بقلم جابر رسول الجابري
جلستُ أرتشفُ فنجانَ شايٍ أخضر , أرقبُ المارةَ عن كثبٍ في مقهى وأتفكر , في وسطِ مدينةِ لندن عند شارعٍ يُقال لهُ أجوَّر , شعاعُ الشمسِ كانت ألوانه تتأرجحُ بين ذهبي وأصفر , ما بين الدلوك وغسقُ الليل عصر أبتر ,
والسماء زينتها الغيوم كأنها فَلكٌ تَمخُر , تُبددها الريح فتراها واهنةً تتبعثر , لو تلبدت وتوحدت كان للحياة منها نصيبٌ أوفر , الغيوم كشعبٍ في فُرقةٍ يُصيبه الوهن فَيمذُر , فيحلُ عليهِ الظلام ويفسد الدين والمنبر , ويطغى فيه الرويبضة فيسمو الأعظم الأكبر , وتحكمه الرعاع ... أشد ظلما وفسادا .. بل أقذر , شعبٌ ثلثه قتيل وثلثُ بائسٌ محروم والباقي مُهجّر , سيعود العراق يوما ... فيا أيوب عليك الصبرُ أكثر , إنتبهت فجأةً من شرودي فوجدت إمرأة تقف أمامي ذات شعرٍ أشقر , إبتسمت لي وسألتني : أراك شارد الفكر ...بالرغم من... كنت صوبي تنظر , أجبتها وفي قلبي لوعة .... شعبي ضاع في فتنةِ الدجالِ الأعور , تكالبت عليه اللصوص وتآمرت عليه الدول كبيرها أو الأصغر , وشعبي يغط بنومةٍ حالماً بأن هناك مُخلصٌ صنمٌ أوتر , تأسفت لي ... ثم استدارت عني باتجاه آخر , فأخرجت من حقيبةِ يدها مرآة وقلمَ شفاهٍ أحمر , تمعنت في المرآة ... عبست ... ثم تبسمت فدعكت شفتيها ..وتكلمت بصوتٍ أجهر , قالت تُخاطبُ نفسها .. كم أنا جميلة .. وراحت ترقص كأنها طاووس يتبختر , ثم إستدارت نحوي وقالت لي : عش حياتك ... فانت هنا ...لا تنظر لماضٍ من الزمانِ ولى وأدبر , ثم لوحت لي بيديها مودعةً وابتعدت عني تتقهقر , فقمت من مجلسي صارخا مُستنكِر , لن أنساك يا وطني ... يا شعب هل لك من ثورةٍ فيها تتحرر , هنا العراق .... هنا وادي الرافدين .... هنا علم الله أكبر , فصفق لي بعض المارة ... يظنون أني في الخمر أسور , جلست عندها على حياء أحدث نفسي ...يا عراق ستبقى وطني وحبي الأوتر , وستبقى بغداد ما حييت هي قدسي الأنقى الأطهر .
المملكة المتحدة - بيرمنكهام
الثامن والعشرون من شباط 2015
686 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع