د. ضرغام الدباغ
لا تخفي حكومة بغداد والقوى المتحالفة معها، بقيادة نظام الملالي الإيراني، نواياها التوسعية بكل ما تنطوي عليه من مجازر، سواء من خلال حملات طائفية جديدة في محافظة الأنبار، ومدنها ومعاقلها، أو سواها من أرجاء العراق.
وبسهولة يمكن التوصل إلى أن استهداف الأنبار هو مخطط فارسي صفوي، والأهداف هي استراتيجية تخدم المخططات الإيرانية في رؤيتها التوسعية وخططها للمنطقة، فمن جهة تمتد حدود الأنبار من سوريا إلى الأردن وإلى السعودية، وهذه تمثل أهداف حقيقية، سواء في خطط إنقاذ نظام بشار في دمشق الآيل للسقوط، أو لخلق ورقة ابتزاز للأردن والسعودية.
ولا تبالي إيران في تنفيذ هذه الخطط، (بوصفها المنظم الأول لهذه الخطط)، لا تبالي بحجم الخسائر التي تنجم عن مثل هذه الحملات، التي ستكون حتماً كبيرة جداً، فالخسائر في كل الأحوال وعلى جميع الأصعدة عراقية بالأساس، والأرباح والمكاسب إيرانية في كل الأحوال، وكل تخريب ينال العراق في المدن والاقتصاد والعلاقات الاجتماعية، هو أمر مفيد ويصب في طاحونة الرؤية والمصالح الإيرانية لمستقبل العراق.
الحكومة العراقية الواقعة بدرجة كبيرة تحت هيمنة القرار السياسي الإيراني، لا نتوقع نحن ولا غيرنا، أن يكون رأيها في الأحداث نافذاَ أو مهماً، بل أنها تظهر وبوضوح تام من خلال سياق الأحداث اليومي، أن رأيها في التحليل والخطط ثانوي، باهت، لذلك فهي تسير في المخطط مغمضة العينين، مغلقة العقل، وهي تعلم أن هذه الخطط الحربية التدميرية لا تفيد السلام والأمن الاجتماعي في عراق المستقبل، لذلك لا أمل واقعي يرتجى من حكومة بغداد الواقعة كلياً تحت ضغط الميليشيات العراقية الممولة والمنظمة من الاجهزة الأستخبارية الايرانية، وتحت قيادتها إن بصورة مباشرة أو غير مباشرة، عدا وحدات نظامية من الجيش الإيراني، وحرس الثورة.
ولا شك أن التخطيط لمعركة الأنبار ستنطوي على إعداد قوات ضخمة، أكبر بكثير من تلك التي حشدت لمعركة تكريت، التي حشدوا لها عشرون من المليشيات الطائفية تحت عنوان مزيف هو الحشد الشعبي، والقوات المسلحة الإيرانية، وثلاث قوات عراقية نظامية هي الجيش النظامي، وقوات التدخل السريع سوات، والقوات الخاصة لوزارة الداخلية، هذا عدا تقديم الدعم الجوي الحربي الأمريكي والفرنسي واللوجستي المباشر، وقد بلغ تعداد تلك القوات في معركة تكريت بين 50 / 80 ألف مقاتل بلغت خسائرهم وفق مصادر محايدة أكثر من عشرة ألاف قتيل وجريح، بالإضافة إلى 225 قطعة دروع وآليات وطائرتان. وقد أظهرت معركة تكريت حجم التدخل الأجنبي في الشأن العراقي واضحاً وصريحاً وعلنياً، وبتقديرنا فإن هذه الأساليب لحل الأزمات الناجمة عن خلل في العلاقات الداخلية المتبعة حالياً هي أساليب فاشلة، سوف لن تحل شيئاً من أزمة الاحتلال والنظام وسائر النتائج الأخرى التي أفرزها الاحتلال اللاشرعي للعراق، بل تعمق من جراح الوطن، بل وتعقد حلولها .
ومن الخطأ الشديد أن توضع كافة المسألة بتفاصيلها الكثيرة على شماعة الإرهاب، فالمقاومة العراقية التي أنبثقت منذ اليوم الأول لأحتلال بغداد، مؤلفة من فصائل كثيرة، وحركات سياسية وشعبية وطنية وقومية وعلمانية يسارية، البعض منها غير مسلحة أساساً ولا تنتهج الكفاح المسلح، ومع ذلك فالجهات الوالجة بالملفات العراقية لا تعرف سوى الحلول الدموية، لأنها تخشى مواجهة أخطاء الاحتلال ونتائجه المريعة، والإقرار بتراكم هائل من الاخطاء التي مارستها وبسببها وصل العراق اليوم إلى هذه الدرجة.
ومن المدهش أن نسمع اليوم تحديداً، الجهات الإيرانية الرسمية العليا تدعو إلى نبذ العنف والتفاوض، وتبدي الخشية على الأرواح في اليمن، وترمي تهمة التوسع على غيرها، فيما تمارس فعلياً في العديد من الساحات منها العراق عكس ما تعلنه وتطالب فيه، بل تقود هي حملات التدمير والعنف والتجريف الطائفي.
الأنبار ليست تكريت، لجهة، سعة المدن وانتشارها، ولإحاطة الصحاري والبوادي بمحيطها، والمدن فيها آهلة بالسكان سيدافعون عن مدنهم وعن ممتلكاتهم ضد حملات النهب والسلب والقتل والتخريب.
بات من المعلوم أن إيران تعتبر خططها مقدسة، لا يجوز عرقلتها، بصرف النظر عن مخالفتها لإرادة الشعب في العراق وسورية ولبنان واليمن، فهذا النظام لا يعرف منذ عام 1979 سوى التآمر والتوسع بالقوة المسلحة وإثارة الغوغاء والإرهاب. ولكن هذه السياسة قد أصبحت اليوم واضحة بكافة أهدافها وقد صمم الجميع على مقاومتها، رغم أن هناك رهط من الكتاب والاعلاميين ممن باعوا ضميرهم، يسوقون بخسة للأهداف الإيرانية، إلا أن كل شيئ واضح، والشمس لا تخبئها الغربال .
ـــــــــــــــــــــــــ
المقال جزء من مقابلة تلفازية من قناة المجد العربية من غزة / فلسطين ــ 9 / نيسان / 2015
1764 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع