بقلم : سالم ايليا
بالأمسِ القريب أضفنا الى مساوئنا وذنوبنا ذنباً آخراً عظيماً سوف لن تغفرهُ ( بقايا ) الأجيال القادمة إذا تسنى لها العيش ضمن حدودٍ موحدةٍ لبلدٍ كان أسمه العراق !! .
بالأمسِ سمحنا لشرذمةٍ جاهلةٍ أن تتجاسر وتدمر كل ما بناه السلف الصالح ولم يكن يعلم هذا السلف بأنه ترك تاريخه وأمجاده لخلفٍ طالحٍ .
فالمعذرة لكم يا ملوك وأباطرة الحضارة العراقية السالفة التي أمتدت على إمتداد مشارق الأرض ومغاربها حتى كادت لا تغيب عنها الشمس .
والمعذرة لك أيها التاريخ الذي لم يبقى لنا سواك لنتغنى به كلما أحسسنا بعجزنا وضُعفنا لكتابة سطرٍ واحدٍ فقط في سفرك الخالد .
فنحن مشغولون الآن في قتل بعضنا البعض ـ ـ ـ ونحن مشغولون الآن في سرقة ما تطاله أيدينا من أموال وممتلكات السحت الحرام ـ ـ ـ ونحن مشغولون الآن في تكفيرِ بعضنا البعض وعرض وحشيتنا ونكران آدميتنا للعالم أجمع .
وشكراً للدول التي ( سرقت ) أثارنا وحافظت عليها من عبث أيدينا حيثُ أقامت لها المتاحف العظيمة لتعرضها لِمن له عقل وفكر ـ ـ لتقول له هكذا كانوا أجداد هؤلاء الغوغاء (1) ، حيثُ خلّفت تلك النار العظيمة هذا الرماد المتطاير مع الريح الصفراء التي تجتاح بلدانهم ، وسأقف منذ اليوم ضد أي مطالبة لعودة تلك الآثار الينا ، فهي الآن في مأمن تنتصب شامخة على أراضي الحضارات الراقية للقرن الواحد والعشرين لتحكي للعالم أجمع قصة أولى الحضارات التي اضمحلّت وانتهت بفعلِ غوغائية وجهل من جاءوا خلفاً لأجدادهم الأوائل الذين إجتهدوا في صنع تلك الحضارات .
وسأرفق مع هذا المقال صورة لي التقطتها عدسة كاميرتي حين كنتُ في زيارة الى متحف اللوفر/ فرنسا قبل سنوات مضت حيثُ وقفتُ في طابورٍ طوله عدّة مئات من الأمتار ولساعات طوال تحت حرارة الشمس ليتسنى لي الدخول الى المتحف لمشاهدة آثارنا التي أتهمْنا فيها فرنسا وإنكلترا وغيرهما ( ظلماً ) بنهبها ونقلها الى بلدانهم ، والحقيقة بانهم فعلوا الفعل الحسن حين أنقذوها من براثن ومخالب وحشيتنا وجهلنا بقيمتها الحقيقية . وحال وقوفي ( شامخاً ) أمام أول دستور " شريعة " يُسَن في العالم ( مسلّة حمورابي ) لأخذ صورة تذكارية مددتُ يدي لأتبارك " بحجرها الأسود " فنبهتني زوجتي الى وجود لوحة قريبة من المسلّة كُتِبَ عليها " الرجاء عدم اللمس " ـ ـ فقلتُ لها لقد قرأتها وأنا أعلم بوجودها ، لكن هذه اللوحة قد كُتِبَتْ لغيري وليس لي كعراقي من حقي أن أتلمسها لأعود بذاكرتي وأعيش في تواصل مع من سَنّ ونحت وصنع هذا العمل العظيم فلربما كان أحد أجدادي هو الذي نحتهُ !!! ، لقد سرت رعشة عظيمة في جسدي لا زلتُ أشعر بها وأنا أمرر أصابع يدي على أجزاء تلك " المسلّة " ، فقد تراءى لي الملك العظيم " حمورابي " وهو يتفحصها قبل أن تأخذ مكانها في ركن من أركان قصره وعادت بي عجلة التاريخ الى سنة 1790 ق.م وهي سنة إعلان هذا الدستور كما ذكر المؤرخون ، كذلك فعلت الشئ ذاته مع الثورين المجنحين اللذين دمرا نسختيهما الغوغاء قبل أيام قليلة في البناية التي كان يطلق عليها متحف الموصل !! ، لكن الذي أغاضني وأغضبني في زيارتي الى متحف اللوفر هو شمول الأثار العراقية بالجناح الفارسي !!! فلا يوجد أي ذكر للعراق في أثاره حيثُ أغمض السياسيون أعينهم منذُ زمنٍ بعيدٍ عن الإجحاف الذي لحق بالعراق وتراثه وسمعته في المحافل الدولية وباتوا يتصارعون على منصبٍ زائلٍ وحروبٍ أوصلتنا الى أسفل الدرك في تسلسل الدول الجاهلة .
إنتباهة :
( 1 ) الغوغاء : هُم السفلة من الناس والمتسرعين الى الشر وليس كما يفهمها البعض خطأ من أنهم جياع القوم .
4018 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع