أ.د. محمد الدعمي
إذا كانت ادعاءات الشريف “أربايو” قد ذهبت أدراج الرياح، هواء في شبك، فإن للمرء أن يتوقع بأن الادعاء بمعاناة الرئيس بوتين من مرض عصابي لا يمكن أن يتبدد بسرعة نظرًا لأنه ادعاء مدور بمصالح سياسية وقومية، وبسبب تحدي الرئيس بوتين للهيمنة الأميركية المتفردة بالعالم، خاصة بعدما قام بضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا، متطلعًا لضم جمهورية أوكرانيا أو أجزاء منها لروسيا كذلك.
والحق، فإن بوتين، حاله حال سواه كهتلر وبرجنيف وناصر وكاسترو قد أخذ حصته من هذا النوع من الإشاعات الإعلامية الغربية.
لا يشك المرء بحقيقة مفادها أن التوظيف الدعائي للإعلام (السلبي في أغلب الأحيان) إنما هو من مبتكرات العالم الغربي، لسبب بسيط وهو أن الإعلام، بمعناه الواسع المعاصر، هو ابتكار جاءنا من ذلك العالم المختلف والنائي. ومع هذا، فإننا في العالم العربي درجنا على عدم الثقة بالكثير مما يشيعه ذلك الإعلام نظرًا لأن المتلقي في هذا العالم العربي ذكي وكثير الشكوك بما يرده أو يتناهى إلى مسامعه من أخبار، خاصة وأنه سبق أن خبر هذا النوع من التوظيف الدعائي السلبي للإعلام في مناسبات عدة.
على كل حال، للمرء، أن يلاحظ ما جاء أعلاه في سياق إعلان مندوب فضائية الـCBS عن إمكانية أن يكون الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مصابًا بـ”متلازمة أسبيرجر العصابية” Asperger’s، وهو نوع من أنواع التوحد الذي يقود إلى اضطراب يصيب أعصاب الإنسان فيقوده إلى الإخفاق في التواصل والتفاعل الاجتماعي مع الآخرين.
ليس الأمر بغريب على الإعلام الأميركي لأنه إعلام يديره رأس المال والمصالح، بدليل أن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، بذاته لم ينج من هذا النوع من التضليل المدفوع سياسيًّا، إذ ظهر قائد الشرطة في ولاية أريزونا، أربايو Arpaio، ليعلن على الملأ في مؤتمر صحفي بأن انتخاب أوباما، رئيسًا، كان خطأً ارتكبه الشعب الأميركي نظرًا لأن رئاسته غير قانونية بسبب أنه لم يولد على أرض أميركية، وهو أمر مخالف للدستور الأميركي. وعلى هذا السبيل انطلق “الشريف أربايو” في حملة تحقيق عن أوراق وبيان ولادة الرئيس أوباما كي يبرهن على أنها كانت أوراق مزيفة لأنه لم يولد في ولاية هاويي، كما يدعي الرئيس زورًا.
وإذا كانت ادعاءات الشريف “أربايو” قد ذهبت أدراج الرياح، هواء في شبك، فإن للمرء أن يتوقع بأن الادعاء بمعاناة الرئيس بوتين من مرض عصابي لا يمكن أن يتبدد بسرعة نظرًا لأنه ادعاء مدور بمصالح سياسية وقومية، وبسبب تحدي الرئيس بوتين للهيمنة الأميركية المتفردة بالعالم، خاصة بعدما قام بضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا، متطلعًا لضم جمهورية أوكرانيا أو أجزاء منها لروسيا كذلك. والحق، فإن بوتين، حاله حال سواه كهتلر وبرجنيف وناصر وكاسترو قد أخذ حصته من هذا النوع من الإشاعات الإعلامية الغربية.
أما نظرية وكيل الـCBS في البنتاجون، فإنها مبتناة على صورة انتشرت في الإعلام قبل أشهر تعكس تجنب بوتين وأوباما النظر لبعضهما في اجتماع منفرد بين الرئيسين، وهي الصورة التي عدت دليلًا على ضعف العلاقة الشخصية بينهما، ثم بين الدولتين الكبريين، بطبيعة الحال. بيد أنه يتوجب اصطناع إشاعة أخرى لتسويق أو “لتسليك” هذا الادعاء. لذا خرج صاحبنا على الشاشة ليعلن بأن والدة الرئيس بوتين كانت قد أصيبت بجلطة دماغية أثناء فترة الحمل به، فتركت تلك الجلطة آثارها على الجنين الذي قدر له أن يكون رئيس جهاز المخابرات السوفييتية KGB، ثم رئيسا لروسيا مرتين!
يذكرني هذا بمثل شعبي عراقي يفيد بأن “أحب وإحكي، واكره وإحكي”، بمعنى أن المرء إذا كره شخصًا فإنه لن يتردد في إلصاق أية تهمة ضده كي يشوهه. وهو يذكرني كذلك بمثل عربي شائع ينتقص من مصداقية بعض وسائل الإعلام، بالقول: “كلام جرايد”! أي أنه “كلام دعائي، غالبًا ما يفتقد إلى الدقة.
510 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع