زينب حفني
شعرتُ بالغيظ يتملكني بعد أن فرغت من مشاهدة American Sniper.
وهو فيلم تدور أحداثه إبّان الغزو الأميركي للعراق، ومأخوذ عن سيرة ذاتيّة كتبها قنّاص أميركي يُدعى (كريس كايل) بعد عودته من العراق. هذا الرجل كان يُلقّب بشيطان الرمادي لمهارته في اقتناص العراقيين، وتفاخر في سطور كتابه بأنّه قام بقتل 255 عراقيّاً، وكان يصف الشعب العراقي بالمتوحّش، ولم يخجل من القول «لا أبالغ أو أكذب حين أقول بأن قتل العراقيين كان متعة بالنسبة لي».
صناعة السينما الأميركيّة تملك مهارة عالية في صُنع أبطال شخصياتهم الحقيقيّة من ورق! ومضمون هذا الفيلم يحتفي بمجرم تجرّد من إنسانيته باسم تأدية واجبه الوطني، رغم إدراكنا جميعاً بأن هناك شعرة دقيقة تفصل بينهما! فمسؤوليتنا تجاه أوطاننا لا تستلزم منّا دحر ضمائرنا، أو تبرير أفعالنا والنظر بدونيّة للشعوب الأخرى! وهو للأسف ما هدف إليه هذا الفيلم! ومهما برر البعض احتلال الأميركان للعراق بحجّة التخلّص من صدام حسين، إلا أن هذا لا يجعلنا نتجاهل قتل الجنود الأميركان لملايين العراقيين الذين كان هدفهم محصوراً في إخراج المحتل من أرضهم. تبدأ أحداث الفيلم بقيام «كريس» بقتل طفل لا يتجاوز العاشرة هو وأمّه بالفالوجة. مشهد دموي أقل ما يُقال عنه بأنه وحشي! ثم تتوالى مشاهد الدم والقتل، مع تعمّد المخرج حشر مشاهد تُظهر همجيّة المسلمين وبطولات الجنود الأميركان في الدفاع عن الأسر العراقيّة الموالية لهم. وفي النصف الثاني من الفيلم يظهر «كريس» كزوج متفهّم ورب أسرة مثالي، كأن ضميره البشري مُصاب بالفصام!
الفيلم يُظهر بأن كريس أصبح يُعاني من اضطرابات نفسيّة مثل الكثيرين غيره من الجنود العائدين من مناطق الحروب نتيجة الأهوال التي عاشوها. وفي خاتمة الفيلم يظهر «كريس» وهو يُودّع زوجته وطفليه ليلتقي بأحد ضبّاط المشاة بالبحريّة الأميركيّة الذي كان يُعاني من الفصام نتيجة مشاركته في حرب العراق، فيردي «كريس» قتيلاً في ميدان للرماية. وكان «كريس» بعد عودته من العراق يقوم بمساعدة المحاربين القدامى لتجاوز الآثار النفسيّة المترتبة على مشاركتهم في الحروب والمشاهد الدمويّة التي كانوا يمرون بها يوميّاً!
الفيلم حقق مشاهدة جماهيريّة عالية، وجلب للشركة المنتجة ملايين الدولارات، رغم أن اللجنة الأميركيّة لمناهضة التمييز، قد صرّحت بأن موجة التهديدات ضد المسلمين في الولايات المتحدة قد ارتفعت بعد عرض الفيلم لإظهاره العراقيين المسلمين كشعب بدائي متوحشّ!
من وجهة نظري، الفيلم أحتفى بمجرم قام بقتل العراقيين بدم بارد تحت مسمّى أداء الواجب! وهذا ليس غريباً على السياسة الأميركيّة التي استخدمت صناعة السينما للترويج لمطامعها الاقتصاديّة ومعتقداتها وثقافتها! في الوقت الذي لم نفلح بعالمنا العربي في استغلال هذه الصناعة! وفشلنا في خلق فن سينمائي قوي لتحسين صورتنا، أو لتمرير وجهات نظرنا تجاه قضايانا المصيريّة! كل ما نفعله هو التركيز على انتاج أفلام تقوم على مواضيع تافهة لا تتعرّض لواقعنا، لجلب إيرادات عالية، كأننا مجتمع ليس فيه إلا مجموعة من الراقصات يجيدون هز الوسط والأرداف!
993 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع