"الميثاق الأعظم"

                                   

                           زينب حفني

تستعدُّ بريطانيا للاحتفال بمرور 800 سنة على صدور "الماجنا كارتا" وترجمتها بالعربيّة الميثاق الأعظم.

وستقوم بهذه المناسبة تجميع النسخ الأربع الأصليّة وعرضها بالمكتبة البريطانيّة بلندن لمدة ثلاثة أيام، ثم تُحفظ بعدها نسخة بكاتدرائية "سولزبري"، ونسخة بكاتدرائية "لينكون"، وتبقى نسختان بالمكتبة العامة لكي يتسنّى للزائرين الاطلاع عليها. تعود أهمية هذه الوثيقة في أنها تُمثّل جزءاً مهماً من تلك الحقبة التاريخيّة لبريطانيا. وقد صدرت عام 1215م ثمَّ تمَّ إصدارها مرة أخرى عام 1927م . ومن أهم بنودها عدم إعطاء الملك حرية مطلقة فيما يخصُّ أمور الشعب، وأن يُوافق على عدم معاقبة أي رجل حر إلا بموجب قانون الدولة، وهو ما أدّى لاحقاً إلى قيام القانون الدستوري الذي حوّل بريطانيا إلى ملكية دستورية، وساهم في أن تستقي منه العديد من الدول دساتيرها وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية. الدول المتحضرة لم تبنِ حضارتها من فراغ، بل مرّت بحقب كثيرة حتى أرست دعائم الديمقراطية على أرضها. وما تقوم به بريطانيا اليوم من الاحتفال بهذه الوثيقة، التي مرَّ عليها ثمانية قرون يؤكّد أنَّها تفتخر بما حققته، وكي تُبيّن للعالم بأسره أنها لم تنسَ ماضيها، ولكنها كذلك لم تقف عنده بل مرّت بعدّة مراحل لتصل إلى ما هي عليه اليوم.

هذه الوثيقة جعلتني أتوقّف عند حالنا المزري! فمن ماض أشرق بحضارته على كافة بقاع الأرض، إلى حاضر مظلم يقوم على الفتن والتعصّب وازدراء الآخر والتعطّش لإراقة الدماء وتشويه صورتنا لدى الغرباء بحجّة حماية الدين من أعداء وهميين!

الحريّة والديمقراطيّة عروتان لا تنفصمان أبداً، ولذا يُقال إذا أردت أن تجد الحرية، فأبحث عنها في أحضان الديمقراطيّة والعكس صحيح. لكن البعض كفر بهذين المطلبين وصاروا يسبون علناً ثورات "الربيع العربي"، التي خرج مؤيدوها إلى الميادين والطرقات بحثاً عن الحريّة وطلباً للعدالة الاجتماعيّة، فغدت أوطانهم لقمة سائغة بأيدي المتطرفين، وغاب الأمن والأمان داخل أوطانهم. أضحوا موقنين بأن ثوراتهم حادت عن مقاصدها الحقيقيّة وانتجت فوضى عارمة، وأطلقت يد الجماعات التكفيريّة والمنظمات المتطرفة، التي كانت نائمة داخل الحجور المعتّمة تنتظر فرصة للانقضاض على من يقف بوجهها! وصاروا يتحسّرون على الأمس القريب رغم مرارته!

في ندوة للدكتور مصطفى الفقي أُقيمت بمعرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام حول تجديد الخطاب السياسي، سأله أحد الحضور.. من الذي يحتاج إلى التجديد أولاً! الفكر الديني أم منظومة التعليم؟ وكان رأي الدكتور الفقي على وجوب النظر في المناهج التعليميّة وتوحيدها، خاصة وأن التعليم بمصر أصبح طبقيّاً ونشأت مدارس خاصة للأغنياء تُعزز الطبقيّة في التعليم.

لم يُسعفني الوقت للإدلاء بوجهة نظري حول هذا الطرح، وأرى بأن على الجامعة العربية تبنّي مشروع قومي عربي، يهدف إلى القيام بثورة فكرية شاملة تتضمن الفكر الديني والثقافي والموروث الاجتماعي، يدخل ضمن هذه الأخيرة منظومة الأعراف والتقاليد، فبغيرها ستتراجع مجتمعاتنا أكثر وتزداد تخّلفاً!

من المعروف إنَّ مناهجنا الدينيّة تتضمن الكثير من دعوات التطرّف وفتاوى التكفير التي يجب إلغاؤها. لقد أصبح قلبي يزخر بالأسى على ما يجري على أراضينا العربيّة، وفي الوقت الذي تحتفل فيه بريطانيا بوثيقة تُثبت أنها أعرق ديمقراطيّة بالعالم، تحتفل الجماعات التكفيريّة بقطع رأس إنسان وبحرق آخر باسم الإسلام.

لقد غدونا فرجة للعالم بأسره، وكلما حاول عُقلاؤنا رأب التصدّع، خرج لنا شيخ من شيوخ التطرّف، ليُفتي بتكفير هذا وبقتل ذاك، متناسين بأن الإنسانيّة وصلت إلى ما وصلت إليه بالمعرفة وإنارة العقول، وليس بقطع رؤوس العباد ورفع السلاح بوجه بعضنا البعض.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

755 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع