د.عبد القادر القيسي
إن عمل المحام هو عمل لا يستعين فيه بسلاح ناري أو آلة أو مدعوما بقوة مثل رجال الشرطة بما فيه من سلطة وهيمنه وهيبه، وعملت كرئيس غرفة المحامين في اكبر محكمة مختصة بالإرهاب لأكثر من سبع سنوات مضت والى ان تم استهدافي بداية عام 2012 في قضية لا ناقة لي فيها ولا جمل وبفعل بعض المحامين والمحاميات، وكنا نخرج الى عملنا ومعي بقية المحامين الشرفاء، بتوكلنا على الله عز وجل وعلى ما منحنا إياه الدستور والقانون من صلاحيات وحماية .
ولا ننسى أن الأمم السابقة، إنما هلكت حين سادها الظلم وسقطت فيها العدالة، وشاهدت المحام في أوروبا وأمريكا، ترفع له القبعة ويعتبر من أكثر المهن دخلا على الإطلاق، وممارستها تتطلب أمورا لا نتخيلها أبدا من دراسة في الجامعة واختبارات قبل الدخول في النقابة وبعد الدخول فيها.
والمحام، في العراق وغالبية الدول الإسلامية، يحتاج الى شكليات واطر غريبة منها، عليه ان يصادق ضابط او مفوض شرطة أو ضابط في الأجهزة الأمنية او موظف او محقق في المحاكم او الدوائر كي يؤدي عمله بانسيابية وتتيسر إجراءاتها، وينهي معاملاته، رغم ان القانون ينظم اغلب المسائل، فالعلاقة في النهاية علاقة مهنية، ولكن الدولة تترك الأمور عائمة غالبا وتغض النظر، لتمكن بعض رجالها من التكسب الغير قانوني من إكراميات وغيره، ولينقلب بعض المحامين الى راشي محترف وبتفنن ويتحول بعدها الى نصاب فنان.
وهذا ما كنت اشاهده طيلة عملي بالمحاماة وخاصة بالمحكمة الجنائية المركزية وبقية المحاكم وكنت قريب اليه جدا بحكم ضخامة عمل المحكمة وكثرة الدعاوى فيها( كم ونوع) وغالبيتها إرهابية قسم كبير منها يتعلق بقيادات حكومية وسياسية، مما يجعل عمل المحامين تعتريه انتهاكات كثيرة لقواعد السلوك المهني، وتوضحت عندي الصورة اكثر عندما كنت عضوا في لجنة الشكاوى في النقابة المختصة بالشكاوى على المحامين، حيث نظرت عدة شكاوى مهنية، غالبيتها، تجد ان وراءها محامي اخر للتنكيل بزميله لأغراض غير مشروعة سأتناولها في مقالة لاحقة، ومن الأمور التي كنت اقف امامها بتأمل واسف وحسرة، هو ان ينقلب المحامي الى مخبر سري(وكيل امن) على زميله المحامي وبطريقة يعلوها فساد الأداء المهني والأخلاقي معا، حيث وجدت بعض من المحامين والمحاميات يعملون مع القوات الامريكية، وتحت شعار كاذب (لعيون العراق فتح عيونك)، وقد مارسوا عليٍ انا (رئيس غرفة المحامين) دور المخبر السري لدى القوات الامريكية؛ عندما كتب علي ستة محامين ومحاميات تقرير عن اني لدي ارتباطات مع مجاميع إرهابية وابيع بطاقة المعتقل التي كانت تعطى لي من القوات الامريكية لأجل ملئها من المحامي للمعتقل الذي ينوي التوكل عنه، وكانت كميتها محدودة جدا فكنت اوزعها باعتقادي بالتساوي، لكن هذا الامر لم يروق لبعض المحامين والمحاميات وكنت مهدد بالاعتقال لولا لطف الله وتحقيق الامريكان بالموضوع، والمؤسف ان الامريكان اعطوني أسماء المحامين والمحاميات الذين كتبوا علي واخبروني (تجنب مواجهتهم فقط اعرف اعدائك) والله بعضهم(محاميات ومحامين) كان يجلس بجانبي بحميمية لا توصف لكني وجدته ضمن الستة الذين اصبحوا مخبرين على رئيس غرفتهم، وبعدها انطلق محامين يرتبطون بمليشيات معروفة وكتبوا علي لدى الامن الوطني باني ادعم المجاميع الإرهابية وأيضا التفت علينا الباري عز وجل واحد المحامين الاجلاء ومعهم نقيب المحامين وتم معرفة المخبر والمخبرة وتسوية الامر، وكانت أسبوعيا تصلني رسائل تهديدية من جهات واطراف لا اعلمها لكني اعرف لغتها ومرات عديدة اجد على سيارتي أوراق ملصقة تشير الى انها من عناصر القاعدة، ولاحظت هناك بعض من المحامين يرتبطون بالمليشيات واخرين مرتزقة ممن يدينون بالولاء لقيادات داخل النقابة ويستعملون كل الوسائل الغير مشروعة لفرض مصلحة من يدينون بالولاء له علي المحامين وينصّبون أنفسهم اوصياء علي المحامين وكأن المحامون لم يبلغوا بعد رشدهم .
وفي يوم من الأيام أخبرني أحد عناصر الحراسات عن محامي يلصق ورقة على سيارتي وطلبت منه اسمه فأخبرني انه لا يعرفه وطلبت منه عند مشاهدته له ابلاغي وفعلا أبلغني به، ولدى مواجهته لم ينكر الامر وبكل وقاحة يخبرني ان، (امير تنظيم القاعدة في الكرخ غير مرتاح منك وانصحك بمرافقتي لمعرفة ما يريد منك تنفيذه) ووجهت له كلام لاذع واخبرته باني لم اسمع شيء وان يغادر المحكمة ولا يأتي اليها، وبعدها طلبت من رئيس المحكمة ان ادخل من الباب الأخرى للمحكمة بسبب خوفي من التهديدات.
وطيلة عملي بالمحكمة الجنائية المركزية في ساعة بغداد شاهدت عشرات الحالات من بعض المحامين والمحاميات اعادوا العمل(بوكيل الأمن) وبحلة جديدة وغطاء قانوني تحت عنوان(المخبر السري) باستصحاب الحالة السابقة مع تغير طفيف حيث انقلب المحام الى أداة طيعة بيد بعض المنتسبين الى السلطة القضائية والتنفيذية واصبح مخبر سري بامتياز وجاسوس على زملائه من خلال نقل كل شاردة وواردة تحدث في غرف المحامين والنقابة او أي حديث يجري بين المحامين، وتحضرني واقعة قامت بها احدى المحاميات حيث وقعت على مطالعة فيها اعتراض على عمل احد السادة القضاة، وعند مواجهتها في اليوم الثاني من القاضي، اخبرته انه ليس توقيعها وشطبت توقيعها، وكانت تعمل مصدر معلومات على المحامين والمحاميات وبطريقة فجة، والمخبر السري المحام على أنواع، من هو:
مخبر دائمي محترف: محام غرضه الحصول على فوائد عينية أو تسهيلات رسمية واستغلال علاقاته الحميمة برجال الأمن والقضاء للتوكل في دعاوى عديدة وتحقيق الشهرة.
مخبر وقتي: محام ينتهي عمله بانتهاء القضية او الدعوى.
مخبر معتاد: محام يقدم معلوماته على فترات متقطعة في سبيل مصلحته أو منفعته الشخصية.
مخبر مجهول: محام غير معروف يقدم معلومات عن طريق الهاتف أو الخطابات غير الممهورة وغالباً ما يستغل هذا المحام المخبر المجهول إخباره، للإيقاع بالأبرياء أو الانتقام منهم بإلصاق التهم الكاذبة{ كما حدث مع كاتب المقالة ولمرات عديدة حيث مارسوا الكتابة والتشهير بي لعدة مرات وفي احدى المرات قدموا بلاغ على الانترنيت وصل لمجلس القضاء الأعلى ورئاسة الوزراء، باني اقدم رشوة للقضاة ولدي مكتب لهذا الغرض، وقد فتح تحقيق طويل في وقتها في مجلس القضاء الأعلى، وفي سنة 2013 -2014 قدموا (محامي معروف) بلاغ لهيئة النزاهة، وأقيمت بحقي دعوى وصدر امر قبض وتم حجز اموالي المنقولة وغير المنقولة}.
ولو كان عنوان عمل المحام المخبر هو الخوف على الوطن من الضرر والتهديد، والله نحيه ونلبس له القبعة، لكني وجدت، ان اكثرها يعلوها عدة دوافع ويمكن تعداد أكثرها شيوعاً بالآتي:
أولا : الانتقام:
ويتأتى هذا من محام يرغب أن يكيل الصاع صاعين لأولئك (وفق اعتقاده) الذين سبق وان قد ادلوا بمعلومات يتصورها ضده او حرموه من فائدة أو أصابوه بسوء، فيقوم بالوشاية بهم بناءاً على هذه الخلافات آو خلافات بين عائلاته (وهذا ما حدث مع كاتب المقالة عندما اتهم بالإرهاب ظلما وعدوانا)
ثانيا: دوافع سياسية:
وتكون وراءها جهات آو أحزاب متنفذة في السلطة تقوم بعملية زج محامين او محاميات إلى الأجهزة التحقيقية كمخبرين سريين لأغراض وأهداف سياسية، او حزبية او فئوية
ثالثا: المنافسة :
ويتمثل بمحام (يكتسب معيشته بوسائل مشبوهة) ممن يرغب الإيقاع بمنافسيه في صنف عمله فيكشف عن آمرهم ليخلوه الجو وهي دائماً تقع في وقتنا الحاضر لأغراض ذات دوافع طائفية أو سياسية ومالية وهناك بعض المحامين يحاولون التخلص من محام آخر حتى يفسح المجال أمامه.
رابعا: دوافع طائفية:
لخلق أجواء الخوف والفزع لإفراغ الوسط المهني او محكمة ما او دائرة من طائفة معينة كما حدث في عدة دوائر باستخدام المخبر السري لإصدار أوامر قبض تجعل المحام يهجر مسكنه، وقد يترك مهنته
خامسا: القرابة أو الصداقة والصحبة والكره والبغضاء:
فقد تدفع القرابة أو الصداقة بالمحام المخبر السري إلى قول الكذب لمصلحة قريبه او صديقه مدفوعا بعوامل لا يستطيع اغلب الناس التغلب عليها إلا من كان على درجة من الخلق الكريم وقد يكون المحام المخبر السري حاقدا على المحامي المتهم فينسب له أفعالا لم يرتكبها
سادسا: الغيرة والحسد:
حيث يغار المحام من المحامين الآخرين لما وصلوا إليه من مستوى أو حصلوا عليه من أمور معنوية او مادية او جاه، فيرغب في الإيقاع بهم وإفقادهم امتيازاتهم ومواقعهم الاجتماعية والمادية
سابعا: الحصول على مكافأة:
هناك كثير من المحامين الذين يخبرون السلطة التنفيذية بمعلومات بدافع الحصول على المكافأة أو الفائدة المادية التي يتسلمها المخبر لقاء ما قدمه من معلومات
ثامنا: الخوف:
ويتمثل ذلك بالمحام الواقع تحت وطأة الخوف من أعدائه أو خطر الوقوع في مشكلة من مصدر آخر
تاسعا: حب الظهور والتفاخر:
هناك محامون تتركز في أنفسهم هذه الرغبة فيسعده إن يقدم معلومات للأجهزة الامنية للحصول على حظوة أو اهتمام خاص، وقد يخلق المحام المخبر من خياله أمورا لا وجود لها ليجعل من نفسه محام متميز وبطلا ولو كان ذلك زورا حبا بالتفاخر ولا يهمه بعد ذلك أذا أدى اخباره إلى الحكم آو السجن على بريء
عاشرا: الندامة وصحوة الضمير:
ويتمثل ذلك بمحام مشترك في جريمة يصحو ضميره وتستقيم رغباته مما يدفعه إلى الإدلاء بالمعلومات إراحة لضميره وسلوك سبيل العيش الشريف والوقوف في صف القانون
احدى عشر: مقابلة الفضل بمثله:
ويتمثل ذلك بمحام راغب بالتعاون لتقديم المعلومات ليكسب تقدير الأجهزة الأمنية أو يحصل على اعتبار أو حماية أو مساعدة، والحصول على توكيلات بدعاوى لقاء تقديمه معلومات قد تكون صحيحة أو كيدية
اثنا عشر: حمية المواطنة الصالحة:
وتتمثل بالمحام الذي يشعر بواجبه وبمكانته الاجتماعية وبارتياحه عن رؤيته إقامة حدود العدالة
ثلاثة عشر: الإكراه والوعيد والخوف من سوء الظن:
وهذا دافع يدفع المحام المخبر السري للكذب في شهادته خوفا من تهديد ذوي المتهم نفسه لا سيما إذا كانوا ذوو سطوة ونفوذ كما حدث في إحدى الدعاوى حيث تبين إن إفادة المحام المخبر كانت لأغراض الاستحواذ على أراضي زراعية لاستلام المشيخة
ان اكثر المحامين المخبرين ينتمون إلى المال السياسي والدين السياسي والإدارة السياسية والقبيلة السياسية والطائفة، واكثرهم يدير الأمور بثقافة أمنية (وهى الثقافة الغالبة ألان)، أن سقوط النقابة سيصب في مصلحة السلطة، ربما يكون ذلك على المدي القصير، لكن على المدى البعيد فإن سقوط هذه النقابة يطرح من رصيد وطن بالكامل، ان ما يقوم به قسم من المحامين والمحاميات؛ ليست جميعها مما يمكن اعتبارها في عداد التصرفات الفردية أو الشخصية، بل اصبحت واقع عام نحياه جميعا.
أن ارتداء المحامي لثوب المخبر السري والارتباط بداعش والقاعدة والمليشيات، عمل مشين وحاط لكرامة مهنة المحاماة، ومهزلة تتلبس بالقانون، وتتخفى خلف قناع العدالة، يجب مغادرته وأن يكون ما يمر به البلد درسا بليغا وعبرة يجب الأتعاض بها بكل حذر واهتمام من قبل نقابة المحامين وجميع المختصين لتحقيق اهداف مهمة، منها:
تغيير الصورة السيئة لدى المواطنين عن مهنة المحاماة والمحام وإظهار وجهه الحقيقي وعلامتها المميزة (رسالة العدل وملاذ المظلوم)0
ارجاع الثقة بالمحام العراقي الذي أصبح ضمن دائرة الاتهام خاصة القسم الجزائي منه، وفقا لمعطيات واقع المهنة الذي نعيشه.
وضع الحل الرادع لكل محام تسول له نفسه الإساءة إلى زملائه والآخرين من خلال اتخاذ الإجراءات القانونية والتأديبية بحقهم حفاظا على هيبة المحاماة وكرامتها وعزتها وشموخها.
ان اشرت بعض الامور لواقعنا النقابي المؤلم، وقد أكون مصيبا في بعض منها، وقد أكون مخطئا في مجملها، وقد يتفق القليل من حضراتكم معي، كما قد يختلف العموم عني، ولكني أعتقد، أن مسؤوليتنا جميعا، أمام الله ثم ضمائرنا، وواجبنا تجاه مهنة ساميه، شرفنا جميعا بها، أن نعمل سويا للارتقاء بها، وإعلاء شأنها، بدءا من إصلاح أنفسنا، ولن نصلح أنفسنا إلا بمواجهة سلبياتنا ونواقصنا بقوة وبجرأة، ووضع الحلول، واّليات تنفيذها، بعمل وحوار جاد، بعدما عزف من أوليناهم مسئوليتنا عنا، فصار حالنا الى ماصار إليه .
وعلينا ان نقف بالمرصاد لكل من يحاول أن يخطف نقابتنا ليحقق طموح حزب أو جماعة أو طائفة ما أو طموحه الشخصي وقد تطاول علينا السفلة والسفهاء وأوذينا في أنفسنا وأبنائنا واموالنا فما صرفنا ذلك عن موقفنا، مؤمنين بأن المحاماة لابد أن تقوم من كبوتها وأن يعود لها شأنها وكرامتها وعزتها ولا نتبغى غير رضا الله عنا في رسالة نحتسب أجرنا فيها عند خالقنا عز وجل.
واقول لكل محام غيور على مهنته وزملاءه ارفع رأسك فانت محام والمحامين اسياد في هذا البلد اما المتخاذلون والمتآمرون على المحامين والمحاماة ومن وازنوا بين هيبة الدولة وميل كفتها ومصالحه الشخصية، على حساب المحامين فلن يرحمهم التاريخ.
638 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع