علاء الدين الأعرجي*
رداً على الأنصاري باتهام الأعرجي والفلسطينين المغتربين بالخيانة
[ملاحظة أولية مهمة: أعيد نشر هذه المقالة، في صحيفة الكاردينيا الغراء، حيث أتحدى بها المفكر البحريني المعروف محمد جابر الأنصاري، الذي كنت أحترمه جداً وأقتبس من مؤلفاته، التي أحرص على الرجوع إليها. وكنت أتوقع منه أن يجيبني على ملاحظاتي التي تدحض ادعاءاته واتهاماته المتداعية، تعليقاً على دراستي الهامة المنشورة في مجلة" المستقبل العربي" في بيروت. لذلك أنشر هذه الرد مجدداً، وأرجو إما أن يعتذر، أو يرد على هذه الرسالة بمقدرته الفكرية الواسعة، وألا فسأضطر إلى أن أحكم عليه بالجُبن، بكل أسف، وأعلن ذلك معززاً بالبرهان المبين]
أُعبر عن شكري وتقديري لصحيفة "إيلاف" الغراء على نشرها النص المختصر لكاتب هذه السطور، رداً على المفكر الأنصاري على الاتهامات الخطيرة التي وجهها إلى ملايين المغتربين العرب ولاسيما الفلسطينين المقيمين في الخارج.
ونظراً لأهمية الموضوع بل خطورته الشديدة، لاسيما وإن المفكر د. الأنصاري لم يعتذر عما بدر منه من أخطاء واتهامات باطلة في مقالته المنشورة في "إيلاف" بتاريخ 16مايو 2013، وقبلها في صحيفة الإمارات الخليجية وقبلها في صحيفة الحياة اللندنية، لذا أرجو ان تتفضلوا بنشر هذا الرد الكامل المعزز بالمراجع والمستندات التي كنت قد أغفلتها في الرد الموجز.
نقاط مهمة
-الأنصاري يتهم الأعرجي وملايين الفلسطينين المشردين في مختلف أرجاء العالم بالخيانة.
-هذه التهمة تسري على جميع العرب المغتربين.
-روح العروبة المتجذرة بين الشعوب العربية لم تخفت كما يرى الانصاري بل تأكدت عملياً من حقيقة انتشار الثورة العربية، في مختلف أرجاء الوطن العربي بهذه السرعة، وبهذا الزخم.
-أرى أن الحُكم على الربيع العربي بتحوله إلى خريف، كما يرى الانصاري، حكم متسرع، لاسيما وأن جميع الثورات الكبرى في التاريخ ولاسيما الثورة الفرنسية، احتاجت إلى سنوات طويلة لتحقق أهدافها.
-قبل أن يرد عليها، الأنصاري لم يكلف نفسه عناء قراءة دراستي المنشورة في مجلة المستقبل العربي بشكل كامل.
-الأنصاري يجب أن يُحاسَب على تصريحاته أكثر من أي شخص أعتيادي آخر، لأنه يعتبر مفكراً كبيراً. يقول الإمام علي" ربي أجعل عنقي كعنق البعير".
اطّلعت على مقالة الدكتور محمد جابر الأنصاري في صحيفة الحياة (16/5/2013)، " تحت عنوان "جامعة الشعب العربي أم جامعة الشعوب العربية؟"، ثم أطلعت بعد ذلك على نفس النص في موقع "إيلاف، وذلك تعليقاً ونقداً لدراسة نُشرتْ لكاتب هذه السطور، تحت عنوان " نحو خطة عمل لإنشاء جامعة شعبية عربية"، في مجلة" المستقبل العربي" الغراء (العدد 410، نيسان/ أبريل 2013). بل ما نعتبره أنتقاداً شديداً لكاتبها، بوجه خاص، الأمر الذي سأحاول أن أُعالجه بموضوعية في هذه المقالة، قدر الإمكان.
وأُعْرِب مقدماً عن اهتمامي الكبير، منذ سنوات طويلة، بأعمال المفكر الانصاري المتميّزة، ولاسيما "الفكر العربي وصراع الأضداد" و"مساءَلة الهزيمة"، و"انتحار المثقفين العرب" و"تحولات الفكر والسياسة بمصر ومحيطها العربي" وغيرها، واتفاقي معه في معظم أفكاره العميقة لتشخيص الأدواء العربية المتوطِّنة، التي أستندُ إليها في بعض كتاباتي كمراجع معتمدة ورصينة. ولدى دعوتي للمشاركة في أعمال الدورة الثامنة عشرة للمؤتمر القومي العربي) 28 -30/4/2007)، باستضافة كريمة من دولة البحرين، للمرة الثانية خلال سبع سنوات، قدّمتُ أقتراحاً مُسَبـَـبــَاً، إلى المؤتمر يقضي بدعوة المفكر الأنصاري لإلقاء محاضرة في تقويم "المشروع النهضوي العربي"، الذي طرحه المؤتمر وقبوله كعضو فخري فيه.
ونظراً لثقتي الكبيرة بحصافة الدكتور الانصاري، وآفاقه الواسعة في معالجة أي موضوع دقيق، في ضوء اطلاعي الكافي على كتاباته السابقة، كما أسلفت، فإنني أُعرب، بكل تواضع، عن استغرابي الشديد لإقدامه على كتابة مثل هذه المقالة التي نفترض مقدماً أنها تحتوي على أحكام متسرعة، وربما اتهامات خطيرة ، كما سأفصِّله في هذه المقالة.
ولو صدرت هذه المقالة من كاتب صحافيٍّ عاديٍّ غير المفكر الكبير الأنصاري، لما شغلتُ فكري ووقتي بالردّ المستفيض والموَّثــّق على الكاتب المحترم، بل لتلمستُ له العُذر المُسَبَب؛ ولكنني أرى أن مسؤولية المفكر تجاه قوله وفِعْله تتجاوز كثيراً مسؤولية أي شخصٍ عاديٍّ آخر.
ولئن أردّ عليه بهذا البحث، فالقضية تتجاوز الجانب الشخصي، مع أهميته، إذ أجبت عنه بقدر ما أستطيع من الحيادية والتوثيق؛ نعم، تتجاوز كثيراً الجانب الشخصي إلى الجانب الموضوعي، الذي يتعلق بأمور كثيرة وخطيرة، منها المسِّ بالفكر العربي في المهجر، بل إهانة المثقفين المغتربين ودورهم المتميز في الفكر العربي عموماً. فضلاً عن الرد على تصريح الناقد المحترم بـ"خفوت فكرة العروبة"، الذي حاولنا تفنيده في الفقرة الخامسة الأخيرة أدناه.
وخلاصة القضية هي أن الناقد المحترم اطلع على الدراسة الواردة في هذه المجلة تحت عنوان"نحو خطة عمل لإنشاء جامعة شعبية عربية"(عدد410، 4/2013)، متوقعاً أنها تتعلق بجامعة شعبية تعليمية، وفوجئ بأنها تتعلق "بجامعة شعوب عربية"،على حد تعبيره. وهنا شرع الناقد بانتقاد كاتب الدراسة بل تجريحه، أكثر من أن يتعرض لنقد المشروع بشكل موضوعي مُسَبَبٍ.
أما موضوع الدراسة الأساسي فهو يتعلق بمشروع إنشاء "جامعة شعبية عربية" كـ"مؤسسة إقليمية عربية، غير حكومية حرة، تجمع أكبر عدد ممكن من منظمات المجتمع المدني الحرة؛ المستقلة عن الأنظمة والحكومات، وتسعى إلى تحقيق "المشروع النهضوي العربي"، من خلال حشد جماهير الأمة، المُنضويَـة تحت تلك المنظمات. وتطمح في النهاية، إلى إقامة برلمان عربي شعبي يعبر عن مصالح الأمة وتطلـّعاتها".
وسأكتفي فيما يلي بالردّ على بعض من أهم النقاط الرئيسية التي وردت في مقالة الدكتور الأنصاري الذي سأشير إليه بلفظ "الناقد".
أولاً -التسمية:
أثار الناقد عدة نقاط بشأن تسمية:"الجامعة الشعبية العربية"، على النحو التالي:
1-اعترض على التسمية لأنها توحي بكونها تتعلق بجامعة تعليمية. ونحن نتفق معه في ذلك، ولكن يبدو أن الناقد المحترم لم ينتبه إلى الفقرة 2 من الدراسة ، تحت عنوان "التسمية "، التي تشير إلى هذه النقطة بالذات، حيث أقول بالنصّ:" بعد فترة من طرحي مشروع الجامعة الشعبية، لاحظتُ أن هذه التسمية قد توحي للبعض بأننا نتحدث عن "مشروع الجامعة الشعبية التعليمية"، وتحاشياً لهذا الخلط اقترحنا تسميات أخرى منها: "المنظمة الشعبية العربية" أو "منظمة الشعب العربي" أو منظمة الشعوب العربية ..... ". فنحن لاحظنا هذا الخلط قبل أن يلاحظه الناقد المحترم، وحاولنا تحاشيه ولكن المؤتمر القومي العربي ظل متمسكاً بالتسمية الأصلية التي طرحناها في البداية ، فامتثلنا. والعبرة في المضمون لا بالشكل، مع أننا استخدمنا تعبير "جامعة الشعوب العربية" في مواضع أخرى ، كما يعترف الناقد نفسه .
2-ومن جهة ثانية، فإن تعبير "الجامعة الشعبية العربية" لا يعني بالضرورة أن المقصود به هو "جامعة الشعب العربي"، (وهو التعبير الذي ينتقده الناقد لأنه يعتقد أن هناك شعوباً عربية وليس شعبأ عربياً واحداً، مما سأفصّله في الفقرة التالية)، بل يعني، في المقام الأول، أن هذه المنظمة تمثل الطبقات الشعبية، مقابل جامعة الدول العربية القائمة، الي تمثل الطبقات الحاكمة.
ثانياً- اتهام الناقد للكاتب بأنه إيديولوجيّ
ننتقل الآن إلى تفسير الناقد لعدم استخدام الأعرجي"جامعة الشعوب العربية"،(مع أنه أستخدمه، كما شرحت وسأشرح أدناه ، وباعتراف الناقد نفسه) بدلاً من "الجامعة الشعبية العربية"، وكأنه كان مقصوداً، بل مُتعمداً من جانب الكاتب. حيث ذهب الناقد المحترم في تأويله بعيداً جداً. إذ يرى أن تعبير "الشعوب العربية" هذا، ليس مقبولاً لدى الكاتب، لأسباب أيديولوجية. ويوضح قائلا:" فكاتب المقال يتضح من كتابته أنه {مؤمن بشعب عربي واحد يسعى إلى إيجاده، لذلك فإن استخدام كلمة «شعوب» يمثل تجاوزاً لذلك الإيمان الإيديولوجي، وكأن الشعب العربي الواحد قد وُجد وانتهينا من مسألة وجوده الواحد"}. ويستكمل الناقد اتهامه وحكمه، فيلقي بتهمة أخرى أشد خطورة، إذ يقول" وربما كان هذا الترفع الأيديولوجي عن حقيقة «الشعب العربي» القائمة من أسباب تأخر وتعثر وحدته!"
نلاحظ على هذا النقد ما يلي:
لو أن الناقد تـَـــنَــبَّه، كما أسلفنا، إلى الفقرة المتعلقة بـ"التسمية" في الصفحة 136، من المجلة، التي اقترحتُ فيها، من بين التسميات البديلة؛ " منظمة الشعوب العربية"، لألغى اتهامه لكاتب هذه السطور "بأن تعبير "الشعوب العربية" هذا، ليس مقبولاً لديه، ولَمَا اتهمني باعتباري متمسكاً بهذه التسمية(أي الجامعة الشعبية) "لأسباب إيديولوجية"، ولَمَا انتقدني، بالتالي، بأنني "مؤمن بشعب عربي واحد".
وبالإضافة إلى ذلك، فإن اعتراضي ينصب، في المقام الأول، على لفظة "مؤمن" التي أرفضها بشدة موضوعية، لأنني لست "مؤمناً بشعب عربي واحد"، بل " أنا مقتنعٌ بوجود شعب عربي متجانس وليس بالضرورة واحداً، او شعوب عربية متجانسة، رغم أختلافاتها النوعية، تنضوي تحت خيمة الشعب المتجانس بنيوياً".
والفرق بين "الإيمان" و"الاقتناع" شاسع ولكنه غير واضح أو شائع. فبداية، نحن نرى أن ثمّة عناصر بنيوية تجمع بين هذه الشعوب، لا يمكن إنكارها، أهمها اللغة والثقافة(بما فيها "العقل المجتمعي" كما سأشرح أدناه) والتاريخ/التراث والإقليم الجغرافي المتصل، والطموحات والإشكاليات، بالإضافة إلى العقيدة الإسلامية لأكثر من تسعين في المائة من العرب، مع تَشَرّب معظم العرب غير المسلمين بالإسلام كثقافة متميّزة وحضارة كانت سامقة. أذكر منهم بعض البارزين: ميشيل عفلق وأدوارد خراط وقسطنطين زريق وجورجي زيدان كذلك أنطون سعادة إذا أخذنا بنظر الاعتبار كتابه "الإسلام في رسالتيه المحمدية والمسيحية".
ولتوضيح الفرق بين الاقتناع والإيمان ، أقول باختصار؛ إن الإيمان يعني"التصديق بالقلب من دون أن يؤيده أو يكذبه برهان منطقي أو حِسي" أما "الاقتناع" فيعني الرضى بالفكرة، نتيجة بحث وتمحيص وأدلة منطقية أو حِسِّيـَّـة. وهذا هو الفرق الرئيسي بين الإيمان الإيديولوجي والاقتناع المعرفي أو"الإبستمولوجي". لذلك أرفض باقتناع إبستملوجيٍّ، التهمة التي وجهها إليّ المفكر الانصاري، بأنني مؤمن إيديولوجياً.
ولشرح ذلك، وتوضيحاً لموقفي تجاه مسألة وجود شعب عربي او شعوب عربية، أستعين بفرضية/نظرية "العقل المجتمعي":
وموجز هذه النظرية أن لكل أمة أو شعب، أو أية فئة متجانسة من البشر ، أطلقنا عليها مصطلح "الوحدة المجتمعية"، عقلاً خاصاً بها أطلقنا عليه تعبير "العقل المجتمعي"(Societal Mind ) وهوسلطة خفيّة اعتبارية سائدة، تتحكَّم بسلوك أعضاء "الوحدة المجتمعية" وتصرُّفاتهم، من حيث لا يشعرون، في الغالب، وتتحكم بالتالي باتجاهات تلك الوحدة ككل، وتحديد مصيرها. وتتكوَّن بنية هذه السلطة من مزيج متفاعل ومتكامل ومتناسق، بل متناقض أحياناً، لمنظومة واسعة من القيم والمعارف والمبادئ والمفاهيم والأعراف والأفكار والعقائد(المسلّمات)، أو الإيديولوجيات والتطلعات . . . إلخ، السائدة في تلك الوحدة المجتمعية ، تلك العناصر التي تَخَلّـــقَتْ وتبلورت فتحجرت(بالنسبة للمجتمعات البدائية أو المتخلفة) خلال المسيرة التاريحية لتلك الوحدة، وصيرورتها التطورية وظروفها الاجتماعية والسياسية والجغرافية... إلخ.
فمنذ طَرَحْتُ هذه الفرضية/ النظرية، في مطلع القرن الجاري، أشرت إلى أن هناك عقلاً مجتمعياً متجانساً بين العرب، ولكنه يتفرع إلى عقول مجتمعية أصغر، تتفرع بدورها إلى فروع أصغر. فـ"الوحدة المجتمعيّة"، لبلدان الخليج، مثلاً، تختلف في بعض خصائصها(التي تشكل عقلها المجتمعي) عن الوحدة المجتمعيّة لبلدان الهلال الخصيب، وهذه تختلف، بدورها، بعض الاختلاف عن الوحدة المجتمعيّة لبلدان المغرب العربي. كما تتفرع كل وحدة من هذه الوحدات الثلاث، إلى وحدات أصغر تتعلق بكل منطقة وبلد وقبيلة...وعلى الرغم من ذلك، فإن جميع هذه الوحدات (التي تحمل عقولاً مجتمعية متنوعة قليلاً أوكثيراً)، تنضوي تحت خيمة الوحدة المجتمعية الكبرى للأمة العربية، التي تحمل العقل المجتمعي العربي المتجانس والشامل.
إذاً، الأمة العربية واحدة من حيث أنها تضم، في معظمها، شعوباً عربية متجانسة، ولكن هذه الشعوب يمكن أن تكون مختلفة في النوع، باعتبار أن "الجنس" أعم من "النوع"، كما هو معروف. ومن جهة أخرى يجب أن نأخذ بعين الاعتبار، الكافي والمتكافئ، الشعوب غير العربية المتعددة من بقايا السكان الأصليين، التي كانت وما تزال موجودة منذ ماقبل الفتح العربي، ما نعتبره إثراءً للثقافة العربية، كما كانت في الماضي. وذلك بعد ان تتمتع هذه الشعوب نفسها بجميع حقوقها الثقافية، إذا وصلت البلدان العربية إلى قدر كافٍ من الديمقراطية، التي يصبو إليها "المشروع النهضوي العربي".
نستخلص من كل ذلك أن الأعرجي لم يكن إيديولوجياً أبداً، لا في هذا البحث المنشور في مجلة المستقبل العربي، ولا في كتاباته السابقة، بل كان إبستمولوجياً علمياً، لذلك نرى أن حكم الناقد عليه بأنه أيديولوجي كان متسرعاً، لأنه لم يكلف نفسه عناء التعرّف إلى كتاباته السابقة أصلاً، ولاسيما القريبة جداً منه، المنشورة في مجلة الدوحة مثلاً.
ثالثاً_ التَرَفُعُ الإيديولوجي وتعثّر الوحدة
ننتقل الآن إلى الرد على التهمة الإضافية الأخطر المترتبة على كون الأعرجي إيديولوجياً، حيث قال الناقد فيها" وربما كان هذا الترفع الأيديولوجي عن حقيقة «الشعب العربي» القائمة، من أسباب تأخر وتعثر وحدته!" .
ويقصد الناقد أن الأعرجي بترفعه الإيديولوجي المترتب على إيمانه بشعب عربي واحد،(وهذا ما فندناه في الفقرة السابقة) شَكَّلَ عقبة في سبيل تعثر الوحدة العربية. وهذا اتهام مُهين ، كنت أتمنى أن لا يطلقه المفكر الأنصاري على كاتب هذه السطور، قبل أن يتعرف عليه وعلى كتاباته، من خلال الأنترنيت على الأقل. بل يبدو أنه لم يقرأ بالتمام حتى الدراسة، التي كانت موضع انتقاده، والتي كتبها الأعرجي في مجلة المستقبل العربي. بدليل أنه لم يطلع على فقرة "التسمية" في الصفحة 136، التي تصرح بعدم تمسك كاتب هذه السطور بتعبير "الشعب العربي"، كما شرحنا في الفقرة ثانيا أعلاه، ما سيوفر عليه عناء النقد، وعلينا عناء الرد الذي سوّدنا فيه عدة صفحات في الفقرتين أعلاه. وبدليل أنه لم يلاحظ أن كاتب هذه السطور أقترح صيغة" الاتحاد العربي" بدلاً من صيغة "الوحدة العربية"، وذلك في نفس الدراسة، مما يدل على أننا نأخذ بنظر الاعتبار حقيقة الدولة القطرية التي ترسخت خلال القرن الماضي، فضلاً عن الاختلافات في بعض مظاهر العقل المجتمعي تبعأ لاختلاف المناطق الجغرافية. ومع ذلك تظلُّ الأسس الرئيسية التي تجمع العرب وتجعلهم يشكلون أمة واحدة قائمة فعلاً وأهمها: اللغة والثقافة والتاريخ/التراث والإقليم والدين كعقيدة/ ثقافة والإشكاليات والطموحات، مما تشكل بالتالي وحدة العقل المجتمعي العربي.
ومن جهة أخرى، أعتقد أن الشرح الوارد في الفقرة الثانية السابقة، يكفي للرد على اتهامي بأنني إيديولوجي، الأمر الذي ينفي تهمة الترفع الإيديولوجي الواردة في هذه الفقرة كذلك.
رابعاً؛الأعرجي بعيد عن مسرح الحدث ومتهم بالخيانة
يقول د.الأنصاري :"وتفاؤل الأستاذ علاء ناجم عن بُعده عن مسرح الأحداث، فمجلة «المستقبل العربي» تقول إنه مقيم في نيويورك، وهذا ما يجعله مثل الفلسطينيين المقيمين بكل راحة، لنقُلْ في كندا، ويريدون تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، أما الذين في «قلب المعركة» فإنهم يتهمونهم بالخيانة وبالتفريط بالقضية، ونرجو ألا يصل الأستاذ علاء إلى هذا الوضع".
وبصرف النظر الآن عن قضية التفاؤل والتشاؤم بالثورة العربية، التي تحتاج إلى بحث مسهب مستقل، يُخرجنا عن ميدان الرد على الناقد المحترم، فإنني سأكتفي بالرد قدر الإمكان على اتهامين خطيرين مستنتجَين من هذا النص:
الأول، إن الأعرجي متفائل لأنه بعيد عن مسرح الأحداث. بعبارة أخرى أن تفاؤله الخاطئ، حسب رأي الناقد، ناتج عن بعده عن مسرح الأحداث. وهكذا فإن هذا الحكم يسري على كل عربي مقيم خارج بلده، إن لم يشمل كل إنسان...!!!
الثاني، أنه متهم بالخيانة ، لأنه يشبه الفلسطينيين الذين يقيمون مرفهين في الخارج، مُفرِّطين بقضيتهم.
وأرد على التهمة الأولى في نقطتين:
1-كيف يمكن الحديث اليوم عن القرب والبعد عن مركز الأحداث، في وقت أصبح فيه العالم قرية صغيرة، ينتقل فيه الخبر (والتعليق والتحليل) بلمح البصر من أقصى الأرض إلى أقصاها؟ فأنا في أمريكا، كغيري من ملايين المغتربين، أستقبل جميع الفضائيات العربية والعالمية، فضلا عن توفر المعلومة على الإنترنيت.
ومن جهة أخرى، هل كل من يعيش خارج البلد لا يحقّ له أن يبدي رأيه في الأحداث الجارية في بلده الأم؟ هل رحيل المواطن عن بلده معناه قطع الصلة بينه وبين بلده الأم؟ أليس من الممكن لهذا الإنسان المغترب- الذي أقام هنا في المهجر، لأسباب مختلفة منها لقمة العيش ومنها الدراسة والتحصيل ومنها اللجوء السياسي أو انعدام حرية البحث والفكر والتعبير في بلاده، أو العمل في المؤسسات الأكاديمية، أو في إحدى المنظمات الدولية(كما في حالة كاتب هذه السطور)، أو غير ذلك، أن يعبر عن رأيه في قضاياه الوطنية والقومية. بل قد يُـقدِّم هذا المغترب مساهمات ربما تكون مفيده لبلده وللعالم أجمع أكثر من كثير من الناس العاديين الذين يعيشون في بلادهم. فلو ظل أحمد زويل قابعاً في بلده، فهل كان له أن ينجز ما أنجزه من اكتشافات علمية عالمية؟ ألم يقدم بعض الفلسطينيين المقيمين في الخارج، من أمثال أدوارد سعيد وهشام شرابي وغيرهما، إنجازات فكرية متميزة ؟ وهل هؤلاء وغيرهم الكثير، هم "خونة" كما يتضمن النصّ، لأنهم هاجروا من ديارهم وكأنهم فرَّطوا بقضيتهم ؟ ألم يقدم محمد أركون، الذي عاش معظم حياته في فرنسا من الإنتاج النقدي العميق، ما يرقى إلى أعلى المستويات؟. كذلك فَعَلَ برهان غليون، ومطاع صفدي وجورج طرابيشي وغيرهم. ألم يقدم حليم بركات أعمالاً فكرية مهمة من بينها مجلد ضخم يبحث في"المجتمع العربي في القرن العشرين"؟ وهناك مئات وربما الألوف من الأساتذة الجامعيين والباحثين والكُتّاب العرب المغتربين الذين يقدمون عطاءت فكرية وأدبية متميزة غالباً.
إذاً من الممكن أن يُبدع المغترب خارج وطنه أكثر مما لو ظلّ فيه، بسبب توفر جو الحرية الفكرية والتنظيمية والإعلامية التي يتمتع بها في معظم البلدان الأوربية والأمريكية مثلاً. وبذلك سيقدم إلى بلده الأم، خدمة تتجاوز ما يمكن أن يقدمه داخل وطنه، حيث يتعرض للضغوط السلطوية والفكرية والاجتماعية، أي ضغوط وممنوعات"العقل المجتمعي" المتخلف؟ ألم يهرب المفكر المجتهد نصر حامد أبو زيد من بلده لاجئاً إلى أوروبا، لأنه استخدم شيئاً من عقله الفاعل لزحزحة بعض مسلّمات "العقل المجتمعي" الإسلامي المتحجرة منذ عدة قرون؟
2-وإذا عدنا إلى الأعرجي، موضع الانتقاد الشديد بل الاتهام غير العادل، في أنه "بعيد عن مسرح الأحداث لأنه يعيش متنعماً في نيويورك" كما يُفهم من نصّ الناقد، فإننا سنحاول أن نثبت أنه كان وما يزال قريباً جداً من قلب الأحداث في المنطقة ، إلى الحدّ الذي تضاعف حِمْلُهُ الثقيل للهمّ العربي، عدة مرات، بعد وصوله لهذا البلد منذ عام 1981. وذلك لعدة أسباب من أهمها، المقارنة المُتّزِنة والمُتوازنة، لأوضاعنا السلبية الكثيرة، والإيجابية القليلة، بأوضاع هذا البلد الأيجابية الكثيرة، والسلبية القليلة. وذلك بعد أنْ دَرَسَ أوضاع هذا البلد واختلط بإهلِه، بل تفاعل، بنشاط وتعمُق، مع المجتمع الغربي، سواء حينما كان يدرس في باريس وهو في مقتبل العمر، أو حين عاش وعمل في مقر الأمم المتحدة في نيويورك في خريف العمر وشتائه.
كما وفرّ له العمل في إطار الأمم المتحدة الرحب علاقات واسعة مع مختلف الأشخاص من مختلف الجنسيات والثقافات، بمن فيهم الدبلوماسيون العرب والأجانب وبعض من موظفي الأمانة العامة الكُثر، ومنهم، بوجه خاص، نُخبة متعلمة و/أو مثقفة، من مختلف أرجاء الوطن العربي، ومن خلال "النادي العربي" في المقر نفسه ، حيث كان ناشطاً بكثافة وتنوع(محاضرات حوارات ندوات شعرية أو فكرية ...).
نعم، فأنا أتناقش مع زملائي العرب ومنهم المصري واللبناني و المغربي والتونسي والليبي والجزائري والسوري والسوداني والفلسطيني... إلخ، في القضايا العربية الساخنة- وما أكثرها-، كما لو كانت قضاينا الوطنية الخاصة. فضلاً عن أننا نتعرض أحياناً لنظريات وأفكار عدد من المفكرين العرب من مختلف أرجاء الوطن العربي، من المحيط(الجابري والعروي)،إلى الخليج(الأنصاري و الوردي)، وبين هذين القطبين عشرات من المفكرين من مختلف البلدان العربية، وكأن هؤلاء جميعاً يتحدثون عن قضية واحدة مشتركة، وعن أزمة عربية تخصنا جميعاً بنفس الدرجة والنوع تقريباً.
يقول الجابري "لم يكن سكان الوطن العربي في أية حقبة من تاريخهم أقرب إلى بعضهم على مستوى اللغة والثقافة، وبالتالي على مستوى الوعي القومي، مما هُمْ عليه اليوم" ..
من جميع هذه الوقائع الماضية والجارية، التي نعتبرها أمثلة بسيطة من الأنشطة المتواضعة التي نمارسها في هذا البلد الكريم، الذي وفر لنا حرية الفكر والنشر والنقد، قد يمكن أن نستنتج أن الأعرجي كان وما يزال قريبا جداً من مسرح الأحداث في الوطن العربي.
شهادة أديب معروف في انخراط الأعرجي في إشكاليات الأمة
وفي سياق تفنيد مقولة الدكتور الأنصاري في أن الأعرجي بعيد عن مسرح الأحداث، نورد شهادة أديب كبير يعيش في القاهرة، هو الأستاذ جمال الغيطاني، رئيس تحرير "أخبار الأدب" الأسبوعية القاهرية سابقاً:
" التقيت المفكر العربي علاء الأعرجي في نيويورك، رافقته طويلا في المدينة التي يعرفها جيداً بعد أن أمضي فيها أكثر من ثلاثين عاماً منذ خروجه من العراق، طوال الساعات الطويلة التي أمضيتها بصحبته، لم نكف عن النقاش. الحديث حول ما يشغله دائماً وأبداً، أزمة التطور الحضاري للأمة العربية، هذه القضية محور حياته، وشاغله الأكبر، حتي بدا لي جسداً يعيش في نيويورك، وقلباً وروحاً يهيم هناك في المنطقة التي نعيش فيها وتحتدم بالمشاكل والصراعات والظروف المحيطة التي تؤدي إلي تجميد التطور الطبيعي".
الرد على التهمة الثانية بأن الأعرجي متهم بالخيانة، كما يلي:
1-ننتقل إلى التهمة الأخطر وهي أن كاتب هذه السطور يشبه الفلسطينيين الذين يعيشون متنعمين في الخارج، والذين يدعون إلى تحرير بلدهم، من البحر إلى النهر، ويضيف: "أما الذين في «قلب المعركة» فإنهم يتهمونهم بالخيانة وبالتفريط بالقضية، ونرجو ألا يصل الأستاذ علاء إلى هذا الوضع". والمعنى الواضح لهذه العبارة ، هو ما دام الأعرجي يشبه هؤلاء الفلسطينين فهو متهم أيضاً بالخيانة لأنه يعيش مُنَعَّمَاً في نيويورك ويأتي ليطرح مشروعا طوباويا،(بنظر الناقد) كمشروع "الجامعة الشعبية العربية". وهذا مفهوم من قول الناقد إنَّ الأعرجي يشبه الفلسطينيين ... إلخ، دون أن يرد الناقد على من يتهم الفلسطينيين في الخارج بالخيانة. فمعروف أن الكاتب إذا نقل رأياً معيناً من آخر فمعنى ذلك أنه موافق عليه تماماً، إذا لم ينتقده أو يفنده أو يتحفظ عليه.
وطبعا فإن هذا الحكم بالخيانة لايسري على الأعرجي وحده بل على جميع العرب المغتربين الذين أصبحوا يُعدون بعدة ملايين.
2-ولئن أدركَ الناقدُ المحترم شدة هذا الاتهام وخطورته، وأراد أن يخفف من قساوته ، تَفَضَّلَ فنصح كاتب هذه السطور، بأن وجه إليه {رجاءً} يدعوه فيه{"ألّا يصل إلى هذا الوضع"}. يقصد {الوضع المزري الناتج عن هذه التهمة الخطيرة بل الخطرة}. وأكرر ما قاله نصاً " ونرجو ألا يصل الأستاذ علاء إلى هذا الوضع". ولكنه بهذا الرجاء زاد الطين بِــلَّـة .
3-فكيف للمتهم بالخيانة أن لا يصل إلى الوضع الذي ينفي عنه هذه التهمة، بموجب هذا النص ؟ الجواب المنطقي والعملي عن هذا السؤال، لا يمكن أن يكون إلا كما يلي:إن عليه إما أن لا يتفاءل بهذا الربيع العربي، و/أو أن يعود إلى بلده ليفهم الوضع وهو في قلب الحدث. وذلك مستنتج، من قول الناقد المحترم في بداية الفقرة مايلي" وتفاؤل الأستاذ علاء ناجم عن بُعده عن مسرح الأحداث". ولزيادة توضيح المقصود بهذه العبارة أقول: ما دام الأعرجي بعيداً عن مسرح الأحداث الذي أدى به إلى التفاؤل بالربيع العربي، ونظراً لأنه متهم بالخيانة لأنه يعيش مرفهاً في نيويورك، ومع ذلك فأنه يطرح مثل هذا المشروع، وبناءً على الرجاء الذي وجهه إليه الانصاري بـ"أن لا يصل إلى هذا الوضع"، فإن الطريقة الوحيدة لخلاصه من هذا الوضع هو إما أن لا يتفاءل بالربيع العربي، و/أو يعود إلى بلده لأجل أن يتفهم الأوضاع الجارية التي ستجعله متشائماً، كما سيتخلص من تهمة الخيانة.
ومع أنني أشكَّ في أن الدكتور الأنصاري يقصد الوصول إلى هذا المعنى، ولكنني لا يمكن أن أحاسبه إلّا على ماهو ظاهر وملموس من فحوى نصه ومعناه المضمر أو الواضح، وأصرف النظر عن النيات الحسنة أو غير الحسنة القابعة في قلب الشاعر. لاسيما لأن القارئ العادي سيفهم من هذا النص كما شرحته، وسيحكم على كاتب هذه السطور بنفس هذه الأحكام. لاسيما، وأن الناقد يتمتع بمكانة مرموقة، في الوسط الفكري العربي.
خامساً؛ رداً على مقولة الناقد بخفوت فكرة العروبة
يقول الناقد "إن الدعوة إلى جامعة بديلة عن جامعة الدول العربية رغم أن بريطانيا دعمت إنشاءها ـ في فترة خفوت فكرة العروبة ليست بالدعوة التي تثير الحماس"، فأقول:
1-نحن لم نقل أن هذه الجامعة ستحل محل جامعة الدول العربية القائمة، بل نرى أنها تعمل إلى جانبها. ومن المتوقع، إذا تشكلت هذه الجامعة بالشكل الدقيق الذي رسمناه في ورقة العمل، بدون أن تتسلل إليها عناصر هدّامة، أن تتخذ قرارات أكثر تقحُّماً وحسْماً، لإنها ستمثل الملايين من المنتسبين إليها من اعضاء النقابات العمالية واتحادات ذوي المهن من المحامين والمهندسين والأطباء والجامعين ...إلخ،كما فصلّنا في ورقة العمل. ويجب أن لا ننسى أن الجماهير العربية فقدت ثقتها تماماً بجامعة الدول العربية التي فشلت في تحقيق أدنى طموحات الأمة، بل لم تعالج أياً من مشاكلها وأزماتها. ولا نعجب من ذلك، لأنها كانت وما تزال تمثل، في معظمها، الأنظمة العربية التي لم تصل إلى الحكم بشرعية شعبية. لذلك فهي تعتمد على قوى "الآخر"، التي ساعدتها في الوصول إلى السلطة، لحمايتها داخلياً وخارجياً. لذلك من الطبيعي أن تمتثل لأوامـِر ونواهي هذا الآخر عند اتخاذها قراراتها.
2-لا اتفق مع الناقد في قوله بـ"خفوت فكرة العروبة". فنحن نرى أن اشتعال هذه الثورات، وانتشارها في مختلف البلدان العربية بهذه السرعة وهذا الشمول، يدل على أن فكرة العروبة متجذرة في نفوس جماهير الأمة.
يقول غريغوري غوز الثالث(Grgory Gause III، أستاذ العلوم السياسية في جامعة فيرمونت الأمريكية، : "حدث في العام 2011، وبعد شهر واحد من قيام بائع فاكهة في تونس بإضرام النار في نفسه، أن غمرت الثورات العالم العربي. وإذا كان ثمة شكوك في أن العرب يحتفظون بحسِّ هوية سياسية مشتركة، رغم كونهم في عشرين دولة مختلفة، فإن أحداث هذا العام تبددها". ويردف قائلاً:"كان ينبغي ألا تفاجئ هذه المشاعر العربية القوية جماعة الأكاديميين؛ فكثير من العمل في الشؤون السياسية العربية قد ركز، في الأجيال السابقة، على القومية العربية والعروبة ، وقدرة الزعماء العرب على حشد التأييد السياسي عبر حدود الدولة بناء على فكرة أن العرب أجمعين يتشاطرون هوية وقدراً سياسيين مشتركين. ورغم ذلك افترض كثيرون منّا، أن ما كانت الهوية العربية تتمتع به من إغراء عابر للحدود قد انحسر في الأعوام الأخيرة، وخصوصاً عقب هزيمة العرب في حرب 1967 مع إسرائيل... واعتقدَ معظم دارسي الشرق الأوسط أن العروبة راحت في سبات عميق. ومن هنا فإنهم أغفلوا الموجة الشعبية المتصاعدة في العام 2011." ثم يقول في سياق أخر:"لابد للأكاديميين من تقييم أهمية الهوية العربية المسترَدة لفهم مستقبل السياسة في الشرق الأوسط؛ فالعروبة الجديدة مغايرة لسابقتها في أنها لا تتحدى الخريطة الإقليمية كما يبدو؛ إذ إن العرب لا يسيرون في تظاهرات بهدف تذويب دولهم في كيان عربي واحد."
أي أنه يرى بحق أن العرب لا يطالبون اليوم بدولة عربية موحدة. لذلك اقترحنا في نفس المقالة المنقودة إبدال تعبير "الوحدة العربية"، الوارد في المشروع النهضوي العربي، بتعبير "الاتحاد العربي." فنحن نتفق مع عدد من المفكرين العرب، مثل الجابري وبلقزيز، أن الدولة القطرية أصبحت حقيقة واقعة يصعب بل ربما يستحيل تجاوزها، لاسيما في الظروف العربية والدولية الراهنة.
ويردف البروفسور غوز قائلاً:"إن الثورات العربية أظهرت أن ما يجري في دولة عربية واحدة يمكن أن يؤثر في دول عربية أخرى بطرق قوية وغير متوقعة. وفي النتيجة، لم يَعُدْ في وِسع الدارسين وصناع السياسة تناول البلدان(العربية) على أساس كل بلد على حدة. وستجد الولايات المتحدة مشقة في دعم الديمقراطية في بلد عربي كمصر في الوقت الذي تقف في صف بلدان أخرى حليفة كالبحرين، فيما هي تسحق احتجاجات ديمقراطية سلمية".
وفي دراسة تبحث في"الخصائص العروبية للثورات العربية"، ورد ما يلي: "أن دليلنا الأول على تلك الخصائص، هو أن هذه الثورة قد انتشرت بسرعة قياسية في مختلف أرجاء الوطن العربي، وكأن الدول العربية حزمة مشدودة بعضها إلى البعض الآخر بخيوط مَتينة، حاكتها أنامل اللغة والتراث والثقافة والهموم والتطلعات؛ تلك الحزمة تحتوي على22عوداً،(قد تختلف طولاً وحجماً وشكلاً)، أشعلَ البوعزيزي أحدها(تونس)،(17/12/2010 – 14/1/ 2011). فامتدت النار إلى عدد من الأعواد الملاصقة ثم المجاورة (مصر 25/ 1، ثم اليمن 11/2 فالبحرين 14/2، فليبيا 17/2 فسورية 15/3، وكلها في الأشهر الثلاث الأولى من عام2011 ). بل أن دبيب النار (لهيبها أوحممها أو شررها أوحرارتها) انتشر بسرعة في جميع أرجاء الوطن العربي، تقريباً، بزخم ضعيف أو كثيف، حسب الأحوال والظروف، فغطى الأردن والجزائر وجيبوتي والسعودية والسودان والعراق وعُمان وفلسطين والكويت
ولا يعني فشل الأنظمة العربية التي رفعت شعار القومية العربية في سياساتها بوجه عام، إلّا فشل النظام الشمولي الاستبدادي الفاسد، مهما كانت شعاراته.
* * *
وختاماً أتيمن ببيان المؤتمر القومي العربي الأول، في العام 1990، الذي أرى أنه يبرر، في معناه ومغزاه، مشروع الجامعة الشعبية العربية ويعقلنه، بل يُحتِّمه، إذ ورد فيه:
"إذا كانت سنوات الهزيمة والخيبة والضياع قد أفقدت المواطن العربي ثقته بالأنظمة والمنظمات، فلا بد من عودته بذاته إلى ساحة النضال ليبني المؤسسات المحققة لآماله.إنَّ الغد يصنعه أهله، ولا يأتي جاهزاً كمنحة من حاكم، أو متحكم، أو هِبة من أجنبي. إنَّ حاضرنا بائس، فلننقذ مستقبل أجيالنا القادمة".
--------------------
32- الأعرجي،"الخصائص العروبية للثورات العربية"، دراسة معدة للنشر.
1446 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع