د. منار الشوربجي
منذ أن أعلن عن الخطاب المزمع أن يلقيه نتانياهو أمام الكونجرس، تتلاحق التطورات بسرعة.
لكن الثابت الوحيد منذ ذلك التاريخ هو صلف نتانياهو! ويبدو أن غطرسة نتانياهو، الذي يتباهى بأنه يعرف أميركا جيداً قد جعلته ينسى الكثير من أبجديات السياسة الأميركية! فسيسجل التاريخ لنتانياهو ليس فقط أنه رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي حول إسرائيل لقضية حزبية في أميركا بعد ان كانت تاريخياً محل إجماع الحزبين.
وإنما سيسجل له أنه حول الملف الإيراني لقضية «إسرائيلية» في واشنطن، وتجاهل أغلب يهود أميركا بل وفتح صفحة جديدة من صفحات التوتر بين سود أميركا وإسرائيل.
وتعود بداية القصة لسويعات قليلة بعد إلقاء الرئيس الديمقراطي، أوباما، خطاب الاتحاد، الذي هدد فيه الكونجرس باستخدام الفيتو ضد أي قانون يفرض عقوبات على إيران، بينما المفاوضات لا تزال دائرة.
فقد أعلن فوراً رئيس مجلس النواب، الجمهوري، جون بينر، أنه دعا بنيامين نتانياهو لإلقاء خطاب بخصوص إيران أمام جلسة مشتركة لمجلسي الكونجرس في فبراير. لكن اتضح أن المؤسسة التنفيذية لم تخطر بدعوة بينر ولا بقبول نتانياهو لها إلا بعد الإعلان عنها.
فلا تم إخطار البيت الأبيض ولا وزارة الخارجية، بل اتضح لاحقاً أن بينر أعد لتلك الزيارة بالتنسيق مع رون ديرمير، السفير الإسرائيلي لدى واشنطن فقط ودون حتى إخطار قيادات الحزب الديمقراطي في الكونجرس.
وبناء عليه، أعلن البيت الأبيض أن ما جرى يمثل خرقاً للبروتوكول المتبع في زيارات زعماء الدول الأجنبية وبالتالي فإنه لا الرئيس الأميركي ولا وزير خارجيته سيقابل نتانياهو أثناء الزيارة.
والسفير الإسرائيلي، بالمناسبة، أميركي إسرائيلي، ليس ببعيد عن السياسة الأميركية. فهو جمهوري يميني كان ناشطاً بالحزب الجمهوري كخصم للديمقراطيين قبل أن يختاره نتانياهو سفيراً له في واشنطن. أكثر من ذلك، أجّل نتانياهو الزيارة شهراً بما يجعلها تسبق إجراء الانتخابات الإسرائيلية بأسبوعين فقط.
ولم يكن أوباما وحده الذي أغضبته الدعوة وقبولها. فجو بايدن، نائب الرئيس، الذي يصف نفسه دوماً بأنه «صهيوني» أعلن أنه لن يحضر الجلسة المشتركة للكونجرس، كرئيس لمجلس الشيوخ. وأعلنت قيادات الحزب الديمقراطي في الكونجرس تباعاً انتقاداتها لنتانياهو وعزمها عن مقاطعة خطابه.
ولا يعرف أحد بالضبط كل ما قيل في الاجتماع إلا أن ما قالوه علناً هو أن ما فعله نتانياهو وضعهم في مأزق إذ صار عليهم الاختيار بين الرئيس الذي ينتمون لنفس حزبه وبين دعم إسرائيل، وصرح أحدهم بأنه يكره أن تتحول إسرائيل «لكرة قدم» بين الحزبين. وقد دعا بعضهم نتانياهو علناً للاكتفاء بإلقاء خطاب أمام لوبي إسرائيل أو حتى الاجتماع بأعضاء الكونجرس ولكن في جلسة مغلقة.
ووقفت منظمات يهودية معروفة بمناصرتها القوية لنتانياهو لا فقط لإسرائيل ضد الحدوتة كلها التي وصفها أبراهام فوكسمان رئيس رابطة مكافحة التشهير، المؤيد بشدة لنتانياهو، «بالمأساة». لكن نتانياهو، حتى كتابة هذه السطور، ظل على إصراره العنيد على إلقاء الخطاب معللاً ذلك بأن قضية البرنامج النووي الإيراني تمثل تهديداً «وجودياً» بالنسبة لبلاده.
ليس هذا فقط. فهذه ليست المرة الأولى التي يتحدى فيها نتانياهو أوباما ويصطف مع خصومه الجمهوريين، ولم ينس أوباما بعد أن نتانياهو أيد علنا خصمه ميت رومني في انتخابات الرئاسة 2012. وهو بذلك جعل إسرائيل قضية حزبية، بعد أن كانت قضية يجمع عليها الحزبين الكبيرين في أميركا.
الأهم من ذلك أن نتانياهو استعدى الكثير من اليهود الأميركيين. فهو يتصرف بهذا الصلف معتمداً على منظمات اللوبي الإسرائيلي في واشنطن التي صارت أكثر يمينية من أي وقت مضى، بينما أغلبية الناخبين اليهود الأميركيين تقف بثبات وراء الحزب الديمقراطي. وأوباما حصل في 2012 على حوالي 70% من أصوات اليهود الأميركيين.
ليس هذا فقط فقد مثل سلوك نتانياهو استفزازاً مباشراً أيضاً للأعضاء السود في الكونجرس الذين اعتبروا ما يفعله نتانياهو وسفيره بمثابة «عدم احترام» للرئيس، الأسود، فكان الأعضاء السود في صدارة من أعلنوا مقاطعتهم لخطاب نتانياهو. ويبدو أن نتانياهو قد نسى أن أحد مصادر الصدع في العلاقة بين اليهود والسود في أميركا كانت تقليدياً السياسة الخارجية، وبالذات مواقف إسرائيل.
760 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع