إبراهيم الزبيدي
قام (مجاهدون) من داعش بحملة تفتيشية في منازل الموصل بنينوى والمقدادية بديالى والمكتبات العامة والخاصة ، وجمعوا الكتب التاريخية والأثرية والفلسفية وكتب علم الاجتماع والدين والتاريخ والعلوم والمجلات العلمية المتخصصة بتقنيات وبرامج الكمبيوتر والدواوين الشعرية والروايات وغيرها من المؤلفات الأدبية والدينية، ووضعوها في حاويات حديدية، وقاموا بحرقها جميعًا في الساحات العامة، مكبرين مهللين وهاتفين بالنصر العظيم.
فما الغرابة في هذا؟ ومتى كانت الكتب أغلى من البشر؟ ثم هل هُم وحدهم من يفعل ذلك؟ والأهم هل هم أول من فعله في تاريخنا الطويل؟
ففي أيام الخلافتين الأموية والعباسية وفيما تلاهما من دول وممالك وإمارات كان حلالا (بلالا) حرقُ المؤلفات، وتقطيع أجساد المؤلفين، وتعليق من يقتنيها على جذوع الشجر.
وكثيرون من أولياء أمور العرب والمسلمين، قديما وحديثا، قاموا بإعدام أطنان من الكنوز الثمينة، بذريعة حماية الأمة من أضرارها، وهم كاذبون.
وفي تاريخنا الطويل، أيضا، وجدنا أجانب، غزاةً ومستعمرين، يحرقون كتبا ويقتلون كتابها. إما لأنهم أميون لا يقرأون، ولا يفقهون، أو أنهم واعون وعارفون أن الكتب التي أمروا بإعدامها تشكل خطرا على ثقافة الاستسلام التي يريدون بها ترويض شعوب البلاد التي يحتلونها.
ولكن مجاهدي داعش وأشباههم من دعاة الفكر السلفي التكفيري المتزمت، سنيا كان أو شيعيا، يحرقون الكتب كلها، دون تفريق ولا تمييز، جهلا وقصورا في الفهم والتقدير، لأنهم، في غالبيتهم، جهلة لا يقرأون ولا يكتبون ولا يعقلون.
ولو كان البغدادي أو الخميني وخامنئي وحسن نصر الله والحوثي هو الحاكم أيام الأمويين والعباسيين، وحتى في عصر السقوط وما تبع ذلك من عهود، لما بقي لنا ما نقرؤه اليوم، ولما ورثنا شيئا من هؤلاء:
- ابن رشد، نشأ في ظل دولة الموحدين وملكهم أبي يوسف يعقوب المنصور، وبتأثير العامة أمر بإبعاده إلى بلاد المغرب ونكل به وأحرقت كتبه. - الفارابي، درس الفلسفة، والمنطق، والطب على يد الطبيب المسيحي يوحنا بن حيلان، كما درس العلوم اللسانية العربية والموسيقى. وحاول أن يثبت أن لا خلاف بين الفلسفة اليونانية وبين عقائد الشريعة الإسلامية، وقال عنه ابن عماد في شذرات الذهب إنه أكثر العلماء كفر و زندقة، وكان ينكر أن الأجساد تقوم يوم القيامة، ويؤمن بأن العالم ليس محدثا أو مخلوقا و إنما هو ازلي مثل الله .
- الكندي الملقب بفيلسوف العرب، لقي عنتا من المتوكل بسبب الأخذ بمذهب المعتزلة، فأمر المتوكل بضربه ومصادرة كتبه . اتهم بالزندقة و كان يدافع عن نفسه بأن أعداء الفلسفة جهلة و أغبياء و تجار دين.
- الجاحظ، وكان يؤمن أن القرآن حادث و مخلوق، لأنه شئ من الأشياء. ومن مؤلفاته "كتاب خلق القرآن" ، وفي هذا أثار نقمة السنة من أهل الاسلام الذين نادوا بأن القرآن غير مخلوق ووضعوه في قائمة الملاحدة و الزنادقة.
- بشار بن برد الذي اشتهر بالمجون والهجاء والغزل الرقيق. واتهم بالزندقة فأمر الخليفة المهدي بضربه، فمات تحت السياط ودفن بالبصرة. إبليسُ أفضلُ من أبيكم آدمٍ *** فتبينوا يا معشر الفُجــــــار
النارُ عنصـره وآدم طينة *** والطيـــن لا يسمو سمو النارِ
و يقول أيضا ساخرا من الصلاة:
أقعدُ في الصلاة إذا ركعوا*** وارفع الرأس إن همُو سجدوا
ولستُ أدري إذا إمامُهم *** سلم، كم كـــان ذلك العــــــــددُ
- صالح بن عبد القدوس الذي أمر باستقدانه الخليفة المهدي فهرب إلى دمشق وتخفى فيها زمناً فلما عرف المهدي مكانه وجه إليه قريشاً الحنظلي فقبض عليه وجاء به إلى بغداد، فحاكمه المهدي ثم صلبه على جسر بغداد. - أبو العلاء المعري الذي عرف بأنه عالم متبحر وشاعر مطبوع متأثر بأسلوب المتنبي . وقد خرج في اللزوميات على قيود العقيدة التي كانت تقيد سلفه. وأهم مؤلفاته "رسالة الغفران" ، وهي رسالة كتبها بأسلوب منمق عرض فيها الشعراء الزنادقة الذين غفر لهم – ومن هنا اشتق اسم الرسالة – والذين رفعوا إلى الجنة. عده الكثيرون من معاصريه زنديقا.
فالدين عنده من صنع العقل الإنساني ونتيجة للتربية والعادة:
قــد تــرامت إلـى الفسـاد البرايـا *** واســتوت فــي الضلالـة الأديـان
وأيضا يقول:
وإذا مــا ســألت أصحــاب ديـن *** غــيروا بالقيــاس مــا رتبــوه
لا يدينـــون بـــالعقول ولكــن *** بأبـــاطيل زخـــرف كذبـــــــــوه
- الحلاج، يقول الذهبي في كتابه (العبر في خبر من غبر) : إن الحلاج صحب أئمة الصوفية, وتعلم السحر. كانت عقيدته الصوفية تقوم على (وحدة الوجود) أي أن الإنسان مندمج في ذات الله. وكان شاعرا مجيدا:
أنـا مـن أهـوى ومـن أهـوى أنـا *** نحـــن روحــان حللنــا بدنــا
فـــإذا أبصـــرتني أبصرتـــه *** وإذا أبصرتـــــــــه أبصـرتنـــــــا
ولما رُفع أمره إلى الخليفة المقتدر أمر ضامن خراج الأهواز أن يأتيه به فقبض عليه وحمله إلى بغداد فصلب على جذع شجرة، ثم سجن وظل مسجونا ثماني سنين، ثم عقد له مجلس من القضاة والفقهاء، فشهد عليه أناس بما يدينه بالزندقة والإلحاد فصدر الحكم بقتله وإحلال دمه، فسلم إلى (نازوك) صاحب الشرطة فضرب ألف سوط ثم قطعت أربعة أطرافه ثم حز رأسه وأحرقت جثته .
- ابن الراوندي وهو فيلسوف مجاهر بالإلحاد، له مناظرات ومجالس مع جماعة من علماء الكلام, وقد انفرد بمذاهب نقلوها عنه في كتبهم ومنها قوله بالحلول وتناسخ روح الإله في الأئمة. ومن أعلام المعتزلة، وقد وضع لهم الكتاب تلو الكتاب للدفاع عن آرائهم الكلامية والفلسفية.
من أهم واخطر الكتب التي ألفها " الزمرد " والذي تجاسر فيه على إنكار المعجزات الحسية. أكد على سمو العقل على النقل، وبين أوجه تعارض الشريعة الاسلامية مع العقل.
- الرازي وهو أعظم الأطباء وأكثرهم ابتكارا, ومن أشهر الفلاسفة. وهو يعتقد أن النفس هي التي لها الشأن الأول فيما بينها وبين البدن من صلة, وأن ما يجري في النفس من خواطر ومشاعر ليبدو في ملامح الجسم الظاهرة, لذلك وجب على الطبيب ألا يقصر في دراسته على الجسم وحده بل لا بد له أن يكون طبيبا للروح. ويعد زنادقة الاسلام الذين يؤمنون أن الله هو خالق الخير و ابليس هو خالق الشر (المذهب المثنوي الفارسي القديم) . و قيل بأزلية خمسة أشياء هم الله و ابليس و الزمن و الخلاء (أي العدم) و الهيولي (الروح) .
- أبو حيان التوحيدي، وكان من المعتزلة من أهل العدل والتوحيد. وعلى مذهب الجاحظ مع ميل إلى التصوف . وقد رمي بالزندقة وقال عنه ابن الجوزي : زنادقة الإسلام ثلاثة : ابن الراوندي والتوحيدي والمعري .
- ابن سينا(الذي استهوته الفلسفة وكان يقول بنفس المبادئ التي نادى بها الفارابي من قبله بأن العالم قديم أزلي و غير مخلوق ، و أن الله يعلم الكليات لا الجزئيات ، و نفى أن الأجسام تقوم مع الأرواح في يوم القيامة
- عمر الخيام وهو الذي خاطب الإله:
إلهي قل لي من خـــــــــلا من خطيئةٍ
و كيف ترى عاش البريء من الذنب
إذا كنت تجـــزي الذنب مني بمثلــــه
فما الفرق ما بيني و بينـــك يا ربي؟
وكا فعل الداعشيون مؤخرا في الموصل والمقدادية قام مجاهدو مليشيات عراقية طائفية أخرى بتدمير شارع المتنبي وحرق مكتباته عام 2007.
وما يفعله نظام الولي الفقيه بالثقافة والمثقفين الإيرانيين، داخل إيران ذاتها، لا يختلف عما يفعله الداعشيون.
فأمرٌ عادي جدا وغير مُستغرب ولا مُستهجن أن تقوم فرق الأمن القومي والحرس الثوري بإعدام مواطن وسحل جثته في الشارع عقابا له على كلمة أو رأي أو موقف لا يعجب النظام.
والذي لا يمكن إنكاره أن داعش ليس سوى حصيلة جرائم سبقته قام بها الملالي في ايران، وبشار في سوريا، والمالكي في العراق.
إنها ملة واحدة. داعش ودولة الولي الفقيه وجماعة الإخوان المسلمين وعصائب الحق وحزب الله وجيش المهدي وأبي فضل العباس وأنصار الشريعة الليبيون والحوثيون؟ إنهم جميعا إخوة في الجهداد، وإن اختلفت أساليب القتل والسحل وحرق الكتب والدفاتر والأقلام.
530 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع