عدنان حسين
ماذا يعني أن يُعلن رئيس الوزراء ووزير الدفاع وسواهما ان هذا النزوح شبه التام الكامل لسكان مدن وبلدات وقرى في محافظة الأنبار لم يكن له أيّ مبرر، وانه حصل فقط بسبب حرب الإشاعات التي عدّها السيد العبادي "أكثر فتكاً من السلاح"؟
المعنى الوحيد لهذا الكلام ان داعش كانت له الغلبة في الحرب الدعائية – النفسية. والأمر كذلك في الواقع، وأول وقائع هذه الغلبة سُجِّلت في العام الماضي عندما دخلت فلول داعش الى مدينة الموصل من دون أية مقاومة، ومن ثم تقدمت بسرعة صاروخية نحو صلاح الدين وأربيل وكركوك والأنبار وديالى وصولاً إلى مشارف العاصمة.
الجبهة الدعائية – النفسية جبهة رئيسة في الحروب.. هذا ما يعرفه جيداً العسكريون المحترفون والإعلاميون المحترفون، والمفترض السياسيون المحترفون أيضاً. داعش غلبنا في المرة الماضية لأننا لم نستثمر في العسكرية الاحترافية ولا في الإعلام الاحترافي، ولا في السياسة الاحترافية قبل ذلك وبعده. والآن يغلبنا داعش دعائياً ونفسياً في جبهة الأنبار لنفس الأسباب تقريباً، ولكن على وجه الخصوص لأن إعلامنا متخلف وفاشل.
لم يكن داعش قوياً عندما اجتاح الموصل وما وراءها.. نحن كنّا ضعيفين عسكرياً وإعلامياً وسياسياً .. والآن هو يغلبنا على جبهة الحرب الدعائية - النفسية وينجح في تفريغ المدن والبلدات والقرى من سكانها الذين كان من المفترض أن يكونوا جزءاً من القوات المحاربة ضد داعش، أو في الأقل سنداً وظهيراً لها، لأننا بالدرجة الأساس لم نكن فعّالين إعلامياً ونفسياً... شائعات داعش وجدت لها طرقاً سالكة الى الأنباريين، وساعده في هذا ليس فقط المغفلون في جبهتنا، وإنما أيضاً المغرضون الذين لا همّ لهم ولا قضية غير تصفية الحسابات مع غيرهم، وبينهم رئيس الوزراء ووزير الدفاع، فيما كان إعلامنا يجلس في مقاعد المتفرجين.. الضوضاء التي كان يُصدرها لا علاقة لها بالإعلام ولا صلة لها بالحرب الدعائية النفسية.
إعلام الدولة لدينا فاشل لأنه مثقل بالبيروقراطية ومتخم بالموظفين والفضائيين، ولأنه قبل هذا جرى تحويله الى إعلام حكومي، خلافاً لأحكام الدستور، ويُراد الآن جعله بموجب القانون إلى دائرة رسمية شبيهة تماماً بوزارة الإعلام في العهود السابقة. مشروع القانون الذي أعدته الحكومة السابقة وقدّمته الحكومة الحالية الى مجلس النواب يُفضي الى هذا، واذا ما أجازه المجلس سنقرأ الفاتحة لآخر مرة على روح إعلام الدولة.
الإعلام غير الحكومي (الحزبي والمزعوم انه مستقل) لم يكن في هذه الحرب ولا في أي وقت آخر بأفضل حالاً من إعلام الدولة – الحكومة. باستثناء ثلاثة أو أربعة من الصحف وقناتين تلفزيونيتين أو ثلاثة ومثلها محطات إذاعية، كل الصحف ومحطات التلفزيون والإذاعة الباقية تعمل لحساب أحزابها وملّاكها.. الهمّ الوطني لا يأتي الا في آخر الاهتمامات، أغلبها مشاريع قائمة للترزّق والتربّح وغسيل الأموال، تموّلها جهات سياسية داخلية وخارجية، وفي بعض الحالات دوائر حكومية.. والغرض أبعد ما يكون عن الوطن ومصالحه والشعب وهمومه، وأولها همّ الاحتلال الداعشي.
كما الجيش وسائر القوات الأمنية، الإعلام لدينا، وأوله إعلام الدولة – الحكومة، في حاجة ماسّة الى إعادة الهيكلة والبناء، وإلا سنظلّ مغلوبين دعائيا ونفسياً.. وعسكرياً بالضرورة.
1031 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع