د.سامان سوراني
من المعلوم أن من يبحث في بناء دولة حديثة بعيداً عن السلطة الفردية لابد أن يبحث في فلسفة الدولة من زاوية الديمقراطية ويتوقف عند المرجعية الديمقراطية وعناصر الدولة الديمقراطية بالإهتمام بجوانب عدة منها تاريخ الديمقراطية والسلطة الديمقراطية والحرية الديمقراطية والمساواة الديمقراطية. ففلسفة الحكم ما هي إلا فصول من حيرة الإنسان وحكمة الإنسان عبر حكومة الإنسان.
أما فيما يخص دستور الدولة ، فأن الدستور لا يوجد بطريقة تلقائية من ذاته وإنما هناك من يُوجد الدستور أي يقيم الدستور. وبدون شك فإن وجود دستور رصين في أي دولة يعني بناء دولة مؤسسات حقيقية قادرة على إنتاج تنمية فعلية على أرض الواقع وتحافظ على حقوق الإنسان. فالدولة حسب منظّري فلسفة الدولة من الفلاسفة الكبار تؤسس لحماية الناس وحفظ الأمن والسلام بينهم ، فهي إذن بناء متكامل أساسه السلطة ومحوره وحدة هذه السلطة وتوليها. ومسألة العيش معاً في دولة ما لا يقوم بمهامها من يتصدرون واجهة الدفاع عن مذاهبهم وقضاياهم ومعسكراتهم بالعقليات السائدة والأنظمة المتحكمة والمقولات المستهلكة وإنما ينهض بها من یحسّن الاشتغال علی خصوصيته وتحويل هويته لكي ينخرط في بناء عالم مشترك يتيح التعايش والتواصل ، علی نحو سلمي تبادلي في أطر وطنية أو إقليمية أو عالمية.
وفيما يخص دور الزعيم في بناء الدولة يمكن القول بأن القائد التاريخي هو من لايسعی الی الصياح والختى الرنانة لإثارة مشاعر الهیاج لدی الجماهير ومخاطبة عواطفها الساذجة أو الدخول عنوة الی مركز صناعة القرار الهستيري في عصرنا الحديث الذي يجعل الجماهير تحارب طواحين الهواء دون أن تكون هناك معركة. مع ذلك هناك من الزعماء من اختارت طريقاً وَعراً وشاقاً وصعباً رغم المجازفة فيما إذا رفضت الجماهير صوت العقل ، وتململت من الهدوء وضاق صدرها بلغة التسامح المناقضة والمناهضة للهوس الجماهيري في كل مكان وزمان. ومن القلة النادرة من هذا الصنف من الزعاء الماليزي مهاتير محمد ، الذي تمکن من تکوین مستقبل زاهر لبدله ، بعد تحويل دولته الزراعية الی دولة صناعية متقدمة يساهم قطاعي الصناعة والخدمات فيها بنحو ٩٠% من الناتج المحلي الإجمالي. ومنهم الثوري العادل نیلسون ماندیلا ، الذي تمکن بمهارته وإرادته تفكيك إرث نظام الفصل العنصري من خلال التصدي للعنصرية المؤسساتية والفقر وعدم المساواة وتعزيز المصالحة العرقية.
وکوردستان لدیه البيشمرگة الشجاع مسعود بارزاني ، الذي يحاور بفاعليته وبراغماتيته وتجاربه وواقعيته وكاريزميته والتصاقه بالجماهير كافة الأطراف الكوردستانية من أجل خلق لغة الدولة الموحدة ، القادرة علی هدم جدران الكره والعداء و الهادفة الی منع تحويل الإختلافات الإيديولوجية أو الهويات العرقية والدينية الی زنزانات عقائدية أو الی مصانع لإنتاج الفرقة والفتن. منذ سنوات وهذا الزعيم يسعی بأن نخرج نحن من عقلية الثبات والمحافظة ، تلك العقلية التي تنتج التراجع والتبعية ، لنسير نحو منطق التوليد والتحويل بتنشيط العلاقات الدبلوماسية وتفعيل جسور التواصل مع المحيط الاقليمي والدولي ، لأنه يعرف تمام المعرفة بأننا به نرفع شأن ومكانة كوردستان الدولة في المجتمع الدولي ولدی المنظمات العالمية.
مسعود بارزاني القائد يعرف بأن المرحلة التاريخية التي يمر بها إقليم كوردستان تجاوزت طرح أسئلة بسياقها الإجتماعي والسياسي المرهونة بفكر وثقافة فترة النضال المسلح ضد الدكتاتورية والأنظمة الشمولية المستبدة والبائدة ، التي هضمت كافة الحقوق المشروعة لشعب کوردستان ، يعرف بأن هذه المرحلة ناضجة لإعلان دولة كوردستان ، تلك الدولة التي تؤمن بالتسامح والتعايش السلمي وتضمن الحريات الفردية للتعمق في الثقافة السياسية كالدستور والحقوق والواجبات وصلاحية السلطة الی جانب الأمن والغذاء لبروز أسس الوعي السياسي ومحو حالة الإستغفال والتخلف والإتكالية وسياسة التجويع بعد قطع ميزانية الإقلیم لمدة أكثر من سنة ونصف سنة من قبل "الحکومة الشريكة" في بغداد.
إن الدولة المستقلة الحرة المؤمنة بمبادیء الديمقراطية تسهل إنتشار الوعي المجتمعي والسياسي بين أفراد الشعب الكوردستاني وتقلل من التعصب المذهبي أو القبلي أو القومي وتؤدي بالنتيجة الی منع ربط المواطنة بأشخاص أو أحزاب أو قوی تعمل من أجل المصالح الضيقة والأهداف الآنية ، وهذه بدورها تؤدي الی ترسيخ مفهموم المواطنة وتعزيز ثقة المواطن بالقوى الفاعلة وهكذا يخلق التوازن في المجتمع بعد تشريع قوانين عادلة تحقق المصلحة المشتركة للدولة والفرد و يسهل أخيراً عملية الاستعداد النفسي والفكري للالتصاق بالوطن تاريخاً وأرضاً وشعباً وقيماً.
دولة كوردستان المصدر للإستقرار في الشرق الأوسط هي الواقعية الروحية التي يتعين فيها حقوق الأفراد وحرياتهم و واجباتهم ، لذا نراه من المفروض أن تكون عقلانية ، مرتكزة علي العلمانية والمواطنة والديمقراطية ، أي مدنية ومٶسسة علي فصل الدين بالسياسة رافضاً استخدام الدين لتحقيق أهداف سياسية ، وإقحام الدين في عالم المصالح الدنيوية الضيقة ، فالدين في الدولة المدنية ليس أداة للسياسة وتحقيق المصالح.
وستبقی هوية دولة كوردستان المعاصرة انعكاساً ودليلاً علي قدرة أبنائها علي الإبداع والتقدم والانفتاح علي العالم وثقافاته وعلومه وليس العودة إلي الوراء. فالجهاز الإداري تسعی الی الخضوع لقانون موحد والمؤسسة العسكرية أو الجيش هي مؤسسة ديمقراطية.
أما البيشمرگه الإبطال المحاربين لداعش والعقل الإرهابي السلفي دافعاً عن دولة كوردستان أو تراب الوطن فهم أحسن دلیل علی تجسيد "الحس الوطني" لدی الكورد الساعي الی بناء دولة.
وختاماً: الإنسان لا يولد مواطناً، بل هو يتربى على المواطنة وإن أفضل دولة هي تلك التي يقضي فيها الناس حياتهم في وئام و تبقى فيها القوانين محفوظة من كل تجاوز.
الدکتور سامان سوراني
1078 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع