د. علي محمد فخرو
من حق المواطن العربي في أقطار مجلس التعاون الخليجي أن يطرح السؤال التالي: ترى لو أن قيادة المجلس عبر عمره الطويل راعت وشائج العروبة التي تربط شعوب أقطارها بالشعب اليمني، ووعت قيمة اليمن التاريخية (وهو منبع وأصل كل الهجرات العربية نحو كل أرض الوطن العربي الكبير) وقيمته الجغرافية (وهو جزء أساسي من شبه جزيرة العرب) وضخامة حجمه السكاني (وعدد سكانه يساوي سكان كل أقطار المجلس مجتمعه) ووفرة يده العاملة (وقد كان بإمكان قواه العاملة ملء مئات الألوف من الوظائف التي يؤتى بغير العرب لملئها)… لو أن قادة المجلس وعوا بعمق ومسؤولية قومية وإنسانية كل ذلك هل كانوا سيضطرون لدخول هذه الحرب المدمرة المشتعلة حاليا في أرض اليمن؟
يبدو أن طرح السؤال جاء متأخرا، لكن أي مراجعة لما كتب عن مجلس التعاون منذ نشأته سيظهر أن مثل تلك الأسئلة طرحت مرارا وتكرارا، ليس حول انضمام اليمن فقط، وإنما أيضا حول انضمام العراق، ولكن بدون استجابة من قادة المجلس.
لقد قُدمت أعذار تتعارض مع الفهم السياسي المنطقي: فالعراق غير مستقر ومغامر، مع أن دخوله في المجلس كان سيبعده عن ارتكاب الكثير من الحماقات العبثية التي أضرته وأضرَت أمته، ودخول اليمن الفقير سيزيد من أعباء التزامات أقطار المجلس المالية، مع أن روابط العروبة والإسلام والجوار والتراحم الإنساني ومتطلبات الاستراتيجية القومية أمام كل أنواع الأطماع الخارجية تستوجب أكثر بكثير من الالتزامات المالية. وطرح موضوع صعوبة الانسجام بين أنظمة جمهورية وأنظمة مشيخية وملكية، مع أن التاريخ كله يؤكد أن بناء المصالح الاقتصادية والأمنية والاجتماعية المشتركة قادرة على تهميش مفعول التباينات في تركيبة أنظمة الحكم. إن الاتحاد الأوروبي خير مثال على تلك الإمكانية في التعايش بمقتضى المصالح. المشكلة مع مجلس التعاون هو أنه يمارس السياسة بدون أن تحكم تلك الممارسة فلسفة السياسة. فلسفة السياسة تقتضي وضع أهداف قريبة وبعيدة واضحة، الالتزام بقيم ومحددات تضبط الممارسة السياسية، وإعلاء الأهم على المهم. الحاجة لفلسفة سياسية واضحة مثلما تنطبق على الحياة السياسية في الدولة فانها تنطبق على التكتلات الإقليمية للدول. غياب مثل تلك التصورات المبدئية والمنهجية لا يمكن إلا أن يؤدي إلى غياب رؤية مستقبلية أبعد من الأنوف، ومن اللحظة الآنية ومن المصالح الضيقة القطرية. وهو ما يفسر الكثيرمن الاختلافات بين دول المجلس لا بالنسبة للساحة الخليجية فقط وإنما أيضا بالنسبة لقضايا تمسُ مستقبل الأمة العربية ووطنها.
إن المواقف المتباينة، وأحيانا المتضادة، في ساحات مثل سوريا وليبيا ومصر والعراق واليمن ولبنان وفلسطين وإيران وتركيا، وكذلك بالنسبة للعلاقات مع الكيان الصهيوني، شاهدة على غياب تلك الفلسفة السياسية الواضحة الملزمة للجميع.
إضافة إلى كل ما تقدم هناك الصُدفة التاريخية التي تعيشها حاليا دول المجلس، والتي تتمثل في امتلاكها لثروة بترولية وغازية هائلة. استعمال تلك الثروة في المساهمة لحلٍ قضايا عربية متفجرٍة، مثل مقاومة جنون وبربرية وتعاظم جماعات الجهاد الإسلامي التكفيري العنفي المتخلف فقهيا وحضاريا، أو معاضدة المقاومة العربية للاستباحة الصهيونية الاستيطانية العنصرية المتعاظمة، أو التخفيف من آفات الفقر والديون وتعثر التنمية الاقتصادية في بعض بلاد العرب، استعمال تلك الثروة لمثل تلك المقاصد وبعيدا عن التذبذب والانفعالات وتدخلات الأغراب، سيحتاج إلى الاتفاق على المبادئ والمنهجيات السياسية التي في مجملها ستكون فلسفة المجلس السياسية.
ما نطلبه ليس تمرينا أكاديميا مجردا لا صلة له بالواقع، إنه بالعكس، انعكاس لواقع عربي يزداد كل يوم قتامة، ومطلب ضروري لمواجهة أخطار كبيرة معقدة محدقة بالمجلس في حاضره ومستقبله ، وصد لرياح تهب عليه من الداخل ومن خارج يتآمر على ثروته واستقراره وأمنه.
آخر تلك الرياح تهب عليه من جنوبه، وعندما تهدأ تلك الرياح سيحتاج المجلس لمبادئ فلسفة سياسية تهديه، ضمن مشاعر ومتطلبات الأخوة والعروبة والجوار والإسلام الجامع، إلى سياسات واستراتيجيات جديدة تختلف عن تلك التي مارسها في الماضي.
1029 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع