رسائل هادفة لمعالجة قضايا عراقية ساخنة/ح25
الدور الإيجابي للتحالف الكردي في تشكيل الحكومة
لقد تميز الأكراد منذ عقود من الزمن نأيهم بأنفسهم عن أي نهج طائفي، وقد تبدى ذلك أكثر وضوحا بعد آذار 2003 عندما أشاعت الأحزاب الدينية وخاصة الشيعية منها المنهج الطائفي في استقطاب المواطنين وتحشيدهم للثأر والكسب الانتخابي على حساب ثقافة المواطنة ذات الصلة بالعراق أرضاً وشعباً وتاريخاً وحضارة، من خلال تجنيد كافة وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقـرؤة، فضلاً عن استثمـارٍ مُبالغٍ فيه للمناسبات الدينية لزيادة الحشد والشحن الطائفي، والأدهى من كل ذلك ديباجـة الدستور التي وصفهـا المحللون "بالبكائية" عند تضمينها النص التالي "... مستذكرين مواجع القمع الطائفي ومستوحيـن ظلامة استباحة المدن المقدسة والجنوب .... ومكتوين بلظى شجن المقابر الجماعية والأهوار والدجيل وغيرها ..." على خلاف حكمة القيادة الكردية بتعميم ثقافة الصفح والمصالحة.
لقد استغل تفجير المرقدين العسكريين في سامراء بإشاعة ثقافة العنف الطائفي الذي أسفر عن حرق وتدمير عشرات المساجد، وقتل عشرات الألوف ورمي جثثهم في الشوارع وتهجير مئات الألوف للأعوام 2005 و 2006 و2007 في أكبر ملحمة طائفية يندى لها جبين الإنسانية عموماً والإسلام خصوصاً.
نظراً لتعفف الكرد عن كل تلك الممارسات التي شحنت العلاقة سواءً بين العرب السنة والشيعة قاد إلى التخندق الطائفي لسنوات، حتى جاءت انتخابات آذار 2010 التي غادر فيها المكون السني الاصطفاف الطائفي وانتخبوا القائمة العراقية التي يرأسها الدكتور إياد علاوي الشيعي المذهب في محاولة واعية لمغادرة الثقافة الطائفية والعودة إلى ثقافة المواطنة العراقية، فضلاً عن تضمين القوائم الانتخابية الأخرى مثل إئتلاف دول القانون والائتلاف الوطني العراقي والتوافق ووحدة العراق، حملاتها الانتخابية شعار الوطنية ونبذ الطائفية والمحاصصة المقيتة إدراكاً منها أن عموم الشعب العراقي رافضاً تلك الثقافة، ومؤكداً على الوحدة الوطنية بين العراقيين كافة.
إن هذا النهج الذي رفعته القوائم المتنافسة في الانتخابات كان مسوغاً للأكراد استثماره في تقريب وجهات النظر بين القوائم الفائزة وطرح منهاج محايد موضوعي يؤكد على المواطنة العراقية بعيداً عن الاصطفافات الطائفية، وأن المعيار لتبوأ المسؤولية في السلطة الخادمة وليس السلطة الحاكمة هو نوع البرامج للكيانات السياسية الأقدر على تقديم أفضل الخدمات للمواطنين، مقارنة بما تم تقديمه خلال السنوات الأربع لحكومة نوري المالكي في مواجهة صريحة وجريئة للإخفاقات التي شهدتها المرحلة الماضية وخاصة التفرد بالسلطة وإلغاء المشاركة الفعلية في كافة القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية مع كافة الكيانات السياسية المساهمة في الحكومة صورياً وليس فعلياً.
إن منهج الكرد اتسم عملياً وفعلياً ببعدهم عن الطائفية وعليه فهم مطالبين بحكم مسؤوليتهم الوطنية ممارسة دور التوفيق بين الأطراف في تشكيل حكومة شراكة وطنية على مستوى القرارات وعلى مستوى المسؤوليات والسعي الجدي لتوزيع الصلاحيات بين رئاسة الجمهورية ورئاسية مجلس الوزراء لتحاشي التفرد بالقرارات، فضلاً عن إصلاح مجلس القضاء الأعلى وإناطة مسؤوليته إلى قضاة محايدين غير مسيسيين بعد أن ثبـت بالممارسة الأكيدة تسييس قراراته لصالح حزب معين ساهم في تفرده بالسلطـة، وكذا الحـال بالنسبة لكافة الوزارات وخاصـة السيادية منهـا وعلى رأسها وزارتي الدفاع والداخلية والأمن الوطني والمخابرات.
ولتحقيق ما تقدم فإن القيادة الكردية يمكنهم تقديم مشروع مؤسس على نصوص الدستور من أجل إرساء آليات التداول السلمي للسلطة والتمثيل الفعلي للمكونات العراقية في المشاركة في الحكم والمسؤولية وتجنيب البلاد صور جديدة للدكتاتورية تحت ذرائع الأغلبية والأقلية، لأن مفهوم الأغلبية (الصورية التي يدعيها المكون الشيعي بسبب أسلوب قياداتهم ومرجعياتهم باعتماد الحشد الجمعي غير القائم على الوعي الحقيقي بأهمية وفاعلية البرامج المدعى بتطبيقها والتي لم يلمس المواطنون العراقيون من كافة الكيانات أية مكاسب ذات قيمة أمنية أو خدمية أو عدالة ومساواة في المعاملة ..." إن مفهوم الأغلبية لا يعني البند المصادرة على باقي حقوق العراقيين، وتؤكد كافة الدراسات البحثية والميدانية أن تغييب العدل وهضم الحقوق للمواطنين يستحيل معه تحقيق أي استقرار في البلاد مهما طال الزمن، وتأسيساً على ذلك تؤكد تجارب الدول والشعوب استحالة تحقيق أية تنمية أو بناء أو إعمار بدون أمن ولذلك أكدت الدراسات "أن التنمية بلا أمن لا أمن بلا تنمية".
خلاصة القول إن الأكراد معنيين بأدوار إيجابية لإتهامهم من مثقفي العراق بالسلبية والتفرج على ما تؤول له الصراعات بين الكفايات السياسية العربية (السنية والشيعية) لأنهم يتمتعون بمقبولية لدى الجميع بفعل حياديتهم، ولكنها يجب أن تكون حيادية إيجابية تتسم بالانتصار للموقف العادل وعلى وفق المحاور الآتية:
المحور الأول – التفسير المسيس للمادة 76 من الدستور
لقد اتسم تفسير المحكمة الاتحادية للمادة (76) من الدستور بعدم الدقة لأن أوله ينقض آخره عندما فسرت المادة (76) "أن تعبير الكتلة النيابية الأكثر عدداً يعني إما الكتلة التي تكونت بعد الانتخابات من خلال قائمة انتخابية واحدة، دخلت الانتخابات باسم ورقم معينيين وحازت على العدد الأكثر من المقاعد، أو الكتلة التي تجمعت من قائمتين أو أكثر من القوائم الانتخابية التي دخلت الانتخابات بأسماء وأرقام مختلفة ثم تكتلت في كتلة واحدة ذات كيان واحد في مجلس النواب أيهما أكثر عدداً ...".
يتأكد من التفسير المقدم بأنه متناقض ولا يوجد رأي قضائي وعلى مستوى أعلى محكمة في البلاد تطرح رأيين متناقضين في بيان واحد، فضلاً من أن التفسير اتخذ صيغة "البيان" مما يعني انه ليس قراراً من المحكمة الاتحادية حتى يمكن التذرع بأحكام المادة (94) من أن "قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة".
من هنا كان للأكراد الموقف الجاد والإيجابي للوقوف مع الحق والدستور والانتصار لجوهر نص المادة (76) من أن القائمة الفائزة الأكثر عدداً في الانتخابات وليس التي تشكل لاحقاً، خاصة وأن الأعمال التحضيرية لتشريع المادة (76) عند كتابة الدستور أكدت هذا الاتجاه أثناء النقاشات في حينه والتي أكدها لاحقاً همام حمودي رئيس لجنة كتابة الدستور ومقرر اللجنة بهاء الدين الأعرجي الذي أكد بأنه يحتفظ بمحاضر جلسات مناقشات هذه المادة وغيرها .... وعند ذلك كان قد حُسم الأمر ولأقنع دولة القانون التمسك ببينات مجلس القضاء الأعلى الذي لا يعد قراراً موجباً الالتزام به ... ولأمكن اختزال وقت تشكيل الحكومة وتجنيب البلاد هذا الفراغ الدستوري الحقيقي حيث لا تمنح الحكومة ولا رئيس الجمهورية بأية سلطات دستورية، وكانت سبباً وراء التداعيات الأمنية التي تعصف بالبلاد...
المحور الثاني – منع التفرد في قرارات مجلس الوزراء
لتفعيل المادة (78) من الدستور على وفق العناصر الآتية:
العنصر الأول - رئيس مجلس الوزراء هو المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة بما يوجب تفعيل القاعدة الفقهية الإدارية التي تقرر "تلازم السلطة – مع المسؤولية تلازماً لا انفكاك بينهما" بمعنى أن رئيس مجلس الوزراء مسؤول مسؤولية كاملة عن ممارسة حكومته في كافة الميادين إعمالاً لمبدأ فقهي إداري عالمي "تفوض الصلاحيات ولا تفوض المسؤوليات". وبناءاً عليه فإن ادعاء رئيس مجلس الوزراء بأن التقصير من مسؤولية الوزراء لا يشفع عذراً لدفع المسؤولية عن نفسه، وبالتالي يجب تقنيين هذه المبادئ بقانون من مجلس النواب.
العنصر الثاني - رئيس مجلس الوزراء هو القائد العام للقوات المسلحة
يجب تقنين أن منصب القائد العام للقوات المسلحة في الدول التي تدعي الديمقراطية لا يعني انه الآمر الناهي في كل ما يتعلق بنشاط تلك القوات، وإنما هو ملزم بآراء واستشارات وخبرات رئاسة أركان الجيش التي تنطوي تحت لوائها قيادات القوات البرية والجوية والبحرية باعتبارها هي الجهة الخبيرة بشؤون القوات المسلحة اختياراً وتأهيلاً وتدريباً وتسليحاً وسوقاً، ولذلك فإن الرئيس السياسي (رئيس مجلس الوزراء) يطلب من رئاسة أركان الجيش الرأي والمشورة وعند اتخاذ القرار باستخدام القوات المسلحة لتنفيذ واجب معين فإن المسؤول السياسي (رئيس مجلس الوزراء) لا يتدخل في سوق القوات، بمعنى ليس من اختصاصه ومسؤوليته تحديد حجم القوات ونوعها وطريقة تنفيذها للواجب وزمانه ومكانه، كما أن ليس للرئيس السياسي (رئيس مجلس الوزراء) أن يصادر على صلاحيات وسلطات رئاسة الأركان ولا قيادات الفرق وبقية التشكيلات لأنها من الاختصاصات الحصرية لرئيس مجلس الوزراء وفقاً لمبدأ تقسيم وتفريع الاختصاص الذي تميز به الربع الأخير من القرن الماضي.
العنصر الثالث - رئيس مجلس الوزراء يقوم بإدارة مجلس الوزراء ويترأس اجتماعاته
لقد ورد النص صريحاً جداً لا يقبل اللبس أو التأويل فليست هناك أية صلاحيات أو سلطات حصرية لشخص رئيس مجلس الوزراء، وإنما وظيفته هي "يقوم بإدارة مجلس الوزراء ويترأس اجتماعاته" بما يفيد أن أي مشروع يجب طرحه أمام كافة الوزراء أثناء انعقاد جلستهم الاعتيادية أو الاستثنائية، وبعد دراسته من الوزراء كافة كل على انفراد واستطلاع رأي مستشاريهم وملاكاتهم المتخصصة يبدي كل وزير رأيه الواضح والصريح بلا مجاملة أو مواربة مقروناً بتعليل واضح لرأيه الذي يجب أن يكون مكتوباً وأن يتضمن نصه محضر جلسة مجلس الوزراء، فضلاً عن وجوب توثيقه جلسات ومناقشات مجلس الوزراء بالصوت والصورة، خاصة أن تجربة اجتماعات مجلس الوزراء للسنوات الماضية منذ 2003 إلى الآن أكدت أن رئيس مجلس الوزراء في الحكومات الثلاث (علاوي وجعفري ومالكي) كان هو صاحب القرار الوحيد ولم نسمع أو نقرأ أية معارضة من أي وزير على قرارات مجلس الوزراء رغم ما فيها من تفرد بالسلطات وخروجاً فضاً على أحكام الدستور والقوانين النافذة، وخاصة في الجوانب الأمنية ذات الصلة بالاعتقالات المنهجية الجماعية والتصفيات الجسدية، وكذلك الجوانب المالية وشيوع إغلاق الوزارات والهيئات على عناصر الحزب الحاكم، والإلغاء الكلي لصلاحيات قادة الجيش والأجهزة الأمنية وإلزامهم بالتنفيذ القسري وغير القانوني للأوامر من ما يسمى مكتب القائد العام للقوات المسلحة التي شكى منها رئيس أركان الجيش وتسعة من القيادة العامة وهددوا بالاستقالة، ولكن ليس هناك من مستعد لخسارة المغانم الهائلة التي توفرها المناصب القيادية لهؤلاء القادة للأسف الشديد.
العنصر الرابع ـ رئيس مجلس الوزراء ... له الحق بإقالة الوزراء بموافقة مجلس النواب
رغم أن هذا النص يوفر أكبر حصانة للوزراء للانطلاق بممارسة سلطاتهم في تحقيق أهداف وزاراتهم، ويعلق سلطات رئيس مجلس الوزراء على إقالة أي وزير إلا بموافقة مجلس النواب الذي بالتأكيد لن يوافق على طلب الإقالة ما لم تكن الأسباب المعروضة على درجة من التوثق والخطورة تستدعي إجابته لطلبه تحقيقاً للمصلحة العامة، ولكن للأسف الشديد لم نلمس على مدى الوزارات الثلاثة الماضية موقفاً واحداً من أي وزير اتسم بالاعتراض على أي مشروع مقدم من مكتب رئيس مجلس الوزراء، ومن غير المعقول أن تكون كل تلك الخروقات التي مورست خلال السنوات المنصرمة بموافقة إجماع الوزراء كافة!! وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عدم صلاحية هؤلاء الوزراء وافتقادهم للكفاءة والنزاهة والشجاعة وقبولهم صيغ المساومة عند الحاجة أو الخلاف بالرأي...!.
إذاً لابد من تقنين ذلك بوضوح ودقة من خلال تفعيل المادة (85) من الدستور التي تنص على "يضع مجلس الوزراء نظاماً داخلياً لتنظيم سير العمل به" وكذلك المادة (86) منه ونحن نقول إن تشريع النظام يكون تحت سلطة وتصرف رئيس مجلس الوزراء أن يشرعه على هواه أو يعدله متى شاء والأضمن أن يشرع مجلس النواب على الفور "قانوناً دقيقاً ومفصلاً يحدد فيه آليات وسلطات رئيس مجلس الوزراء ويحدد وظائف الوزارات واختصاصاتها وصلاحيات الوزراء والأمانة العامة والاستشاريين وتقنين الهيكل التنظيمي لها جميعاً منعاً للتعيينات المبالغ فيها والتي استنزفت خزينة الدولة وصارت مرتعاً للمحسوبية والمنسوبية والحزبية وكسب الولاءات الشخصية على حساب الصالح العام دون مراعاة أو تحديد لمعدلات الأداء اليومي النوعي الذي يجب أن يستغرق ساعات الدوام الرسمي، ويحقق إنجازاً فعلياً للمهمات التي تستلزمها طبيعة العمل المنوط به.
العنصر الخامس ـ المسؤولية التضامنية لمجلس الوزراء
نصت المادة (83) من الدستور على (تكون مسؤولية مجلس الوزراء والوزراء أمام مجلس النواب تضامنية وشخصية) إن هذا النص يقطع كل شك بأن كافة القرارات التي تصدر من مجلس الوزراء يتحمل مسؤوليتها كافة الوزراء مع رئيس مجلس الوزراء، ولا يستطيع أحد من الوزراء التنصل من هذه المسؤولية بحكم النص الذي أكد أنها "تضامنية" ولذلك فإن النص أضاف كلمة "شخصية" للتأكيد على أن الوزير الذي يرى المشروع المقدم للمناقشة لا يحقق المصلحة العامة فعليه أن يعترض عليه مُعللاً ويثبت اعتراضه في محضر الجلسة ولا يصوت عليه بالموافقة ليدرأ عند المسائلة أمام مجلس النواب عند ممارسة دوره الرقابي على أعمال مجلس الوزراء، ولذلك فقد قطـع الطريـق علـى أي وزيـر يدعي انصياعه اضطراراً لأمر رئيس مجلس الوزراء ....
وعليه يجب تضمين قانون مجلس الوزراء بما يكفل تفعيل هذه المادة بشيء من التفصيل والنص صراحة على مبدأ قانوني عالمي "طاعة القانون أولى من طاعة الرئيس".
المحور الثالث ـ حقيقة الفراغ الدستوري
لقد تحسب الدستور لمنع حصول فراع دستوري في البلاد عندما نص بالمادة (56/ثانياً) على "يجري انتخاب مجلس النواب الجديد قبل خمسة وأربعين يوماً من تاريخ انتهاء الدورة الانتخابية السابقة" وأكد بالمادة (54) منه على [يدعو رئيس الجمهورية مجلس النواب للانعقاد بمرسوم جمهوري خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ المصادقة على نتائج الانتخابات العامة، وتعقد الجلسة برئاسة أكبر الأعضاء سناً لانتخاب رئيس المجلس ونائبه، ولا يجوز التمديد لأكثر من المدة المذكورة آنفاً].
ولكن تأخير موعد الانتخابات إلى 7/3/2010 يعد بحد ذاته خرقاً دستورياً فاضحاً لأن الموعد الذي يتفق مع منطوق المادة (54) أي قبل خمسة وأربعين يوماً من تاريخ انتهاء الدورة الانتخابية كان يجب أن يكون 1/2/2010، ثم أن تأخير إظهار النتائج بذرائع سياسية مقصودة، وتأخير مصادقة المحكمة الاتحادية كلها خروقات دستورية صارخة ...
ومع كل ما تقدم فأنه لا مناص من تفعيل المادة (64 / ثانياً) من الدستور التي نصت على "... عند حل مجلس النواب ... يعد مجلس الوزراء في هذه الحالة مستقيلاً ويواصل تصريف الأمور اليومية" استدلالاً بأحكام المادة (56/أولاً) التي نصت على "تكون مدة الدورة الانتخابية لمجلس النواب أربع سنوات تقويمية تبدأ بأول جلسة له، وتنتهي بنهاية السنة الرابعة" وعليه فأن يوم 14/3/2010 يعد آخر يوم من عمر مجلس النواب، ويمثل حلاً لمهماته مما يستنتج اعتبار مجلس الوزراء مستقيلاًً بحكم الدستور وتنحصر سلطاته بتصريف الأمور اليومية. وهي حالة استثنائية وطارئة ويجب أن تكون بمدة قصيرة جداً، وليس كما هو عليه الحالة تستمر خمسة أشهر وإلى أجل غير محدد، وكافة الوزارات والمؤسسات مشلولة في أداء مهماتها، وخاصة القوات المسلحة بمؤسستيها الدفاعية والأمنية حيث ينتظر القادة والمسؤولية مصيرهم في التشكيلة الجديدة للحكومة "العتيدة".
حقيقة كان مثقفوا العراق يأملون من الأكراد وخاصة السيد رئيس الجمهورية جلال الطالباني والسيد مسعود البارزاني لما يتمتعا به من تاريخ وطني وقيمة اعتبارية في البلاد واحترام من لدن الجميع أن يتدخلوا بقوة لمنع الفراغ الدستوري، والإفصاح عن جهودهما عبر وسائل الإعلام ليطلع العراقيون على مساعيهم الوطنية الخيرة ...
المحور الرابع ـ رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن
لقد نصت المادة (67) من الدستور بأن "رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ..." وعناصر الدولة في كافة دساتير العالم هي "وطن وشعب وسيادة" إذن الدستور خص رئيس الجمهورية دون غيره بأن الرئيس الفعلي لعناصر الدولة الثلاثة، وعزز هذا المعنى بالمادة (66) منه عندما نص على "تتكون السلطة التنفيذية الاتحادية من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء ..." وهنا أكد الدستور مرة أخرى شخصية ومنصب رئيس الجمهورية ولم يذكر النص شخص ومنصب رئيس مجلس الوزراء، وإنما السلطة التنفيذية تتكون من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء باجمعه، وزادت المادة (67) من الدستور على ذلك بالنص على مقام رئيس الجمهورية بقولها "هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن يمثل سيادة البلاد، ويسهر على ضمان الالتزام بالدستور، والمحافظة على استقلال العراق، وسيادته، ووحدته، وسلامة أراضيه، وفقاً لأحكام الدستور".
إذاً الدستور علق مسؤولية كل عناصر الدولة المتمثلة بالوطن والشعب والسيادة برئيس الجمهورية فكان المأمول من السيد رئيس الجمهورية تحويل هذه المفردات الكبيرة جداً إلى آليات عمل تمثل صمام أمان يمنع أية خروقات من رئيس مجلس الوزراء أو غيره لأحكام الدستور ويتم تفصيل ذلك عبر وسائل الإعلام التي توفر التفاف الشعب العراقي باعتباره مصدر السلطات حول رئيس الجمهورية المنسجمة طروحاته بتنفيذ أحكام المادة المذكورة التي عهدت أمانة تنفيذها له، وتفعيل هذا النهج يستند إلى أحكام المادة (73/ عاشراً) التي نصت على "يتولى رئيس الجمهورية ممارسة أية صلاحيات رئاسية أخرى واردة في الدستور".
المحور الخامس ـ القوات المسلحة والأجهزة لكل العراق
تفعيل المادة (9/ أولاً /أ) من الدستور بأن "تتكون القوات المسلحة العراقية والأجهزة من مكونات الشعب العراقي، بما يراعي توازنها وتماثلها دون تمييز أو إقصاء ... ".
مما يستدعي إجراء مسح دقيق لكافة وحدات الجيش والأجهزة الأمنية من القيادة إلى القاعدة لتفعيل منطوق النص الدستوري، ومنع استئثار مكون واحد أو حزب واحد على قيادات وعناصر هذه الأجهزة لما تمتلكه من قوة مادية تمكنها من قهر إرادة بقية المكونات وهو ما وجد ضده في عديد من الاعتقالات والتصفيات والتحكم بالسلطة بالقوة...
كما أوجب الدستور صراحة بالقوة المسلحة والأجهزة الأمنية يجب أن "لا تكون أداة لقمع الشعب العرقي" ولكن الحقيقة غير ذلك على الأرض فقد شهدت السنوات السبعة المنصرمة قمعاً مفرطاً للشعب العراقي تحت ذرائع مكافحة الإرهاب، ثم أكد النص الدستوري القوات المسلحة والأجهزة الأمنية "لا تتدخل في الشؤون السياسية" والكل يعلم إنها كانت العصا الغليظة بيد رئيس الحكومة (رئيس مجلس الوزراء) نوري المالكي ضد الكيانات السياسية الأخرى، وعلى أن لا يكون لها دور في تداول السلطة، وقد لوح رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي أكثر من مرة باستخدام القوات المسلحة باعتباره قائداً عاماً لها...
لقد أدرت الدستور خطورة تشكيل أو تواجد قوات مسلحة خارج أطار الجيش والأجهزة الأمنية ولذلك كان موفقاً تماماً عندما نص صراحة وبشكل مبكر منذ عام 2005 عند تشريع الدستور بالمادة (9/ب) "يحظر تكوين ميلشيات عسكرية ..." مما كان يستدعي من كل القوى السياسية تفعيل هذا النص وحل كافة المليشيات المعروفة لجميع العراقيين والتي عاشت في الأرض فساداً ومصادرة أسلحتها وسَوق عناصرها إلى المحاكم لينالوا جزائهم العادل ....
المحور السادس ـ تقنين واجبات الجيش والأجهزة الأمنية
منعاً لاستغلال الحكام سلطاتهم واستخدام القوات المسلحة بمؤسسيتها الدفاعية والأمنية خارج الواجبات الطبيعية لتلك القوات، يتوجب تفعيل المادة (84/أولاً) من الدستور التي نصت على "ينظم بقانون عمل الأجهزة الأمنية وجهاز المخابرات الوطنية، وتحدد واجباتها وصلاحياتها، وتعمل وفقاً لمبادئ حقوق الإنسان وتخضع لرقابة مجلس النواب".
ولعدم تضمين النص الدستوري تنظيم عمل الجيش بقانون أوجدت ضرورياً وملحاً شموله بالقانون ليتسنى إلزام تلك الأجهزة بالمهمات الموكولة إليها والتي يجب بالتأكيد أن تكون خدمة للشعب والوطن وليست سيفاً مسلطاً عليه، وأداة ظالمة بيد الحاكم، ويجب النص صراحة في صلب القانون على مبدأ عالمي "طاعة القانون أولى من طاعة الرئيس" فعندما لا يكون الأمر الصادر مستوفياً للشروط الشكلية والموضوعية للأمر القانوني على المرؤوس الامتناع على تنفيذه بعد معاناة العراقيين على مر السنين من تنفيذ أعمى لأوامر الحكام، والتأكيد على المسؤولية الجزائية لهؤلاء المرؤسين في حالة تنفيذ الأوامر المخالفة للقانون، لأن الأصل أن الحاكم يستمد سلطاته من القانون والأخير مصدره الشعب...
والله من وراء القصد لخدمة وطننا العزيز
الفريق الركن الدكتور
عبد العزيز عبد الرحمن المفتي
للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة..
http://www.algardenia.com/maqalat/16500-2015-05-07-10-32-43.html
3336 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع