زينب حفني
أحيا اليهود مؤخراً الذكرى السبعين للمحارق النازيّة بمقر المعسكر بخيمة ضخمة في (أوشفيتز). وفي مراسم الذكرى قال رئيس المؤتمر اليهودي العالمي بأن اليهود مستهدفون بأوروبا مجدداً!
وفي براغ العاصمة التشيكية، اجتمع رؤساء برلمانات الدول الأوروبيّة مع المجلس اليهودي الأوروبي لإصدار إعلان يُدين جرائم الكراهية ومعاداة الساميّة. وهذا يدل على أن اليهود نجحوا هذه المرة أيضاً في استغلال حادثة باريس الأخيرة لكسب تأييد الرأي العام العالمي وشحنه ضد المسلمين، في الوقت الذي يُطالب المجتمع الدولي، المسلمين بغض النظر عن الصور المسيئة لرسولهم محمد بحجة احترام حريّة التعبير!
جميل أن تتذكّر الانسانيّة مآسي الماضي حتّى تتلافى الوقوع فيها بالحاضر! لكنْ معروف بأن اليهود ضخّموا آثار ما فعله النازيون بهم وحصدوا من ورائها مكاسب كثيرة، حتّى يظن المرء بأنهم الشعب الوحيد في العالم الذي عانى الاضطهاد والظلم، وتناسى بأنَّ حكومته تعدُّ مثالاً للظلم والاستبداد بما تفعله يوميّاً بالشعب الفلسطيني ونكران حقّه العيش بكرامة على أرضه.
نحن للأسف لا نُجيد مهارة اللعب على المكشوف، بل نتفنن في خلق العداوات لبعضنا بعضاً! وقد لفت انتباهي مقالاً للكاتب أحمد عيد الحوت يقول فيه:«لا أنسى ونحن صغار كيف تربينا على دفع ريال واحد كل شهر لمصلحة الفلسطينيين، وكان كل موظف يفعل ذلك لتبقى فلسطين في قلوبنا، لكنها ظلّت هذه القضية في جيوب الفلسطينيين، ولم تلج إلى قلوبهم، فبيعت في مدريد وفي سوق أوسلو، وترى بعضهم يتعامل مع بلدي أشد ما يتعامل مع الصهاينة الذين قتلوهم!».
أعادني مقال الكاتب إلى سنوات عدّة حين كنتُ أقيم بلندن، وسمعتُ وقتها عن تظاهرة ستخرج تنديداً بالانتهاكات الصارخة التي تقوم بها إسرائيل ضد فلسطينيي الداخل، وخرجتُ تُرافقني ابنتي المتلفعة بالوشاح الفلسطيني. أثناء وقوفنا أمام مبنى السفارة الاسرائيليّة، سمعتُ امرأة فلسطينيّة تقف بجانبنا تُندد بمبادرة الملك عبد الله! انسحبت على الفور من المكان مع ابنتي، متعجبة من مواقف البعض التي تُريد حرق أوطاننا عن آخرها من أجل عيون القضية الفلسطينيّة!
وعودة إلى الحاضر، تساءلت عن سبب خلق روح العداء لعروبتنا في الوقت الذي يغضَّ فيه الطرف أغلبية الفلسطينيين عن بعض قادتهم الفاسدين، وعن أموال الإعمار التي تمَّ جمعها مؤخراً بالقاهرة، والتي تجاوزت المليار دولار من أجل مد يد العون للفلسطينيين الذين تهدمت ديارهم وتمَّ بيع مواد البناء لهم من دون أن ينطقوا بحرف أو يرفعوا أصواتهم للمطالبة بحقهم الذي التهمه عدد من مسؤوليهم بوضح النهار!
الملك عبد الله معروف عنه بأنه كان رجلاً رحيماً، ويعود له الفضل في قيادة حركة الإصلاح داخل السعوديّة، وفي دخول المرأة لمجلس الشورى، لكن هذا لا يعني بأنه كان يملك عصا سحريّة لحل القضايا السلبيّة كافة بمجتمعنا، فالضمائر الغائبة كثيرة ومتوغلة بمؤسساتنا كافة بشكل كبير، خاصة ملف الفساد الذي كان تيّاره أقوى للأسف من نزاهته وطيبة قلبه وإخلاصه لشعبه!
وعودة إلى اليهود الذين يحيون اليوم ذكرى المحرقة، كنتُ أتمنى على الفلسطينيين أن يستغلوا مآسيهم في انتزاع تعاطف العالم معهم، وألا يضعوا بيضهم الفاسد في سلال غيرهم، وأن يُحاسبوا العديد من قاداتهم الذين تاجروا بقضيتهم وأصبحوا من أصحاب الثروات وأكبر زبائن للمتاجر الكبرى بالعالم!
قضايا الشعوب المقهورة لا تحل بالندب ورمي الأخطاء على الغير، بل باقتناص الفرص الضائعة، وتعلّم الدروس من أعدائها الحقيقيين!
كاتبة سعودية
654 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع