د. تارا إبراهيم
في احدى زياراتي القريبة الى العراق، لاحظت ظاهرة غريبة جدا وهي ظاهرة تخويف الاطفال بداعش، كأن تقول الام لطفلها :
ان لم تسمع كلامي، فسوف يقتلك داعش، او ان لم تكن عاقلا فسوف يأخذك داعش..ولدى تحدثي مع إحدى الامهات ، قالت لي ان طفلها عاد من المدرسة وأخبرها ان المعلمة قالت لهم ان داعش قد اختطف احد اقربائها وهي حزينة لذلك..واردفت هذه الوالدة انها لحد الان لم تتحدث مع طفلها عن داعش وتخاف ان تتطرق الى هذا الموضوع خشية ألاتحسن التعبيرحول هذه المشكلة .
الامر الغريب ان الاطفال قد أعتادوا على مشاهدة قنوات التلفزيون الاخبارية التي تبث اخبارها 24 ساعة يوميا وهي لا تتكلم الا عن داعش، وكأن الامر طبيعي جدا .. وبذلك نفهم ان داعش ومغامراته اصبحا جزءا من حياتنا اليومية وان لم نسمع اخبارهم يوما واحدا يخيل لنا أن شيئا ما ينقصنا.
ولكن في الحقيقة ان هذا الامر هو شائك وفي غاية الحساسية ، فالاعمال الوحشية والبربرية التي يقترفها هؤلاء يمكن ان تؤثر على مخيلة الاطفال وعالمهم الطفولي البريء، لاسيما ان الجميع يدركون ان الشرق الاوسط والعالم العربي هما عالمان مليئان بالعنف والحروب والمآسي ، وان الامرلايقتصر على داعش فقط بل العنف يقع بأشكال متعددة ومتنوعة والضحية الاولى هم الاطفال..
فكيف لنا اذن التكلم مع اطفالنا عن الارهاب ؟ وهل هنالك محاولات من قبل الحكومات والمنظمات المدنية والعالمية التي تعن بشؤون الاطفال لتبني مبادرات جدية حول هذه المسألة بدلا من التقاط صورللاطفال المنكوبين ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي وسواها ؟ وهل لدى الوالدين وعي وإدراك عما تسببه هذه الاحداث من نتائج لاتحمد عقباها ؟ وما هو دور المدرسة والمعلمين في هذا السياق ؟
شئنا ام ابينا فاطفالنا يتمتعون بخيال خصب..فهنا يأتي دورالوالدين لمساعدتهم في الفرز ما بين الواقع والخيال، وفي تخفيف وطأة الكلمات والصورالصادمة في عالمنا الممتلىء بكل ما هو عنيف وقاس، فالاطفال الذين تتراوح اعمارهم بين 5 الى 8 سنوات، من الصعب جدا عليهم تفهم الاحداث الارهابية التي هي مزيج بين الحقيقة والواقع والرأي والمشاعر.
فأول خطوة يجب القيام به هي مساعدة الطفل على التعرف على الوضع الراهن لكي يميز ما يجري في الحقيقة ويعيش الواقع، وليدرك أن ما يحدث ليس بفيلم أكشن او خيال علمي او ألعاب فيديو وانما هو امر اكثر جدية. لذا يجب شرح من هم هؤلاء الارهابيون ؟ وماذا يريدون ؟ وما هي اهدافهم ؟ ولكن بكلمات بسيطة ودون مبالغة اعتمادا بالطبع على عمر ودرجة تفهم الطفل، فالكثيرون من الاباء والامهات لايودون فتح الموضوع مع الطفل وهذا امر طبيعي جدا، الا انه من غير الطبيعي ان يكتشف الطفل معلومات خاطئة ومروعة خارج البيت، عبراقرانه او من وسائل اخرى. لذا من الا فضل التكلم مع الطفل لان فهمه الصغير هش جدا يمكن ان تترسخ في ذاكرته أشياء ولاتتلاشى الى الابد مما قد يولد عقدة حياته النفسية.
وفي الوقت نفسه لايجب اعطاء جميع التفاصيل والتحدث عن الديانة أو القومية، ومراعاة عدم الكذب عليهم وجعلهم يعيشون في عالم اساسه الكذب، بل التحدث معهم بشكل عام وصريح، وعلى الوالدين مراقبة تصرفات الطفل ونظامه الطبيعي، ان كان لاينام جيدا او لا يأكل جيدا او انه يخاف البقاء وحيدا دائما ، الخ..فهذه العلامات هي نواقيس إنذار للوالدين..
الابتعاد عن السياسة لدى التحدث مع الطفل هو امر مهم ويجب تجاوزه، وعدم استخدام الفاظ نابية أوالحط من ديانة الاخرين وتوجهاتهم الفكرية او العقائدية او القومية، وفي الوقت نفسه التحدث عن الارهاب امر معقد وفي غاية الحساسية يتطلب الاجابة على اسئلة الطفل بوضوح وبشكل مبسط ، فالوالدان عادة يعرفان طفلهما بشكل جيد وهما الاعرف بكيفية التحدث اليه. ولكن وفي كل الاحوال، يجب طمأنة الطفل دائما أنه ليس في خطر وان هنالك كل الوسائل لحمايته.
اقتراحات في هذا الشأن لابأس ان تقوم المجلات الموجهة الى الاطفال بالتحدث عن موضوع الارهاب بشكل صور كارتونية، لان الصور تعبر اكثر من الكلمات، اويمكن الحديث في المدارس عن هذا الموضوع بشكل مبسط ، وعن طريق عرض صورأو فيديو تتعدد فيه الاسئلة التي يطرحها الاطفال عادة والاجوبة عليها.ويجب مناقشة الاطفال في المدرسة للتعبير عن رأيهم ازاء المستجدات ، ولا بأس من دعوة البوليس الى المدارس للتحدث معهم وسماع آرائهم..
917 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع