مجزرة هيئة التقاعد

                                       

                             عدنان حسين


هل يُهمّكم أن تعرفوا كيف يُهان موظف الدولة العراقية، المدني والعسكري سواء بسواء، بعد خدمة تصل إلى 40 سنة وأكثر؟ .. اذهبوا، إذاً، الى هيئة التقاعد الوطنية التي مقرها في حي الشوّاكة عند ساحة الشهداء التي كانت قلباً نابضاً لبغداد، مثل ساحة التحرير والباب المعظم وسواها.

اذهبوا ولو من باب الفرجة.
هل ترغبون في الاطلاع عن كثب على الكيفية التي يُستهان بها بإنسانية الجرحى والمعاقين وورثة الشهداء من منتسبي القوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي؟ .. روحوا الى هيئة التقاعد الوطنية المثبّت عنوانها آنفاً.
هل تريدون معرفة كيف يجري انتهاك كرامة المواطن العراقي، ذكراً كان أم أنثى، فيما هو يسعى للحصول على حقّه ومستحقّه من ماله الخاص الذي كان يُستقطع بالتمام والكمال وفي وقته من راتبه الشهري على مدى خدمته في دوائر الدولة المختلفة؟.. أمامكم هيئة التقاعد الوطنية (عنوانها في أعلاه)، لتروا عن قرب وبالعين المجردة ما لا رأته عين في بلاد أخرى وما لا تسمعه أذن في أي مكان على هذه الكرة الأرضية!
مبنى هيئة التقاعد الوطنية ممرات وشبابيك .. أمام كل شباك يتجمع العشرات، وفي كل ممر يتكدس المئات .. خلف كل شباك موظف واحد في الغالب يتعامل مع المراجعين، نساءً ورجالاً، واذا توفّر آخر فعادة ما يكون منشغلاً بتمشية معاملات من تحت الطاولة. والمراجعون المتقاعدون هم في الأعم الأغلب كبار السن، بعضهم مريض، وبعضهم مُنهك القوى بفعل ثقل السنين والحياة، والبعض يأتي في كرسي نقال .. كل واحد من هذا الحشد الهائل يسأل عن مصير معاملته، وبالكاد يحصل على الجواب بعد طول انتظار وقوفاً، وكثيرا ما يأتيه الجواب: تعال بعد اسبوع أو أكثر، أو يكون الجواب : معاملتك ناقصة، هات لنا الوثيقة الفلانية أو الكتاب العلاني من الدائرة الفلانية.
في هيئة التقاعد الوطنية مجزرة حقيقية لكرامة المواطن العراقي ولإنسانية الإنسان العراقي الذي يتعرض للإذلال والحطّ من القدر، وللابتزاز أيضاً، فثمة من يعرض خدماته لإنجاز معاملتك وأنت في بيتك مقابل 200 – 300 دولار!
هل حقاً ان الدولة العراقية في العام الخامس عشر من القرن الحادي والعشرين لا قدرة لها ولا إمكانية وعاجزة تماماً عن وضع نظام إلكتروني للتقاعد ينجز معاملة التقاعد في يوم واحد أو يومين؟ .. هذا النظام ليس بدعة، فدول كثيرة للغاية متطورة، ونامية مثل دولتنا تتبعه. وبالإضافة الى انه يحفظ للمتقاعد كرامته وانسانيته وقدره وقيمته المهدورة في داخل مبنى هيئة التقاعد الوطنية، فان هذا النظام يوفّر على الهيئة الكثير من الأموال التي تنفقها رواتب لموظفيها.
في حزيران من العام الماضي أعلن رئيس الهيئة السيد أحمد عبد الجليل في تصريح صحفي عن ان دائرته توشك على إطلاق هكذا نظام "لتنظيم معاملات المتقاعدين إلكترونياً دون مراجعة الدائرة الرئيسية"، ووعد بانه سيدخل حيز التطبيق "خلال الأشهر القليلة المقبلة"، بعدما "أكملت بناء قاعدة بيانات موظفي الدولة التي تحتوي على جميع المعلومات عن المتقاعدين وموظفي الدولة"، موضحاً " ان برامج النافذة الواحدة والإضبارة الإلكترونية والحوسبة ستسهم بإنجاز المعاملات بربع ساعة بدلاً من 6 أشهر".
والآن بعد مرور سبعة أشهر على هذا التصريح، لم يزل المتقاعد العراقي يُهان وتُهدر كرامته وإنسانيته في مبنى هيئة التقاعد في حي الشواكة عند ساحة الشهداء ببغداد!

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

758 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع