مثنى عبيدة
يحلم الأنسان دوماً نحو الأفضل لذا نراه ينشد التغير الذي يَعبرُ به نحو شاطىء الأمان وتحسين مستواه على كل الصعد ويسعى في سبيل ذلك بكل ما أوتي من قوة وعزيمة مستنداً الى روح وثابة يحركها الأيمان والأمل والعمل .. نجد ُ هذه الأرداة البشرية تتجسد أيضاً في المجتمعات التي تبغي الأنعتاق من حالة الخمول والذل والضعف والهوان حتى ولو بعد حين ..
ترزح المجتمعات وخصوصاً في العالم النامي تحت وطأة الحكم المتسلط على الرقاب والذي يحاول بكل الوسائل القمعية والوحشية وكذلك الإعلامية المخادعة المزيفة للحقيقة يسعى هذا النظام الى بسط نفوذه بالقهر والزيف على أبناء المجتمع مستغلاً كل موارد الدولة والبلد من أجل إذلال المواطنين وتسخيرهم لخدمته وربط مصير البلد بمصيره ..
يوم سعت الشعوب والأفراد الى غايتها النبيلة في الحرية وتغير إنظمة الحكم الفاشلة وإمتلأت الميادين والشوارع بالشباب والشيب من كل إفراد المجتمع حينها تأكد للطغاة بإن سيوفهم المرفعة والعصا الغليظة المخبئة والظاهرة وإعلامهم الخائب لم تعد تجدي نفعاً مع هدير الحق والعدل والحرية . لذا تنازل من تنازل وهرب من هرب وقتل من قتل وأستبد وتشبث من تشبث من هؤلاء المجرمين القتلة ولكن
هنا نقف وقفة تستحق التأمل والسؤال هل حدث التغير المنشود المؤمل به والذي حلمنا به وسعينا له طوال أعمارنا وأعمار من سبقنا بالصورة المطلوبة ؟
الحقيقة المرة علينا أن نتقبلها ونعترف بها ونعلنها لكي نتعلم ونستفيد ونفهم ماذا جرى ولماذ جرى ؟
نعم سقط رئيس النظام الحاكم وتدحرج من كرسيه والبعض يصوره شهيدا والبعض الأخر يقدمه قديساً غادر الرئاسة دراءً للفتنة وحقناً للدماء وبعضهم تشفى وشفى غليله منه وبعضهم لم يترك له عظاماً تدفن وهكذا جرت الأمور وسط هرج ومرج وسط عودة لصور القتل والدمار التي كنا نحلم بمغادرتها وأذا بالبعض يعيد إنتاج كل وسائل القهر التي أستخدمها نفس الطغاة المثار عليهم والذين من المؤكد قد فرحوا في داخل إنفسهم بإنهم نجحوا في تغير جزء من المجتمع وتنمية مشاعر الكره والحقد والضغينة في نفوس هؤلاء .. ولكن ماذا بعد ذلك .. خرج الرئيس ولكن ...هل خرجت أفكاره وأساليبه معه وهل كان الرئيس فرداً يحكم أم أسلوب عمل ونهج ٍ سار عليه من سار حتى تفوق على الرئيس نفسه في تنفيذ رؤية الأنتقام والفساد والرشوة وحلب الشعب والوطن تحت شعارات وإيدلوجية تتغير حسب الطلب من قومية الى شيوعية الى إمبرالية الى دينية الى علمانية وهكذا هم جاهزون حسب الطلب ..
نعم التغير لم يحصل للأسف الشديد بالصورة التي من أجلها ضحت الأجيال المتعاقبة ذلك لإن الجماهير ودعاة التغير لم يلتفتوا الى ما وراء الرئيس الى رجاله وأدواته وأساليبه الى الدولة العميقة التي إنشئها طوال حكمه وحكم من قبله من الطغاة وهنا كانت الطامة الكبرى التي أصابت الحلم في مقتل ..
حيث تحركت الجيوش المجيشة من رجال الأمن والعسكر والإعلام تحرك الفاسدون والمفسدون تحرك الراشون والمرتشون تحرك السماسرة وتجار الحروب كل ٌ حسب ساحته وملعبه وقالوا لن ندع طريق الأصلاح والتغير يمر مهما كان الثمن وفعلاً بدأت اللعبة القذرة تشبك خيوطها وبدأت عملية تغير الأدوار تنسج حبالها حول المصلحون الجدد وقادة البلد حديثي العهد بالحكم .
هكذا رأينا من كان يقضي كل وقته في الملاهي والمراقص والخمارات أصبح يلبس الثياب القصيرة والسبحة بيديه وسجادة الصلاة في مكتبها والخواتم في أصابعه والعمائم البيضاء والسوداء فوق الرأس وإستبدل نغمة الهاتف من الاغاني الى الأذان وبدلاً من حلق اللحية في الليل والنهار أمسى يطلق لحيته وحينما يسأله رفاق الأمس يجيب لزوم الشغل والهيئة الجديدة .. رأيناه يتقدم الصفوف للصلاة خلف القيادة الجديدة حتى يوهمها أنه من أهل التقوى والصلاح وأهل ٌ للمسؤولية والأمانة ..
ترى الإعلامي الفاسد وممثلة إلاغراء يظهرون في مكة المكرمة لإداء العمرة والحج وذبح الذبائح للفقراء والمساكين ، أما المقاول الفاسد المرتشي فقد ظهر وهو يضع حجر الأساس لإبناء مسجدٍ لإبناء الحي ..
أما الطبقة السياسية السابقة فمنهم من هرب ومعه أموال البلد ومنهم من بقي متوارياً يتحين الفرصة ومنهم من دخل السجن وتصورنا إننا تخلصنا منهم في القضاء العادل وما ندري بإنه لا يوجد قضاء عادل في فضاءٍ فاسدٍ تحت ظل حكم مستبد
وفعلاً خرج المجرم الفاسد من سجنه معززاً مكرماً بل إنه ذاهب الى الترشح للأنتخابات وربما نراه الرئيس القادم .. هكذا خرج اللصوص من أوكارهم لكي يكسروا ويطفئوا مشاعل الحرية في البلد ..
نعم لقد تغيرالرئيس ولكن أيضاً تغيرت الأدوار لرجال الرئيس وعهده المباد
لقد أستغلوا وبإبشع صورة وأقذر وسيلة طيبة وسماحة الشعوب والأفراد الذين سعوا للإصلاح دون إراقة الدماء وإقامة المشانق والزج بالسجون في محاولة من الشرفاء لفتح صفحة جديدة وبناء وطن ٍ يقوم على التسامح والعدل والمساواة وإحترام كرامة الإنسان ..
نعم تبدل المشهد وأضحى المخلصون خلف القضبان ومشردون هائمون على وجوههم ومن بقي منهم مطارد في وطنه خائف ُ في بيتهم ، قتل منهم من قتل وهتكت الحرمات وإستبيحت الاعراض والمحرمات في أسوء صفحة من صفحات التاريخ التي ستكتب أسماء المجرمين وأفعالهم وتصرفاتهم يوم ضنوا إنهم سادوا وما علموا إن نفس الصفحة التاريخية ستكتب ُ أنهم بادوا بإذن الله ..
نعم ربما أنتكس علم الحرية والتغير وأصيب إصابة قاتلة غادرة لكن الشيء الذي لم يعلمه أو يتعلمه الطغاة الجدد بإن الشعوب الحية والمخلصون الحقيقون للوطن وللفكرة والمبدأ باقون باقون حتى لو قتلوا جميعاً لإنهم تركوا من خلفهم أجيال تنشد ُ الحرية والعدل والمساواة ، أجيال ستأتي وتعقبها أجيال ومثلما يسلم الطغاة معاول الهدم لبعضهم البعض سيسلم الشرفاء مشاعل الحرية لبعضهم البعض .. وحينها سنقول ان التغير حصل وأن الأدوار تبدلت وتغيرت ..
لن ينهزم الصلاح والعمل الصالح وحب الوطن والمواطن .. أمام بائعي الهوى وفرق التطبيل الإعلامي والبهرجة الزائفة والقوة الغاشمة ..
نعم لن ينهزم الحلم ُ ولن يــُفتقد الأمل ولن يبطل العمل وأن طال الزمن ..
نعم لن يستسلم الشرفاء أمام السفهاء
هكذا عرفنا التاريخ وهكذا يعلمنا الحاضر .. وهكذا سيثبت المستقبل بإذن الله تعالى
ملاحظة هامة جداً
هذه الصور نجدها في كل مفاصل العمل والحياة سواءً كنا أفراداً أو مجتمعات
607 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع