زينب حفني
هل حققت المرأة بالفعل أحلامها التي تتطلّع إليها مع مظاهر التقدّم التي عمَّت أغلبية مجتمعات العالم اليوم؟! هل العصر الحالي بكل مغرياته الحياتيّة، كان نعمة على المرأة أم نقمة؟ هل نالت المرأة حقوقها كافة كما يتم الترويج لذلك في وسائل الإعلام المختلفة، أم هو نوع من الأدوية المسكّنة للجم الأصوات النسائيّة الواعية قوية النبرات؟
الذي ينظر بعين مُحايدة، يرى أن المرأة أوضاعها الحالية مُزرية وفي تقهقر مستمر، وهذا يعود إلى الحروب التي اندلعت في بقاع مختلفة من العالم، إضافة إلى الأوضاع الاقتصاديّة المتردّية التي لحقت ببلدان كثيرة نتيجة ارتفاع نسب البطالة التي أسهمت في تفاقم الفقر وتدنّي الرعاية الصحيّة، وغالباً ما يكون النساء والأطفال ضحاياها الأوائل.
منذ أيام قليلة أحيا العالم في الخامس والعشرين من شهر مارس المنصرم، ذكرى ضحايا الرق وتجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، وقد جاءت احتفاليّة هذا العام حاملة شعار «النساء والرق» لتذكير الناس بالضحايا من النساء اللائي تمَّ استعبادهنَّ وتعرّضنَ للاغتصاب المهين والمتاجرة بأجسادهنَّ لجنسهن ولون بشرتهن.
كانت الأمم المتحدة قد قامت تزامناً مع هذه الاحتفاليّة، بتشييد نصب تذكاري في ساحة الزوّار في مقرّها بنيويورك، يحمل مسمّى (سفينة العودة). وقد أرادت المنظمة من وراء ذلك، حث المؤسسات التعليميّة والبرامج التعليميّة على توعية الشباب الصاعد بأخطار الرق، وإظهار النتائج المدمّرة التي صاحبت تجارة الرقيق في الماضي.
هل يكفي أن تتعرّف الأجيال الجديدة إلى تاريخ الرق وقراءة سطوره المؤلمة وعلى الأخص فيما يتعلّق بالرقيق من النساء؟ هل سيكون له مردود إيجابي في المستقبل على فكر الشباب؟ لا أعرف حقيقة! ولكنني أرى أن توعية النشء الجديد بما عانته المرأة على مدى عصور طويلة، ليس إلا قطرة بسيطة في محيط عميق! وإذا أردنا إنقاذ المرأة من الغرق وحمايتها من قطّاع الطرق، أن نقضي أولاً على العوامل التي أدّت إلى تدهور أوضاعها، وعلى الأخص في بلدان العالم الثالث! فالرق أصبح له صور وأوجه أكثر خطورة، ويسلك طرقاً متطورة، فالإنترنت أصبح يُمثل قوّة لا يستهان بها في الترويج لتجارة الرقيق الأبيض والمتاجرة بالأطفال. وأصبحت هناك شبكات مافيا لكل هذه الأنواع من السخرة، وللأسف تتم في الأغلب تحت أسماء مستعارة للإيقاع بالأطفال والمراهقات والنساء اللائي يبحثن عن مورد معيشي هرباً من سعير الحرب في أوطانهنَّ، وكي يُوفرنَّ لقمة عيش كريمة لهنَّ ولأسرهنَّ.
في عدد من بلداننا العربيّة، ما زالت ظاهرة زواج القاصرات تلقى رواجاً في بعض مجتمعاتنا، مع أنها نوع من أنواع الرق المبطن المفضي إلى الموت! التجنيد الإجباري للأطفال في البلاد التي تُعاني صراعات طائفيّة وعرقيّة ومذهبيّة، نوع من الرق المفضي إلى الموت كذلك! بيع الأعضاء غدت تجارة مضمونة، وقد شهدت بعض البلدان بالآونة الأخيرة حوادث خطف لأطفال، على أيدي عصابات دوليّة حيث يتم قتلهم واستئصال أعضائهم دون أن يتم القبض على الفاعلين!
لا أُنكر أن المرأة حققت إنجازات رائعة بالعقود الأخيرة، لكن على الجانب الآخر ما زالت المرأة عالقة في براثن العنف، وتُعاني السخرة المقيتة بمختلف أنواعها! وإذا عجزت المرأة عن التصفيق بيد واحدة، فعلى المجتمع الدولي أن يُصفق معها، كي تُحقق المرأة ما تصبو إليه من أمان واستقرار.
صحيح الرق بصوره التقليديّة قد اختفى من معظم أرجاء العالم، لكن ظهرت له أنياب حادة بأشكال جديدة، وأول جسد غرست فيه أظافرها كان جسد المرأة! تظلُّ المرأة القوية المستقلة بذاتها هي سرُّ تحضّر المجتمعات، ومن دونها تنهار سقوفها على رؤوس أبنائها!
1044 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع