مثنى عبيدة
في خضم التغيرات والأحداث الكبيرة التي شهدتها المنطقة العربية في هذا القرن الواحد والعشرين وبروز حركات ثورية وشبابية وشعبية ليست مسلحة نادت وطالبت وتوجهت للميادين والساحات في محاولة منها لرسم خريطة جديدة للحرية والمطالب المشروعة للجماهير الكادحة والمسحوقة في خضم كل ذلك الصراع بين الشعب والطغاة يبرز سؤال مهم وهو هل نحن مهيئون لتلك الحرية وهل حقاً نسعى جميعنا لها ؟
في الحقيقة يصاب المرء بالدهشة والأستغراب وهو يتجول بين الأزقة والشوارع وعلى صفحات الجرائد والفضائيات وكل الصور التي تأتي من هناك ، وفي محاولة مستمرة لفهم كل ذلك نعود بشريط الأحداث الى بديته لذا نجد بوادر للأنعتاق من قبضة الظلم والطغيان والعسكر والرفاق والملالي والشيوخ العصاة ، نجد الشباب الحالم بالحرية والقيم الديمقراطية ومحاولة التحليق في سماء الإنسانية ورسم دور لبلده وقضاياه ومستقبله ، نجد كبار السن الذين حلموا بإن يؤدوا أخر مهمة في حياتهم ويــُسهموا في تغير دفة الموازين في بلادهم ، نجد النساء يزاحمن الرجال والكل يسعى بخطى حثيثة نحو الغد وحين حصل التغير المنشود حصلت الصدمة الممزوجة بالتحدي الكبير لهذه المجتمعات بين أمسها وغدها .
نجد كل ذلك وقد ظهرت بين أوساط الشعب أيضاً فئات تربت في ظل دكتاتورية الحكم وإنغلاق الفهم والفكر معاً فكانت تقاد بشكل سلس مريح وهي مكبلة اليد الى مذبحها وذلها وهوانها وتجدها باسمة ضاحكة أو مصفقة مهللة للنصر الكبير الذي هي وقوده وهي جمراته الملتهبة هذه الفئات الأجتماعية التي عشعش فيها الفكر التخريبي للحزب والقائد والرئيس لذا تجدها بهائم في أسطبل السلطان ولم تعد تقوى على الأنعتاق أو الأنطلاق وحين وجدت الفرصة سانحة يوم حدث التغير والأوضاع على الأرض غير مستقرة أنطلقت هذه الوحوش الكاسرة نحو كل معالم البلد لتعيث في الأرض الفساد تدمر وتحرق وتنهب كل ما تطوله يديها القذرتين متذرعة بالذل والفقر والهوان الذي عاشته في زمن الماضي ومتسلحة بالفكر الأنتهازي الداعي لها بإن هذا حقها من خيرات بلادها وعليها أن تأخذه اليوم وليس غد ٍ أو تقول ولماذا أتركه للقادة الجدد ليتنعموا به خصوصاً أذا كان هناك من يحركها بإتجاه إفشال الحاضر والمستقبل سعياً للعودة الى الوراء .
هؤلاء الذين أستغلوا الأوضاع وزادوها أرباكاً وفوضى هم أيضاً من أبناء الشعب وعلينا ان نعترف بذلك فهم لم يأتوا من الفضاء ولم تلقي بهم السفن والمركبات الفضائية ولا البحرية ولا الأساطيل هم أبناء الحارة والمحلة والجار هم أصحاب المصالح والمركبات الذين كنا نتعامل معهم هم وهم وكلنا يعرف من هم ولو إننا عرفنا متاخرين بحقيقتهم ولكننا لا نملك أن نقول إننا لا نعرفهم ، ربما كنا مخدوعين ربما كنا غافلين أو مغفلين ربما كنا مستهينين أو مترفعين عنهم وعن تصرفاتهم ترفعا فوقياً لا ترفعا أخلاقياً ، نعم كنا وكانوا وكان الوطن مسرحنا وملعبنا سوية وكذا أرادوه مقتلنا أيضاً .
الكثير منا يقول لا مجال للأصلاح والتغير ما دمنا جميعاً على قيد الحياة ونحتاج الى أجيال عديدة لتغير الواقع المزري الذي تحيى به الشعوب ، تعج مفردات اللهجة الشعبية والمحكية واللغة العربية والكوردية وغيرها من لغات المنطقة ولهجاتها الشعبية بمفردات وأمثالٍ وحكم ٍ متشعبة وكثيرة جداً لا تخرج عن هذه المعاني التي تثير في النفس عوامل الأحباط واليأس والقنوط والركون الى ما هو موجود ولا أمل يلوح بالأفق بل لقد غال الكثير في هذه التشأوم حتى طالب بإن تضرب بلاده أو شعبه بقنبلة ذرية لكي نخلص وينتهي الأمر وقد نسى أو تناسى من فرط تشأمه أن هذه القنبلة لن تقضي على شعب ٍ كاملٍ وأن هناك من الأصلاب والأعقاب من سيبقى من هذا الشعب .
هل بات علينا ان نرفع شعار( الشعب يريد تغير الشعب ) حتى نحضى بالغد المشرق الوردي الجميل الذي فيه كل الخيرات والأعمال الصالحة ؟
من تجارب الشعوب الأخرى نستطيع أن نأخذ العبرة والدرس هذا نلسون مانديلا لم يطالب الأفارقة بصبغ ألوانهم ليكونوا شقران ولم يطالب الأنكليز بالزواج لتحسين الأنسال كلما طلبه هو العدل والحرية والكرامة للجميع فلا أحد فوق القانون ولا احد أفضل من الأخر على الصعيد الوطني إلا بمقدار احترامه للشعب والبلد وهذه اليابان التي ضربت بالقنابل النووية والكل يعرف من اليابان الأن وهذه الصين وهذه المانيا وهذه وهذه .. كل تلك الشعوب لم تختفى ثم تولد من جديد بالولادة القيصرية أو الطبيعية أنما أعادوا أنتاج حضارتهم وإنسانيتهم من جديد يوم تبين لهم وتيقنون وأمنوا بإنهم يستحقون الحياة وأن عليهم العمل الجاد في بناء إنفسهم وإصلاح عيوبهم ومشاكلهم والمؤكد أنهم خشروا الكثير الكثير وقدموا التضحيات الكبيرة من أجل الغد .
نعود لواقعنا العربي الذي يبدوا انه أمام شعوبه الكثير لكي يعملوه ويتعلموه بفكر صافي وعمل دؤوب مخلص بناء يبتغي الخير للأجيال وللبشرية بعيداً عن عوامل التطرف والجهل والتخلف بعيداً عن الفوضى والحرامية وقطاع الطريق بعيدا عن الأنغلاق والتجمد والتلبد
بعيدا عن التحجر في احداث مأساوية تاريخية يعاد أنتاجها من أجل المال والسياسة والضحك على الذقون وأستغلال المشاعر العاطفية لأبناء الشعب .
في القرآن الكريم نجد قول الحق -تبارك وتعالى- في سورة الرعد: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ[الرعد:11]
نعم التغير المطلوب هو العزيمة الفردية والجماعية للمجتمع بالتحول نحو الأفضل والأحسن هو بالمكاشفة والمصارحة هو العمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أجل اطفالنا ومستقبلنا ... لا أن نعمل على إعادة الماضي القريب لطغاة ثارت عليهم شعوبهم ولكن للأسف تجد من يتوسل لكي يأخذ صورة مع أنجالهم أو أحفادهم ويفتخر بذلك ويتبجح .
هل نفقد الأمل هل نفقد الأيمان هل نستسلم ونلقي بسلاح العقيدة والفكر والوطنية ؟ هل علينا الأنضمام الى المنسحبين من أرض النزال ونقول على الدنيا السلام ؟
ربما حتى لو كفر البعض بالوطن وغالى وسبه وسب نفسه وشعبه وربما تجده يبكي من داخله ويتمزق مثل أب يمد يديه على أبنه وقلبه يتمزق وعيونه تكاد تنفجر بالدمع والرجاء وتقول يا أبني أرجوك لا تفعل أرجوك أني اخاف عليك وأحرصك عليك أكثر من روحي وأفديك بحياتي .
كل ذلك يمر بنا ونسمعه ونعرفه ونعرف أشخاصه والكثير الكثير منهم نعرف صدقه وحبه لبلده وشعبه ولكن ضاقت بهم الأرض والصدور وهم يشاهدون الحلم بالغد يتبخر ويغدوا حلم ٌ بعيد المنال .
علينا أن نعمل ونجتهد ونرسل رسائل الحب والتسامح والتراحم علينا أيضاً العمل على ان ينال المجرمون والعابثون بمقدرات الشعب والقتلة المجرمون جزاءهم العادل علينا على الأقل أن نحرص على فضحهم وفضح خستهم ونذالتهم وسرقاتهم حتى لو كان ذلك على صعيد تثقفيف أطفالنا وصغارنا وأحبتنا حتى لو كنا بعيدين على الأوطان .
هذه دعوة مفتوحة للجميع لكي نتحاور ونكتب ونقول ونعمل ونعرف أين الخلل في البنيان الأجتماعي والأنساني للشعب أين المشكلة وما هي الحلول الناجعة الصادقة .
قد لا نجد أجوبة للأسئلة ولا للمشاكل الأن ولكن
المهم أن لا يتم تزوير التاريخ مرة أخرى ولا أن تصادر حقوقنا وحرياتنا مرة أخرى
قد لا نحضى نحن وأجيالنا الحالية بهذه الفرصة التاريخية لبزوغ الفجر ولكن علينا أن نحلم ونعمل ونتنسم هواء الفجر العليل حتى لو كنا في خريف العمر والمنفى البعيد
علينا أن نؤمن بإن الشعب يريد تغير الشعب ليس بمعنى الاستبدال والقتل والنفي والتشريد ، ( والى أصحاب القوة الغاشمة نقول لهم لن تنجحوا لن تنجحوا مهما أوتيتم من قوة ونفوذ ودعماً لان الارحام ولادة وستلد أجيال وأجيال فلن تقضوا على أمة أو شعب أو طائفة وأن طال الزمان ) .
أما للمصلحون الصادقون نقول بكل حب ٍ وتواضع ٍ سادتي الكرام
إنما الشعب ُ يـُغير الشعب َ معاً لانه الطريق الوحيد للنجاة والغد المشرق الجميل وما ذلك على الله بعزيز .
1046 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع