سعاد الورفلي*
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
هرم مسطح
اللحظات التي تغتالنا لنغيب وقتا غير طويل في تهويماتها هي براح متسع القاعدة يضيق شيئا فشيئا حتى يتسع عند الرأس
بعض الطرق التي نفكر بها متعرجة ملتوية مستعصية ، نتحدث فلا نوفق لإيصال ما نرومه للمتلقي ، فعندما يكون للaهرم قاعدة ورأس فذلك أمر طبيعي، لكن عندما يكون للهرم قاعدة وقاعدة ، فهذا أمر ليس طبيعيا!
الحياة التي نعيشها تلتف بنا ليست لنا وحدنا ففي زماننا هذا ما تراه أنت هرما ،، يراه غيرك مثلثا حاد الزوايا ،وغيره يراه كتلة مخروطية الشكل ، قد يفاجئك أحد ما ليقول بكل يسر دون فلسفة إن هذا الشكل مربع متداخل الأضلاع،،
العم بكوش ليس أخرسا لكنه وجد نفسه على سطح الدنيا باسم "بكوش" ولا يتذكر سوى أنه كان يسرق الحلوى الطحينية من والدته عندما تغفل عنه ،، وهذا في مراحل طفولته الأولى أما المرحلة الثانية لحياته لا تعقبها ثالثة لأنها تسلسل على وتيرة واحدة بعمر واحد ،، حرم من المدارس بينما كان يشاهدهم –أقرانه- وهم عائدون يحملون بين أيديهم كراسات يتظاهرون بشكل فيه غطرسة فقط عندما يمرون من أمام" بكوش" حيث والداتهم يتحدثن عن الولد الغبي ذلك الذي لم يتعلم كلما أظلم الليل أو فكر أحد الأغبياء بترك المدرسة، كان البكوش أسعدهم غير أن ما يحز في قلبه سبب عدم دخوله للمدرسة ......
تلته المرحلة الثانية ومرت الحياة بعبقها ومتاعبها حنظلها وتفاحها...كبر "المجدع" بكوش...أضيف نعت آخر للبكوش عندما جدّعه جده حينما أصيب "بالقوب" فلم ينبت شعره منذ ذلك الحين إلا مجدّعا على هيئة خرائط الدلاع. ..صار صاحب عطارة وبقالة...تفنن في علوم الطب الشعبي ..وصار طبيب القرية الذي تعترف به النساء قبل الرجال ويصدقه المريض مكذبا الطبيب الحقيقي.....
ومما أثلج صدر البكوش أن كل الأولاد الذين اغتاظ منهم عندما استهزؤوا بجهله يترددون علي بقالته سائلين عن علاج العنّة... وعلاج الحزاز....!! ...
عكف على عصْر بعض النباتات ساهرا الليالي مكلفا نفسه عناء تسلق الجبال والهضاب باحثا عن أسرار النباتات و الزهور التي تنبت مختفية عن البشر تحت الصخور ،،تساءل عن تخفي ورغبة تلك الزهور في الاستنبات تحت الصخور الضخمة ...بات الليالي مفكرا في السر.. السر ...
عكف على دراسة السر واستنباطه باستعصار الزهور وإخفاء بذورها ووريقاتها..جرب في الموسم زراعتها في بيته تحت الصخور..مرت شهور وتلاحمت الصخور ولم تنبت الزهرة .. جمع بذورها ثانية وذهب لسطح الهرم هناك حيث منعرج الظل المحادي للشمس...وبذرها..لم يمرر أسبوعان حتى ابيضت وتفتقت وتناسلت .. فقِه السر واحتفظ به..
صار الطبيب المعالج..الملياردير العم بكوش المجدّع.....
من يستطيع الحصول على جواز مرور للدخول عليه فذلك هو المحظوظ
توسعت أسهمه ..وتناسلت شركات أدويته الشعبية وماتسمى بالدواء البديل.... صار لديه مدير مالي ومنتج ومترجم وقناة فضائية وموقع وصفحة على الفيسبوك.....
العم بكوش يأتي كل جمعة يرتدي طاقية بيضاء وقمصيا عربيا ليزور بيته الشعبي ويقرأ الفاتحة على روح جده الذي رباه وحرمه من المدرسة ليسرحه مع الأغنام والمواشي والبراري..، يدعو بعمق ويذكر أسماء كثيرة ...ثم يذهب للمدرسة الجنوبية القديمة المتهالكة يجلس أمامها مسترجعا ذكريات طفولته حينما كان يتمنى لو يدخل ساحتها ويلعب الطابة مع الأولاد -حينها - ويملك كراسة بيضاء وسطها مربعات كثيرة تشبه تلك الجذور اللوغريتمية التي يفكك سرها حينما يبدأ استعمار الزهور...
قام بعد نوبة ذكريات طويلة ليتصل بمدير حساباته طالبا مقاولا ومهندسين لإعادة بناء المدرسة الجنوبية ..بعد فترة من زمن صارت مدرسة "البكوش المجدع" .
_________
*كاتبة وقاصة من ليبيا
477 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع