د.سيّار الجميل
(1)
وطني الجميل تأكلهُ البرابرة
وترقصُ حوله ضباعٌ كاسرة
الغيومُ داكنةٌ ، سوداءَ بلا مطر ..
ستكون يوما .. مسافاتها عابرة
والنهارات فيه ، غداف ليل ضليل
والرياح زاحفة مجنونة مسافرة
هبّت تزمجر دمويّة همجيّة
منذ ازمان الخيانات .. موبوءة ثائرة
سيّدة البلادُ بغداد تآكلت عبر السنين
خرائب لا في الكرخ صائرة ،
وركام ازبال في الرصافة دائرة
الورودُ ذابلةٌ والقصائدُ صامتة
لا تحكي الّا ادعية وفتاوى ..
ومدّ لحى طويلة وقصيرة
وسبحات ملوّنة متدليّة
واحزمة ناسفة عند البطون ..
ملتصقة عند الخاصرة
وبقايا خرق وسراويل ممزّقة
وسكاكين ذبح .. وخردة بائرة ،
وامرأة تابت بعد ان كانت فاجرة
وطنٌ سجنه اللقطاء منذ سنين
كآلهة نزلت من السماء العاشرة
الذاهبون الى الشمال اباطرة ..
القادمون من الجنوب قياصرة
هل هم كالأسوياء من الكائنات ؟
ام شياطين تلاعبهم شمطاء ساحرة ؟
(2)
ماتت سومر واكّد وبابل ونينوى
منذ ازمان غابرة
عن قصور آشور .. وجنانها المعلّقة
رحل العمالقة ومات العرب الجبابرة
وطافَ دمٌ كالفراتين يجري
والعراق قتله حقد الاكاسرة ؟
قطعوا رأس بغداد عن عمد
وحجبوا شمس الحضر .. فغدت
عروس مملكة عربايا الجميلة :
سبيّة تبكي وجودها في الازمان العاثرة
سحقوا الحيرةَ وتدمر وسنجار في غفلة حائرة
الموصلُ جريحة نازفة .. وقلعة حلب محاصرة
قتلوا وطنَ الغساسنة .. مزّقوا شملَ المناذرة
والنسوة لبسن اكفانهن واعددن حفارا للمقبرة
لم اجد في ارض الرافدين وردا ولا لحنا ولا حلما
لم ابصر عذوبة امرأة سافرة
لم اجد لغة ولا رسما ولا معنى ..
لم اسمع عزف اغنيّة فراتيّة ساحرة
مات ابو نؤاس ليلا في شارعه الطويل..
والرشيد يشكو سموم الثعابين القاتلة ، ومن
طيش امّعات وانذال سماسرة
والقرود تحكم الشعب من اقفاصها الخضراء ..
والعراق التليد غدا .. كوميديا ساخرة
سرّاق وغزاة وحفاة وعراة وقتلة
كم رضعوا من اثداء كافرة ؟
كم رقصوا امام جلاّدهم ؟
واليوم لبسوا عمائم مدوّرة !
او لصوصا سرسرية غادرة مغادرة ؟
تعبث في محرقة .. تتعفّن في مجزرة
(3)
يا وطنا دنّسه غزاة العالم ، وقد غدا
مبغى ترقص فيه عاهرة
او مأتما ينتحب فيه بررة
او صومعة يصلي فيها فجرة
يا وطنا ، يرفع رايات صرعى هجينة
من خضر وحمر وصفر تلمع هنا ..
سوداء كئيبة ترفرف هناك متنافرة
والقول ما قال سعدي :
" بلاد بين نهرين .. بلاد بين سيفين "
بلاد كانت تعبد الشمس يوما
وتعشق الزهور قرونا في حدائق معلّقة
باتت تنحر نفسها .. مستهتّرة
العراق يموت ويحيا في غلائله الثقيلة
والشعب مزّقه اولاد القندرة
والتاريخ اضاعوه كلّه .. فراح عبس وتولّى
يرحل يمشي الهوينا نحو القهقرى
مذ خانوا الامانة فجر يوم اسود
ولم يبقوا للمخلصين قبرا ولا مقبرة
وهم يلحسون حذاء قوّاد حاذق
او يتمسّحون باذيال قحبة جائرة
ماذا اقول ؟
وطن تنهشه الذئاب .. وطن تأكله البرابرة !
سيار الجميل في 15 ابريل / نيسان 2015
617 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع