هادي جلو مرعي
ليست شهور حمل فالبراميل ليست كأرحام النساء
هي قصة ليست ككل القصص فأبطال القصص عادة مايعيشون تجارب كبيرة ومتعددة لكنها لاترتبط بالموت على الدوام كما في قصة الجندي العراقي الذي عاش لتسعة أشهر منتظرا الموت الذي يتربص به في الصباح وعند الظهيرة وفي المساء ويحوم حوله طوال ساعات الليل والنهار لعله أن يخطف منه أمله الأخير في الحياة وهو متشبث بها كطفل يبكي أمه التي لم تقدم له شيئا من حنانها وهو يأمل به.
بدأت القصة في العاشر من حزيران من العام 2014 عندما خرج مئات من الجنود العراقيين من قاعدة سبايكر الشهيرة في محافظة صلاح الدين لايلوون على شئ سوى الوصول الى بغداد بعد ساعات من إجتياح داعش لمدينة الموصل وتقدمهم نحو تكريت، وقيام مجموعات من الإرهابيين بجمعهم تحت تهديد السلاح وقتلهم بطريقة وحشية تنوعت بين الذبح وإطلاق النار على الرأس والتنكيل والدفن في القصور الرئاسية، أو إلقاء الجثث في نهر دجلة. كان من حسن حظ هذا الجندي العراقي الذي يسكن مدينة الناصرية وجاء الى سبايكر ضمن مجموعة من المتطوعين لتلقي التدريبات أن توجه الى قرية مجاورة وهو يترقب ويتخفى خشية الإمساك به من قبل الإرهابيين المتربصين في الطرقات وهداه القدر أن يطرق باب إمرأة عجوز رفضت إستقباله وظل يشرح لها قصته وإنه نجا بإعجوبة من داعش ولايعرف سبيلا للنجاة وهو يأمل منها إنقاذه والعطف عليه والترفق به، وأخبرته إنها أم لثلاثة شبان يعملون لحساب داعش ولايمكنها أن تستقبله في دارها لكنه لم يجد سبيلا آخر غير التوسل بها لتخفيه في مكان ما الى أن يكتب له الله قدرا ما ينجيه من المذبحة.
طلبت منه الدخول والمضي معها الى مكان خلف دارها فيه أشجار ومخلفات نباتية وأخشاب وأغراض مهملة وقالت له، إدخل هذا البرميل ! لم يجد الشاب سوى موافقتها ودخل بالفعل في داخل البرميل، وسألته أن ينتظر ويتحمل حتى تأتيه في وقت لاحق، وبعد برهة جاء أولادها الثلاثة من عملهم وهم ضمن مجموعة تقاتل لحساب داعش فأطعمتهم وسألتهم عن حاجاتهم حتى غادروا، ثم هرعت الى الفناء الخلفي للدار، ونادت عليه بالخروج، وقدمت له بعض الطعام لكنها أصرت عليه أن لايبدي أية حركة، أو يصدر صوتا، أو يخرج من البرميل مهما كان السبب لئلا يفتضح أمره ويتعرض الى القتل، وكان الجندي المسكين يخرج بأمر ويدخل بأمر ويترقب حتى في أوقات قضاء الحاجة وتلك العجوز ترعاه وتحميه في سباق مرير ومرعب مع الزمن ولتسعة أشهر كاملة الى أن وصلت القوات العراقية الى مشارف تكريت، وبدأ تحرير المناطق الواحدة تلو الأخرى، ثم أعلمته بوجود القوات وطلبت إليه أن يخرج رافعا يديه وينادي عليهم، إنه منهم وليس إرهابيا.
ركع عند قدميها وطلب رقم هاتف، وحين عاد الى الناصرية وأخبر أهله بقصته مع تلك العجوز قرروا تقديم منزل لهم في البصرة هدية لها وإتصلوا بها فرفضت وقالت، إنما عملت ذلك لوجه الله تعالى.
518 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع