أثار قرار للحكومة العراقية بتقديم مساعدات وصفت بالأغاثية الى سوريا والسودان واليمن بمبلغ قدره (25) مليون دولار، التهكم والغضب في أن معاً لدى العراقيين، والذي يعمق من غضبهم، التراجع الصارخ للخدمات في البلاد وتفشي الفقر والبطاله واشكال من الازمات، واخيراً وليس اخرا السعي لألغاء البطاقة التموينية، وخلل هذا وبمعزل عن القرار ذاك ذكر ان (نسبة الفقر في العراق وصلت الى 37%)! وصدق السياب:
(وفي كل عام حين يعشب الثرى نجوع...... ما مر عام والعراق ليس فيه جوع).
ان الكرم الحاتمي هذا، ليس الاول من نوعه في سيرة حكومة المالكي ولن يكون الاخير، وهو أقرب ما يكون الى البرمكة بالمال العام والتصرف اللامسؤول به، منه الى الكرم التقليدي المتفق عليه أو اغاثة المنكوب، كون الاغاثة تلك مقدمة الى حكومتين ديكتاتوريتين ترتبطان باوثق العلاقات مع ايران الاوهما سوريا والسودان. ولقد تزامنت الاغاثة للسودان مع تواجد سفن حربية ايرانية في سواحله، اما قوة العلاقات بين ايران وسوريا فأمر لايحتاج الى دليل، وهكذا تأتي المساعدات العراقية بمثابة دعم للحكومتين الدكتاتوريتين وتنفيذاً للمخططات الايرانية ليس الا، وكلتا الحكومتين ضالعتان فيها.
لقد سبق للحكومة العراقية وأن صرفت أموالا خيالية على القمة العربية ال 23 ببغداد، وفي حينه جرى التنديد بها على اوسع نطاق، وبعد ايام على ذلك استضافت الدول 5+1 المعنية بالملف النووي الايراني، فدعوتها الى استضافة الحكومة والمعارضة السوريتين، وها هي الان تنادي بعقد مؤتمر لقادة الجيوش العربية ببغداد، ومؤتمر اخر ل(مكافحة الارهاب) وعلى نهج النظام العراقي السابق، دأبت يغداد على تنظيم مهرجانات المربد والتي كان النظام السابق ينظمها بدافع من تجميل وجهه عربياً لاحباً بالشعر والأدب. والملاحظ ان كلا النظامين الايراني والعراقي يسعيان الى لعب دور لافت في العالمين العربي والاسلامي فلقد اصبحت ايران قائده لمنظمة حركة عدم الانحياز، واصبح العراق قبلها رئيساً للدورة ال23 للجامعة العربية.
وكما نعلم فان الاغاثة غالبا ماتقدم الى بلدان، تضربها الزلازل والفيضانات، والمجاعات التي تفتك بالصومال بين حين وحين، فلماذا اذا والحالة هذه، لم تشمل الاغاثة العراقية الصوماليين والفلسطينيين وهما الاولى من اي شعب اخر بالاغاثة؟.
فضلاً عن ما ذكرنا، فان المعاناة العراقية تفوق بكثير معاناة الدول الثلاث المستفيدة من الاغاثة العراقية، فالعراق اضافة الى ابتلائه بثالوث الفقر والجهل والمرض، يخوض حرباً داخلية منذ اعوام ويصحو شعبه وينام على وقع دوي القنابل والانفجارات.. الخ. عليه والحالة هذه فأن لسان حال العراقيين منذ اعوام( العراقيون اولى بالمعروف).
ويتخذ تبذير المال العام في العراق يميناً وشمالاً، أشكالا عدة وعلى صعيدي الداخل والخارج، فبين الصرف على مؤتمر القمة العربية والمساعدات الاغاثية تلك، كان العراق بائعاً لنفطه الى الاردن باسعار تفاضلية بعثت بالنقمة في نفوس العراقيين، لأن الاردن حسب المعترضين على تلك الاسعار كان سنداً للنظام السابق وحاضناً للمعارضين العراقيين، علماً ان العراق يعامل سوريا بمثل ما يعامل الاردن، وهي التي (سوريا) كانت الى الامس القريب من أشد الدول تصديراً للارهاب الى العراق.
وعلى مر الازمان، فان لتبذير المال العام أو نهبه على يد الغزاة والمحتلين والحكومات (الوطنية) التي حكمت الدولة العراقية الحديثة، تأريخ وتقاليد، ومن أشهره ما حصل على يد البرامكة في العصر العباسي، اذ ضرب بهم المثل في التصرف اللا مسؤول بخزينة الدولة، وكان ذلك أحد اسباب النكبة التي حلت بهم وسميت بنكة البرامكة الشهيرة. بالرغم من الخلفاء العباسيين الذين جعلوا من العراق مقراً لهم. كانوا الاكثر تبذيراً وتصرفاً كيفياً بالمال العام مقارنة بخلفاء الدولة الاموية ودولة الخلفاء الراشدين. ولقد انتقلت البرمكية الى الحكام العراقيين فيما بعد، وصارت من الثوابت لديهم. ففي العهد البعثي 1968 -2003 بنى حكام العراق عشرات من الدور لصحفيين عرب من غير العراقيين خارج العراق وتحملت بغداد نفقة تأسيس محطة تلفزيونية لموريتانيا، ناهيكم عن اغداقه المال على الاردن. وبنائها لحي كامل لمنكوبين من الاتراك جراء زلزال، وسط ازمة سكن حادة مازال العراق يعاني منها.. الخ من السلوكيات المصنفة على البرمكة، ففي مطلع الستينات من القرن المنصرم، اهدى عبدالكريم قاسم (5) طائرات للمغرب بمناسبة استقلاله ولو كان العراق منتجا للطائرات لكان الامر هينا.
وفي الداخل العراقي الان نلقى زمراً طفيلية تتصرف بالمال العام على هواها. امام وخطيب جامع الناصرية، وهذا على سبيل المثال، قال في خطبة الجمعة ليوم2-11-2012:(ان المسؤولين العراقيين يتنافسون على نهب اموال العراق). وبالقدر الذي ينهب قادة الحكومة المال العام، فان معارضيهم يتعاطون الشيء عينه . خطيب وامام جامع ابي حنيفة النعمان ببغداد اتهم من جانبه في خطبة الجمعة 26-10-2012 النواب من القائمة العراقية بتخليهم عن المحتاجين والمظلومين والركض بدلاً من ذلك وراء مصالحهم الشخصية، وبعد يومين على خطبته، نسب بيان الى انصار القائمة تلك ورد فيه، ان قادتها حولوا اموال العراقيين الى اقطاعيات لأسرهم واقربائهم ونسبائهم. ولعل من أهم اسباب الهبات العراقية للخارج والنهب المنظم للمال العراقي في الداخل، هو خضوع العراق على امتداد تأريخه لهذا المحتل او ذلك، ومنذ الفتح الاسلامي للعراق فان الاخير كان ينتقل كل (57) سنة من محتل الى اخر، وذلك باضافة الأنقلابات العسكرية العراقية التي وصفها الباحث القديرالدكتور رشيد الخيون بالغزوات الداخلية. وجل ما يصبو اليه المحتل كما نعلم هو نهب الاموال، فلا عجب أن يكون الحكام العراقيون الحاليون على خطى المحتلين الاجانب وفرسان الغزوات الداخلية في نهب أموال العباد، وهم بدورهم جاؤوا الى الحكم على ظهر دبابات الاحتلال عام 2003 ولقد انسحبت تقاليد النهب والسلب حتى على الافراد البسطاء من الشعب، والا مامعنى نهب الدوائر و المؤسسات الحكومية سواء في انتفاضة عام 1991 أو إسقاط النظام العراقي في 9-4-2003. وعسى أن يكون حكام العراق الحاليون، اخر النهابين والبرمكيين بالمال العام.
496 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع