطر يتهدد المعتقل يكون في مرحلة الاعتقال بداية وقبل ان يتمكن من الحصول على محام او عرضه على المحكمة.
تاسعا: ليس هناك إدانة واضحة وحقيقية وصادقة من أعلى مراتب الحكومة لممارسة التعذيب، خاصة المسؤولين عن تنفيذ القانون وإدارة مجرى العدالة، عليهم ان يدينوا علنا التعذيب بكافة صوره أينما حدث ويجب ان يوضحوا تماما بان المسؤولين عن ارتكاب اعمال التعذيب والمسؤولين عن أماكن الحبس والاحتجاز سوف يحاسبوا ويتحملوا المسؤولية الشخصية عن تلك الاعتداءات، ان ذلك يتضمن رسالة واضحة لممارسي التعذيب، ويجب أن ترفق هكذا تصريحات بحملات تحسيسيّة للعموم حول التعذيب.
عاشرا: وجود قوانين تسمح باستخدام الأدلة المنتزعة تحت وطأة التعذيب كأدلّة قاطعة عند المثول أمام القضاء.
احدى عشر:عدم وجود مركز وطني يوثق هذه الانتهاكات ويلتجا اليه المعذب، يقوم بإجراءات قانونية فعالة وتخفي هوية المعذب لحمايته من بطش المسؤول عن تعذيبه، ويتم تنسيق تبادل المعلومات، مع مفوضية حقوق الانسان والبرلمان (لجنة حقوق الانسان) والقضاء، إذ يمكن إنشاء بنك دولي للمعلومات خاص بممارسي التعذيب المعروفين.
اثنا عشر: مضاعفة تنظيم سلوكيات جهاز الشرطة والقائمين على التحقيق ومراقبتها ومن خلال:
أ- إلزام منتسبي الشرطة والأجهزة الأمنية والتحقيقية بإعلام المشتبه فيهم جنائيا، بحقوقهم كحق التزام الصمت، وحق حضور محام في الاستجواب، ومن شأن كل تقصير في أداء هذه الإجراءات، أن يفضي إلى عدم شرعية أي اعتراف يأخذ من المشتبه فيه.
ب- تشجيع الموظفين من منتسبي الشرطة والأجهزة الأمنية والتحقيقية على تسجيل الاستجوابات وغيرها، في جهاز سمعي بصري لإثبات امتثالهم للقواعد الملزمة.
ج- تقليص فترات الاحتجاز التعسفي ومنع الاحتجاز السري، ومضاعفة التدابير الاحترازية أثناء فترة الاحتجاز
د- توفير حق، المحتجز في الحصول على محام، والحق في الإعلام بالحقوق بلغة مفهومة، وحق مراسلة العائلة أو آخرين، وحق التمتع بزيارات.
هـ ضمان حق الموقوفين في العرض المناسب والفعال والمؤثر على المحكمة، ومن خلال تطبيق الدستور والقانون في مراعاة المدد القانونية من ساعة اعتقال المتهم ولحين عرضه على القاضي المختص
و- ضرورة وجود سجل في مقرات الأجهزة الأمنية والشرطة والمراكز التحقيقية، يتم فيه تسجيل كل التحركات المسجلة أثناء فترة الاحتجاز الاحتياطي للمعتقل.
ر- سن مدونة خاصة بسلوكيات رجل الشرطة والامن أثناء الاستجواب، ووجود آليات رسمية وعير رسمية للمراقبة مثل المنظمات المستقلة القادرة على رفع الشكاوى وزيارة أماكن الاحتجاز.
ز-على المسؤولين الكبار تحصين أنفسهم ومنتسب الشرطة والأجهزة الأمنية، لان المواقف والسجون والمعتقلات مليئة بالإغراءات التي لا ينبغي على المسؤولين أن ينساقوا وراءها.
لذا على الدولة اتخاذ إجراءات تشريعية وإدارية وقضائية فعالة أو أية إجراءات أخرى لمنع أعمال التعذيب في أي محافظة او اقليم يخضع لسلطتها القضائية.
والسؤال الذي يرد كيف يتحول الشخص العادي الى جلاد؟
يبدو أن قلوب الجلادين قد قدت من صخر صلد فهي قاسية متحجرة، فصاحب القلب السوي لا يحدث الأذى بأخيه الإنسان لمجرد التسلية أو التلذذ انه الانحراف الإنساني، وتحدثنا الأحاديث الشريفة إن امرأة أدخلت النار في قطة حبستها ولم تطعمها ولم تطلقها لتأكل من خشاش الأرض، وبلغ الحد بنبينا الكريم (ص) أن يأمر المرء بأن يحد سكينه ويريح ذبيحته حتى لا تتعذب، وأن الله يغفر تقصير العبد في حقه تعالى، ولكن لا يغفر جرم العبد على العباد، وهناك احتمالات أخرى واردة في علم النفس لتفسير تحول إنسان بسيط إلى جلاد ومنها:

أن الأشخاص العاديين وبمختلف المستويات الاجتماعية والثقافية معرضون للانصياع والطاعة العمياء عندما يتعرضون لنظام أيديولوجي يحظى بدعم اجتماعي ومؤسساتي وتذكيرا، الوضع أو الواقع هما اللذان سببا سلوك الأفراد أكثر من أي شيء موروث في شخصياتهم
مدى قبول ظاهرة التعذيب في الوسط الذي يعيشه أو يعمل به ومدى ممارسة أفراد الوسط أو زملاء العمل لظاهرة التعذيب، فالإنسان بصورة عامة يجنح إلى الاندماج والتأقلم مع الوسط لكي يشعر بأنه جزء من المجموعة.
التنفيس عن مكبوتات فرضها المجتمع أو السلطة أو الدين على الأجزاء الغريزية في لاوعي الإنسان.

من حق الدولة أن توجه تهما لمن تعتقد أنه خرق القانون، لكن ليس من حقها التعسف في استخدام القوة، والسب والاهانة وإطالة اللسان بحيث تصبح خاضعة للمزاجية الأمنية، وليس من حقها أبدا التجاوز على معتقل لديها ولو بكلمة، سواء كان إرهابيا او سياسيا او ناشطا أم قاتلا، عملا وتطبيقا لقاعدة دستورية (المتهم بريء ما لم تثبت ادانته بمحاكمة عادلة) ودور الأمن أن يودع المتهم للتحقيق او للمحاكمة، فقد يكون بريئا.
حقيقة، ما يمارس في بعض مراكز الاعتقال مخالف للدستور والقانون والقيم، وهذا معاكس لمسار الإصلاح تماما، وعلى الدولة العراقية التصدي للخروقات وكل ممارسة غير قانونية ولا أخلاقيّة.
التعذيب أسوأ من الاعتقال وتوجيه التهم
هل يحق لرجل الأمن بعد أن أصبحوا المتهمين أمانة لديه أن يعتدي عليهم بالضرب أو الإهانة أو التعرية، او التعذيب وغير ذلك من ممارسات لا تولد إلا مزيدا من الغضب والمرارة والتصعيد؟
إن الأزمة تربوية ابتداء؛ فاحترام الإنسان وحقوقه لا يحتاج إلى قوانين ولوائح ومعاهدات.
دور الأجهزة الأمنية انفاذ القانون بالقوة، ومن حقها أن تطلق الرصاص على من يطلق الرصاص عليها وهي تدافع عن نفسها، ومن حقها، ضمن حدود القانون، فض اعتصام أو تفريق مظاهرة، الشرطة لا تحمل السلاح للزينة أو لاستخدامه في الأعراس، هي الجهة الوحيدة التي تمتلك حق إطلاق الرصاص، ولكن في حدود القانون، إن الفوضى وغياب الدولة نتيجة لخروج أي طرف على القانون.
تخيل أخي القارئ حال أطفال أكبرهم لم يتجاوز الصف الثالث الابتدائي وامهم وحيدين في بيتهم، وأفزعوا من نومهم وفجعوا باقتياد وخطف أبيهم دون امر قضائي وتركوا سهودا مستوحشين في ذلك الليل البهيم يعانون ألم فراق أبيهم ومصيره المجهول، وكم تؤلم تلك العبارات من الصغار عندما يسأل عن أبيه ويطلب أن يشاهد أبيه ويكلمه، فيا ترى كيف نرد على هؤلاء الصغار؟ هل نقول لهم أن أباكم الذي خطف وعذب ونكل به حتى مات؟ وهل نقول لهم ان عذابه كان ثمنه شهامته وكرمه لأنه استضاف أحد اقربائه بحسن نية، فكان جزاؤه الاعتقال والتعذيب الوحشي، وهل نقول لهم ان امكانيات الدولة وسياراتها وطائراتها واسلحتها وجنودها مسخرة لعائلة بعينها؟ وهل نقول لهم ان هناك قيادات حكومية وبعض من القضاة والمحققين المسيئين في الدولة، شاهدوا التعذيب وطالبو بالمزيد لنزع اعترافات كاذبة خاطئة؟ وهل نقول لهم ان اباكم لم يلقى الرعاية الطبية المطلوبة لأنه مريض وتم تعذيبه ليفارق الحياة، مظلوما مقهوراً مكبل بالأغلال؟ تخيل أخي القارئ أنت أو أي أحد من عائلتك مورس معه هذا العنف والتنكيل غير المبرر لمجرد وفد إليك ضيوف فأكرمتهم ومضوا لحال سبيلهم، ثم تأتيك كتيبة مدججة بالسلاح بعد منتصف الليل تقذف الرعب في قلوب صغارك وزوجتك وتتركهم في العراء لحالهم لمجرد اشتباه في هذا الضيف في اشتراكه في جريمة من الجرائم ضد الدولة والمجتمع.
هل نقول لهؤلاء الصغار ان من قام بالتعذيب والتنكيل والقتل وسفك الدم ينتمي للإسلام والمسلمين؟
أي قانون هذا؟ هو قانون الغابة ومن انتزعت الرحمة من قلوبهم …..
هل نقول لهؤلاء الصغار ان من قتل ابيكم تعذيبا وتشفيا وحقدا دفينا كان رجل امن ومسئولا عن آمن وسلامة المواطنين؟
ما ظل يثير حيرتي منذ أمد بعيد أن في العراق والدول العربية غالبا ما يكون (الأمن) منتهكا بواسطة (الأمن). وبعبارة أخرى كيف تكون كلمة (الأمن) لدينا مرادفة لكلمة (التعذيب)? لا من حيث النقيض بالنقيض يعرف. بل من حيث تأكيد حال قائمة. لعلها حكمة الساسة البالغة (حاميها حراميها).
أسأل الله أن  لا تتحمل القيادات الحكومية والقضائية والتنفيذية والبرلمانية وزر الذين أخطأوا، وأسأله أن لا يكونوا مسؤولين عن تجاهل ظلم الظالمين، وأسأله أن لا يكونوا جهة يمارسون منها ظلمهم، أو طريقاً لمحاكمتهم الجائرة، أو سلماً يتسلقونه لتوجيه أذيتهم.
ويرى الكثيرين ان تعطيل مسيرة العدالة يعني المواجهة، وسيقدم للمقاضاة والحساب، الجلادون والآمرون بالتعذيب والمأمورون والمنفذون والمحرضون والساكتون عليه رغم علمهم به، كل سيلاقي جزاءه لكي تظل بلادنا آمنة مطمئنة ويعيش العراقي آمناً حراً موفور الكرامة، ولكي نطهر عراقنا من رجس هؤلاء وممن تسول له نفسه مستقبلاً آتيان هذا الفعل الشائن المخزي وهو التعذيب.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

743 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع