ماجد علاوي
لست في محاولة لتقديم عرضا لحياة الفقيد د. ابراهيم علاوي السياسية الممتدة لحوالي سبعة عقود بكل ما فيها من مواقف مجيدة ونضالات وصراعات وتضحيات هائلة تقبلها بسعادةٍ وطيبة خاطر في الطريق الذي سار عليه مقداما شجاعا غير مهادنا ولا مساوما في معتقداته وأمينا على ذكرى من حمّلوه شرفَ مسؤولية قيادتِهم في فترات عصيبة ومعقدة من تاريخ العراق.
تلك امور يلم بها اكثر مني من رافقوه في مسيرته الحزبية والسياسية، وأخص بالذكررفيقيه اللذين شاركاه في اعادة بناء وربط التنظيمات الحزبية المقطوعة في اوج شراسة حكم 8 شباط، وجنون الفاشيين عقب انتفاضة الشهيد حسن سريع الاسطورية الباسلة، فؤاد الامير في خط المثقفين وفاروق مصطفى رسول في الخط الطلابي والذي استمر في رفقته السياسية اليومية المباشرة في جبال كردستان حتى اتفاقية صدام المذلة مع شاه ايران في الجزائرعام 1975 وارتداداتها على الوضع الميداني في العراق.
اريد ان القي الضوء على سمتين عميقتين وكبيرتين في مسيرة الفقيد السياسية والحزبية، والسمة الاولى هي التلازم بين العمل السياسي اليومي وبين العمل الفكري والنظري، وربط المعارف العلمية بالعمل السياسي. وهو طريق بدأه في العراق الراحل عبد الفتاح ابراهيم في رسالة الاهالي بعمله الرائع "على طريق الهند" عام 1932، ثم تمثل في تنظيم الرفيق فهد في الاربعينات "حركة فكرية وتعليمية واسعة كان من ثمارها صدور سلسلة رسائل التحرر الوطني وتنظيم دار نشر الرابطة وتشجيع المفكرين التقدميين للمشاركة في حل المشاكل الاجتماعية والسياسية" (نصف قرن من النضال ص9). وسمة الترابط بين الفكر والعمل هي سمة نادرة في العمل الحزبي والسياسي في منطقتنا.
والسمة الثانية هي انه وفي كهولته وخارج اي إستقراء منطقي، ولج عصرا جديدا في العمل السياسي والحزبي وكان من رواده وفي مطلع الثمانبنات وقت بزوغ عصر المعلومات والعالم الرقمي.
ان استعراضاً سريعا للمحطات الرئيسية لمسيرة الفقيد السياسية، ومن ثم مقارنة مضمون اعمالَه الفكرية بالمهمات المركزية في كل مرحلة منها يبين سمةا الترابط الخلاق بين العلم والعمل في تلك المسيرة.
في عام 1956 عقد الكونفرس الثاني للحزب، كونفرنس الوحدة، بقيادة الشهيد سلام عادل. وكان من ضمن مقرراته التحول السلمي لنظام نوري السعيد الدموي، انسجاما مع مقررات المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي. لقد بادر الفقيد ورفاقه في المنظمة الحزبية في انكلترا بارسال دراسة الى مركز الحزب بتخطئة ذلك القرار، مبينين ان جميع الابواب هي مغلقة امام اساليب النضال السلمية، وقد تخلى الحزب عام 1957 عن ذلك الخط، وكان من ثمرات ذلك تشكيل جبهة الاتحاد الوطني والتي توجت بثورة 14 تموز المجيدة.
وفي تلك الفترة المبكرة وفي مطلع العشرينات من عمره، والتي ترافقت مع صعود حركة التحرر الوطني باشر عام 1956 في كتابة كتاب حول علاقة ثورة اكتوبر وحركات التحرر الوطني في المنطقة، وأتذكر انه طلب منا في ذلك الوقت ارسال مجموعة من المراجع المحلية ومن ضمنها تاريخ الوزارات العراقية، وقد استمر في تجميع المعلومات والكتابة فيه على فترات متقطعة حتى عام 1964، ووللاسف فقدت جميع مسودات الكتاب بعد مداهمة القوات الامنية لمنزله ومصادرة الكثير من وثائقه وتوقيفه عام 1966 إثر ترأسه للقائمة الديمقراطية لانتخابات نقابة المهندسين.
وخلال فترة اختفائه ايام انقلاب شباط الدموي بدء بالتخطيط للعمل على دراستين، الاولى حول النفط ونشرت ككتاب تحت عنوان "البترول العراقي والتحرر الوطني"، والثانية حول تاريخ الفكرة القومية العربية في مصر.
ان انقلاب شباط النفطي الفاشي كان رد الشركات النفطية على القانون رقم 80 الوطني، وعليه بادر الراحل كتابة هذا الكتاب الطليعي والذي يهدف كما اكد الفقيد في مقدمته: "الى وضع قضية البترول في العراق في المكانة التي تستحقها من مجموع القضايا الوطنية التي تجابه الشعب العراقي...وان من اولى مهام الحركة الثورية في العراق بث الوعي النفطي بين صفوف الشعب عامة بل وبين فئات الطليعة نفسها... ورسم طريق الخلاص من سيطرة الاحتكار النفطي العالمي" وهي مهمة لا زالت تكتسب نفس القدر من الاهمية المحورية في وقتنا الحاضر.
وفي تلك الفترة كانت مصر الناصرية الدولة المحورية في قيادة العمل القومي والسياسي التحرري على صعيد المنطقة ولكن سياساتها كانت تتميز بالنزعة التسلطية والمجابهة الحادة والاضطهاد للقوى الوطنية واليسارية التي لا تدخل تحت مظلتها، ومن اجل فهم اعمق لدوافع وخلفيات هذه الخيار القومي العربي في مصر، قام بدراسة تتبع فيها بدايات التوجه العروبي في مصر وتبني البرجوازية الوطنية المصرية الصاعدة لهذه الافكار ممثلة برائد الصناعة الوطنية المصرية طلعت حرب والدكتور عبد الرحمن عزام اول امين عام لجامعة الدول العربية، ثم انتقل بعدها الى صعود الفكر الناصري ودوائر المجال الحيوي الثلاث لمصر كما وردت في كتاب فلسفة الثورة، التي تطورت وتعمقت بتبني الاتجاه القومي العروبي، وربط كل ذلك بالتركيب الطبقي للمجتمع المصري. وللاسف فأن هذه الدراسة التي كانت جاهزة للنشر صادرتها هي الاخرى القوى الامنية عند مداهمة داره عام 1966 كما اسلفت.
وفي مرحلة تصاعد الصراع داخل الحزب وإنقسامه الى حزبين، وكذلك بعد حملة التصفية الشرسة للقيادة المركزية في قصر النهاية عام 1969 وتوليه سكرتارية القيادة في كردستان، اصدر الفقيد العديد من الدراسات الداخلية تتميز بعمق تحليلاتها العلمية وقد استمر على ذلك النهج في اصدارالكراسات والدراسات الحزبية الغزيرة لاحقا، وأهم ما يميز تلك الاصدارات انها تتعامل مع اليومي من السياسيات من خلال صلاتها وابعادها التاريخية والاجتماعية.
وقد تعمق نهج دراساته العلمية في مرحلة المهجر بعد اتفاقية الجزائرعام 1975، فقد بدء في تلك المرحلة الاعداد لكتاب "المقايضة".
لم يكن المقايضة كتابا هجائيا للاتحاد السوفيتي، قطعا لا، وإنما كان صرخة في وجه من رهنوا مصائر اوطانهم وشعوبهم الى اوهام “حكمة” ومرجعية افكار وقرارات المركز الاممي، بجهل للعالم من حولهم بأفضل الافتراضات، مما ادى الى كوارث مدمرة. لقد بين بالوثائق الدامغة ما كان ما يجري من "بيع وشراء" بمصائر الشعوب، واتخاذ العراق وثورته ورقة في تلك المساومات في سبيل اولويات مصالح الدولة السوفيتية. وهذه مسالة اغتنت قناعته بها بعد زيارتين او ثلاثة له الى الصين في اواسط السبعينات، حيث اوضحت له قيادات عليا في القيادة الصينية بكل صراحة وبدون اية مواربة في اجتماعاته معهم بضرورة عدم الخلط بين خطابهم الاعلامي، وبين مقتضيات السياسة الصينية المبنية بشكل كامل على مصالح الدولة الصينية وافهموه عدم استعدادهم لدعم اي مطالب لحركات قومية في بلدان متعددة القوميات مهما كانت تلك المطالب عادلة، خشية من انعكاسات ذلك على بلدهم الذي تتعايش فيه عشرات القوميات.
وقد سمحت له ظروفه في المهجر بالتعمق في الدراسة لمجتمعه وتاريخه. وحيث ان نشوء الحضارة البشرية ارتبط بنشوء المدن، فقد قرر واستنادا الى خلفيته المعمارية دراسة تخطيط المدن الاسلامية الاولى وتأثيره على الصراعات الاجتماعية وصعود الاستبداد ومن ثم بروز الحركات الفكرية في موازاة ذلك. وتلك كانت اطروحته لدرجة الدكتوراه عام1981 في مدرسة الدراسات الاجتماعية العليا في باريس والتي اجيزت بتقدير عال باشراف المستشرق الفرنسي المعروف جاك بيرك.
وعلى هامش هذه الدراسة دعته مؤسسة اغا خان لالقاء محاضرة في جامعة هارفرد الامركية الشهيرة عام 1981، وكانت بعنوان "بعض سمات تطور تخطيط المدن الإسلامية المبكر" ومما جاء فيها: "إن وجهة النظر المطروحة في هذا البحث على نقيض مع رأي مؤرخي العمارة الإسلامية الذين يرون أن الإسلام ولد في فراغ ثقافي. فبالرغم من ابتعاد الإسلام عن مجرى تاريخ المنطقة العربية السابق فإنه استمر في الممارسات التي وجدت في المنطقة العربية في قديم الزمان و بالأخص خلال المرحلة الأخيرة من توسع بابل الحديثة... و بالعكس من وجهة النظر التقليدية فإن البحر و ليست الصحراء كان المحور الذي دارعليه تاريخ العرب القديم" . وقد بحث الفقيد في المصادر التاريخية في محاضرته تلك، للتوصل الى تاريخ وضع الحجر الاساس لمدينة بغداد منطلقا من ايمان المنصور بالتنجيم وتحريه الوقت الانسب لتأمين حسن طالع مدينته بغداد، وتوصل الى ان وقت وضع الحجر الاساس لمدينة بغداد كان في “31 تموز سنة 762م، الساعة 13 و57 دقيقة”.
وقادته دراسته الاكاديمية الى البحث في مسألة الدولة ونشوء الاستبداد سواء في تاريخ المدنية الاسلامية، او في تحول الدولة في الانظمة الاشتراكية الى الاستبداد بعكس ما تنبأت به نظرية انحلال الدولة في النظام الاشتراكي. وقد حاول تقديم حلول لهذه المعضلة في كتاب المشترك والذي هو في جوهره يعالج نشوء دولة الاستبداد ووسائل مواجهتها. ففي مقتبس من هذا الكتاب يقول: "ادى الغاء نظام المشترك القبلي وتحول الخلافة الى ملك وراثي..الى ان تحولت الدولة الاسلامية الى استبداد شديد المركزية"... و"نُظّم الخراج على اساس اعتباره كراءً للارض الزراعية" (اي ملكية الدولة للارض الزراعية)...وبما ان "الاستبداد كنظام سياسي لايمكن ان يقوم لمجرد رغبة بعض الافراد بالتحكم بالمجتمع...ما لم يتيسر له الاساس الاجتماعي...وهذا لا يمكن ان يتحقق دون تحكم بملكية وسائل الانتاج، فيصبح السكان عندئذ في وضع اعتماد مباشر على الدولة لا يستطيعون العيش دون رضاها والخضوع لها، وهذه الحقيقة تفسر لنا سهولة انحراف الانظمة الاشتراكية.. الى نوع من الاستبداد الحديث المغلف بواجهة اشتراكية".
وقاده التعمق في دراساته الى الجذور التاريخية لنشوء المجتمعات والحضارة حيث كرس لها سنواته الاخيرة قبل مرضه، وكان الاساس في بحثه هو الوعي بحركة التاريخ والترابط والتفاعل بين الحضارات القديمة بدا من الحضارة السومرية وحضارة وادي السند ووادي النيل ثم الحضارة المينوية القديمة في كريت ومن بعدها الحضارة اليونانية، وان هذا النهر الحضاري مستمر في تدفقه ولم ينقطع. وقد اعد المواد اللازمة لرصد ذلك التدفق بكتاب عنوانه "من سومر الى الحداثة"، واكمل كتابة القسم الخاص بالعصور الاسلامية من هذه الدراسة لان مادتها الاساسية كانت جاهزة لديه من اطروحته بعد ان طورها وإغناها بما استجد من معلومات واستنتاجات، وارجو ان اوفق الى نشرها. وقد استعان باحد اكبر علماء المسماريات د. فاروق الراوي في دراساته التاريخية وإبحاثة تلك. وبالمناسبة فان السيدة الفاضلة هيرو ابراهيم احمد كانت قد انتدبت هذا العالم الكبير للعمل الاثاري في متحف السليمانية، وقد حقق هنا انجازات استثنائية، اذ حدد مئات المواقع الاثرية في المحافظة يمتد تاريخها ما بين أربعمائة ألف سنة والقرون الاخيرة من الألف الاول قبل الميلاد، وانقذها من زحف البناء العشوائي، كما حقق اكتشافين اثريين كبيرين، الاول عثوره هنا على اللوح الخامس من ملحمة كلكامش الذي كان جُلّه مفقودا، والثاني اكتشافه الكبير لمسلة تعود الى عصر فجر السلالات في منتصف الالف الثالث قبل الميلاد يظهر فيها ابن الملك مرتديا ال"كوله مال" الهورمانية. وهي موجودة في متحف السليمانية، ، اي انها تقدم الدليل الاثاري على وجود الشعب الكردي في هذه المنطقة في عصر فجر السلالات قبل اكثر من الف وخمسمائة سنة من التاريخ الميدي المتداول.
وانقل بعض ما وردني من رسائل د. فاروق عن تعاونه مع الفقيد، يقول د.فاروق: "عمل الرفيق الفقيد على حل رموز لغة أهل وادي السند الموجودة على الأختام المنبسطة والتي عثر على المئات منها في بلاد وادي الرافدين والخليج العربي وموهنجودًارو او ملوخا القديمة وقمنا بتحليل العديد منها هذا فضلا عن مقارنة العلامات المسمارية مع الكتابات الصينية الأقدم المنقوشة على درع السلاحف". وأوكد انا انه نجح في حل بضعة رموز من تلك الكتابة. وفي رسالة اخرى يقول:"عمل الرفيق الفقيد على المدن المدورة مثل الوركاء والحضر وبغداد وتجذير اصلها الذي شاع في الكثير من البلدان".
ان هذا النهج النير الذي سلكه الفقيد بربط العمل السياسي بالمعارف والبحوث العلمية والذي إبتدأه الاستاذ عبد الفتاح ابراهيم وأغناه شهيد العراق العظيم د. محمد سلمان حسن في دراساته الاقتصادية والنفطية، واصل السير عليه رفيق درب الفقيد وتلميذه الذي إئتمنه على مسيرته فؤاد الامير بدراساته الصبورة والموثقة في كل تفصيل صغير فيها في مجالات النفط والمياه والطاقة والبناء الاقتصادي، وستبقى اعمال هؤلاء الرواد منارة هادية وسلاحا بيد الاجيال القادمة لبناء عالم افضل.
وانتقل الى السمة الاعجازية الاخرى وهي دخوله في عمر متأخر عصرا غريبا على جيله، عصر المعلومات والعالم الرقمي في بواكير ذلك العصر الاولى وتحديدا عام 1980 عند ما اشترت ديوان كومبيوترها الاول، وإدراكه الملهم لما يحمله ذلك العصر من ثورة ستقلب كل مقاييس واساليب العمل الياسي كما ستقلب كل مناحي الحياة
لما التقيته اول مرة في لندن يوم الثلاثاء 31 تموز 1990 قبل يومين من دخول صدام الى الكويت، وبعد 22 عاما بالضبط على آخر لقاء لي به، او بالاحرى "مواجهة" على ما كانت تعرف به زيارات الاهل والاصدقاء للسجناء والموقفين حين زارني في الموقف العام في بغداد بعد نقلنا من سجن نگرة السلمان، حدثني بفرح وأمل لا يوصف عن العالم الجديد الذي دخلته البشرية... عصر ثورة المعلومات. في عام 1980بالتحديد عنما اشترت شركة ديوان كومبيترها الاول، التي اسسها كهل في السابعة والاربعين من عمره ومن حوله جيل مناضل جديد، فتية في عمر الورد متوثبين وممتلئين حماسة، اعرف منهم علي الاعسم وهاني لازم والصبي آنذاك نجله عادل وآخرون لا اغمط جهادهم ولكني اجهلهم: في ذلك الوقت افتتحت ديوان ثورة النشر الصحفي على صعيد العالم.
في أواخر السبعينات ومطلع الثمانينات كان هو ورفاقه الفتية والشباب من حوله يعيشون على الكفاف لتدبير لقمة العيش ومستلزمات عملهم السياسي من طبع ونشر ونقل وغيره. لقد شاهد وخلال علاقاته الواسعة مع مختلف المنظمات والاحزاب اي فساد كارثي كان يرتهنْ حركاتها و سياساتها من خلال تحكم مموليها من الدول الكبرى وطغاة المنطقة بهم كادوات في لعبة الامم، فالزم نفسه وحركته السياسية بشكل صارم بمبدأ لا حياد عنه وهو إيجاد وسائل التمويل الذاتي والمستمر للعمل السياسي والابتعاد القاطع عن اية علاقة مالية من اي جهة تحمل اقل شبهة، على كثرة دكاكين شراء الضمائر السياسية المفتوحة انذاك ولا تزال.
لقد اطلق الشباب ومن خلفية كونهم طلاب دراسات تقنية، فكرة تأسيس شركة برمجيات تكون هي الحل لوضعهم المالي الشحيح، فكانت ديوان. وبالهام التقط الفكرة والتقط الافاق التي ستفتحها ومن فورهم شمروا للعمل بحماسة الشباب.
كان يحدثني بحماسة الشباب عند لقائي به ذاك عن عصر جديد بدأت آفاقه، وعن مفاهيم جديدة واساليب ثورية للاتصال ستقلب العالم... كان يقول: كان الحزب الثوري منذ زمن لينين ولحد الان تنظيم حديدي ومناضلين وفي المركز منهم صحيفة الحزب، ونحن على عتبة انقلاب ثوري عظيم: الحزب سيكون تنظيما مهلهلا وموقع، ستكون المعلومات والاتصال مفتوحا بدون قيود على صعيد الكرة الارضية، لا حواجز على المعلومة بعد الان، وطبعا في ذهنه المعلومة والافكار السياسية. انا اتكلم عن رؤية اشبه بالكشف لكهل تجاوز عمره ال57 سنة وقتذاك ، وفي عصر تجاوزه زمنيا بجيل، لا اتحدث عما سمي بثورة الربيع العربي بل عن رؤية نبوئية سبقتها بربع قرن.
قدمت ديوان منتجها الاول الى جريدة الحياة اللندنية مستهدفة حل مشاكل نقل المادة الخبرية الى مطابع الصحف في بقع جغرافية مختلفة، وهي عملية تكلف الملايين من الدولارات كل عام آنذاك، تلك كانت بداية ثورة النشر الصحفي في العصر الحديث على يد ديوان.
لم يغب العراق عن عين الفقيد لحظة، من اجل ذلك إتخذ قرارا بان "تتسلل" ديوان الى العراق كشركة برمجيات تجارية، والهدف هو اختراق الحصار المدمر والمساهمة في بناء جيل رقمي هناك، وافتتحت لذلك الغرض مكتبا في بغدادعام 1997 جمعت فيه بضعة عشر من المع العقول من خريجي الجامعات العراقية في مجال البرمجيات، وزودتهم باحدث دراسات ومنجزات عصر المعلومات، وأوفدت العديد منهم الى معرض جايتكس في دبي وهو واحد من اهم معارض تكنولوجوجيا المعلومات لغرض الاحتكاك والاطلاع على آخر المنجزات العلمية في هذا المجال. أنفقت مئات الالوف من الدولارات في ايام الحصار الاجرامي المدمر على مكتبها في بغداد. كانت مدرسة للعلم وعمل الفريق الواحد هدفه بذر البذرة الصالحة في تربة العراق المعطاء، عقول شبابه اللامعة، وليجني من يجني من حصادها فكلها خير للعراق. ولكن تسارع الاحداث بعد الاحتلال الامريكي و العملية السياسية الطائفية المدمرة التي انشأها ورعاها الاحتلال، عصفت بالاخضر واليابس.
صعدت ديوان كالصاروخ بين الشركات الناشئة في المملكة المتحدة، ثم تدهورت لاسباب متعددة بعد بضعة سنوات... وتلك قصة اخرى لاعلاقة لها بالابداع الفكري والسياسي.
تحدثت عن سمتين كبيرتن من سيرة الفقيد جمعتا بقوة عصرين مختلفين تمام الاختلاف، بقي ان اقول بضعة اسطر عن ابراهيم علاوي المهندس المعمار.
لم تتح له الحياة العاصفة التي عاشها سوى اقل من اربعة سنوات مارس فيها مهنته الهندسية، وفي هذه الفترة القصيرة قدم ملامح مهندس معمار مبدع ذو رؤية تمزج بين جماليات الشكل والوظيفة والبيئة المناخية، وقد ترك حسرة كبيرة لدى الكثير من المتخصصين بالعمارة لخسارة موهبة كان سيكون لها شأن كبير في العمارة العراقية لو واصلت طريقها في العمل الهندسي.
والغريب انه كل هذه الاهتمامات التي شغلت حياته العاصفة، بقيت سنوات الدراسة الجامعية والممارسة المعمارية العابرة التي مارسها هي الروح التي تتوهج في داخله ويتوق اليها بعشق ووله.
وختاما انتقل باختصار شديد الى الجانب الشخصي من حياة الفقيد، لقد كان الفقيد عفيف اللسان في كل خصوماته ومعاركه السياسية فلم اسمع منه يوما كلمة نابية بحق الاخرين، وكان عفيف السيرة الى حد التبتل في كل مراحل حياته مثل الكثير من ذلك الجيل المجيد من الشيوعيين، كان قارءً نهما وباحثا لايمكن ان تراه الا وبيده كتاب او قلم، وكان سريع القراءة والاستيعاب والتهميش بشكل استثنائي، وقد جمع مكتبة ضخمة من امهات الكتب والمراجع تربو على العشرة الاف كتاب تصلح ان تكون مرجعا سياسيا وتاريخيا للدارسين. لم اره قط قانطا او مهزوزا او مستسلما في اسوء النكسات والهزائم، متعاملا معها كمحطات عابرة لعمق وعيه بحركة التاريخ. لقطة انسانية: عندما استشهد شقيقنا زهير ابلغني الفقيد ان حزنه عليه مثل حزنه على الشهيد خالد احمد زكي، لقد كان استشهاد خالد حزنه الشخصي الاكبر.
تلك لمحات من سيرة مهندس وحزبي وسياسي ومؤرخ ودارس حضارات قديمة واحد شخصيات العصر الرقمي...قائد وأنسان قل ان يجود الزمان بمثله.
ابراهيم لن تخبو ذكراك ستبقى ابدا علما ونورا يضئ درب الحياة امام طلائع الزاحفين نحو غد افضل للانسانية.
وكل الشكر لرفيق دربه ورافع ذكره فاروق مصطفى رسول.
ماجد علاوي
3/2/2015
659 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع