د. ضرغام الدباغ *
هكذا طرح الأمر في ندوة تلفازية بصيغة سؤال، مع أن الجواب ملحق به تلقائياً.........!
هناك مشروع كبير للأستيلاء على الوطن العربي، يقوده وينفذه جهات عديدة، الضالعون فيه مقاولون رئيسيون ومقاولون ثانويون، وكسبة ومرتزقة وهذا ديدن التاريخ، فهناك دائماً من ينوح أو يمدح بأجر. وهذا الأمر يدور منذ أكثر من عقد من السنوات. يتوزعون الأدوار بمهارة عالية جداً، البعض تدفعه الخفة دون حساب ردود الفعل، فيتمادى فيفجر بيتاً هنا، وينبش قبراً هناك، كما يفعل الغوغاء دائماً وأبداً ويحاول بعض آخر أن يخفي دوره، ولكن في النهاية كل شيئ ظاهر.
المعركة في صفحتها الحالية التي ابتدأت منذ احتلال العراق، وكانت قبلها صفحات تمهيدية، مشروع ينطوي بالدرجة الرئيسية على تأمين الصهاينة، وإفشال المشروع النهضوي العربي، والصفحات اللاحقة إنما هي صفحات تكتيكية متممة تخدم الهدف الاستراتيجي الرئيسي.
إذا فهمنا الأمر بهذا الشكل، تدور معارك في إطار هذا المشروع الكبير بعضها يبدو حاسماً في لحظته، ولكن النتيجة الحاسمة لا تكمن في هذه الموقعة أو تلك. ففي موقعة القصير في معارك الثورة السورية مثلاً، أعتقد البعض أنه إذا كسبها قد كسب المعركة، ومثلها معارك بابا عمر في حمص، وفي يوم كان المؤامرة على البحرين قد اكتملت، ولاح للبعض من قصار الرؤية أن الأمر قد غدا مضموناً ومؤمناً، وأن المنامة صارت في جيبه، وما هي إلا ساعات إلا ونكون قد كسبنا المعركة.
ولمن يعرف التاريخ جيداً، يعرف أن الثورة ونتائجها النهائية ليست جدولاً كرونولوجياً، بل أن تاريخ المعارك الكبرى لا تحددها معركة حاسمة نهائية واحدة، بل أن النصر النهائي وعناصره تمثله مجموعة كبيرة من التفاعلات، البعض منها إنساني وثقافي، وسياسي اجتماعي، ونضالي، والقليل منها تلك المعارك التي يقودها جنرالات محترفون، بل هي حرب يعتمد فيها الشعب على قواه الذاتية، تبدأ من الريف، مخزن الثورة الاستراتيجي، ثم تتغلغل إلى القصبات والمدن الصغيرة، وبالعكس المدن الكبيرة بما تمثل من مشكلات إدارية تحتاج حلول يومية، فالحرب الثورية هي حرب كر وفر، يلحق فيها الثوار جيش الدولة بالخسائر المادية والمعنوية، وأول تلك هي بلوغه درجة الإفلاس السياسي التام، ولا يتعدى الأمر سوى عن برامج قتل وتصفيات طائفية، تفتقر برامجه إلى أي مشروع وطني أو اجتماعي، يستحق التضحية، إلى أن يبلغ النظام درجة العجز، فينقلب جيش الدولة إلى رعاع وإلى مجاميع تطلق صيحات هستيرية، ولا تجيد إلا القتل غدراً، والحرق والنهب والسلب والغنائم، وارتكاب الأعمال المشينة.
إن الثورة العراقية تواجه اليوم معسكراً واسعاً يمتد من الولايات المتحدة مروراً بإسرائيل، وطهران، ويحشدون حشودهم على أسس طائفية، لا وطنية ولا قومية ولا تقدمية، والطرف الرئيسي في هذه الجبهة اليوم في العراق هي خلطة من غوغاء إيران، وتكنيك الغرب، حشد يقدر بين 50 ــ 80 ألف مقاتل من جيش وشرطة و52 ميليشيا، وطيران التحالف، يزودون يومياً بتيار لا ينضب من الأسلحة الحديثة الفتاكة، فليس من المعقول أن يصدهم عشرات من المقاتلين(80 ـ 110 مقاتل)، لذلك من المنطقي أن تنشب المعارك في مكان آخر.
إن اتهام الثورة العراقية وهي تتكون من فصائل عديدة، معظمها قومي الاتجاه، ووطني وتقدمي، وهناك من يتواجد في الساحة، يجتذب الأضواء وعدسات التصوير، لذلك اتهامها فإن بالإرهاب إنما هو اختصار غير مقبول لحالة كبيرة تمثل هدفاً جماعياً، يتمثل أساساً برفض الاحتلال ونتائجه، ويهدف إلى إقامة حكم وطني ديمقراطي يتيح الحياة والعمل والحقوق المدنية والسياسية لكافة العراقيين، واستعادة الاستقلال العراق، وإعادة إعماره وطناً حراً بعيداً عن الطائفية والمحاصصة والتهميش والإقصاء، فالثورة اليوم قد غدت ساحة عراقية وعربية واسعة الأرجاء، واتخذت أبعاداً جديداً ودخلت مرحلة تتميز بمميزات غير تلك التي قامت عليه في اليوم التالي لاحتلال بغداد، كما تميزت بمرحلة جديدة بعد خروج الأمريكان الرسمي، وتحددا منحتها معركة تكريت بعدأً استراتيجياً جديداً.
إن الأبعاد الحقيقية لمعركة العراق اليوم هي تتردد في الساحات السورية، واليمنية، واللبنانية، وفي كل أرجاء العراق، من شماله حتى جنوبه، ولكل ساحة عراقية أو عربية من المحيط حتى الخليج، خصائصها، إلا أنها تلتقي في مطلب واحد هو إقصاء وطرد كل القوى الأجنبية التي تسببت بكل هذا الخراب والدمار، فهذه الأرض عربية ولا تريد القوى الأجنبية، وآن لهذه العربدة الفارسية الصفوية أن تنتهي.
هي معركة الأمة العربية بأسرها، تدافع عن كيانها، عن وجودها، عن منجزاتها، عن حضارتها، ضد توسع جاهلي صفوي غيبي، وستنتصر هذه الأمة، معركة يريدها الأعداء أن تكون طائفية ليلتهموا كل مكون على انفراد، ونحن نقول أنها معركة فارسية / عربية، إنها كذلك بأمتياز، فالشيعة العراقيون عراقيون عرب مخلصون لعراقيتهم وعروبتهم، بل هم يقودون الحركة الوطنية والقومية والتقدمية.
ماذا بعد تكريت ؟ ...
بعد تكريت حمص، وبعد حمص تعز، وبعد تعز الأنبار، وبعد الأنبار الموصل، وبعد الموصل حماة، وبعد حماة الحديدة، والأهواز، وبعدها دمشق، وبيروت، ثم إلى كل ساحة تسلل إليها جراثيم الحقد الصفوي ... حتى يلفظ هذا المشروع التوسعي الجرثومي القائم على القتل والتدمير أنفاسه الأخيرة في ساحة من هذه الساحات، أو جميعها. هي معركة تخوضها الأمة العربية بأسرها دفاعاً عن نفسها وعن كيانها.
قوى التحالف الثلاثي(إيران ـ إسرائيل ـ أميركا) لم تبق حرمة، أو عاراً لم ترتكبه، هدم الجوامع وحرق ونسف البيوت والحرث والنسل، وأبادة المواشي، وجرف الأرض، ومارس التطهير العرقي والطائفي، نبش القبور، هتك الأعراض .... ويقيناً أن هذه تعليمات فارسية، لأنه يريد تعميق الهوة بين العراقيين، ولكننا نعلم أنها أفاعيل الفرس وعبيدهم، وسيبقى العراقيون يداً واحدة، قلباً وفكراً متحداً.
نحن متجهون إلى العراق لإعماره وبناءه من جديد شامخاً حراً عزيزاً .... والعراقيين عدتنا وعتادنا في هذا الهدف، كل العراقيين في كل العراق ... نحن بحاجة لكل عراقي، عقله وقلبه، لنعمل جميعاً على إعادة وطن دمرته الأطماع والأحقاد، لنشيده بالمحبة والتضامن، بعيداً عن التطرف والتعصب، وطناً حراً نريده لنا جميعاً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
•الأمين العام للمجلس السياسي لثوار العراق
جزء من مقابلة تلفازية مع إحدى القنوات العربية بتاريخ 31 / آذار / 2015
4438 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع