زينب حفني
لا أعرف إن كان يحق لي أن أضحك أم أشفق على الخبر الذي نقلته وكالة أنباء كوريا الجنوبيّة! وهو يتضمن قيام زعيم كوريا الشماليّة «كيم جونج أون»، بإعدام وزير دفاعه هيون يونج في ساحة عامة بمدفع مضاد للطائرات، والسبب اتهامه بالخيانة بعد أن تجرّأ على النوم أثناء عرض عسكري كان يحضره الزعيم الكوري.
النوم سلطان ولكن المسكين شاء حظّه العثر أن يقع نظر الزعيم الكوري الشمالي عليه وهو على هذا الوضع! وهذه ليست الحادثة الأولى التي يقوم بها رئيس كوريا الشمالية بتصرّف أقل ما يُقال عنه بأنه الأقرب للجنون! فالرجل أعدم في وقت سابق زوج عمّته بعد أن اتهمه بالخيانة العظمى، وأمر بإلقائه في قفص وسط كلاب متوحشة تمَّ تجويعها، وجلس يُشاهد كيف قامت بنهش والتهام جسده، ثم ذهب بعدها وبكل هدوء إلى عمّته ليقدّم واجب العزاء فيه!
الحمد لله أن هذا التصرّف العفوي من البعض لا تتم محاسبة مسؤولينا عليه، وإلا وجدنا الإعدامات تحدث كل يوم ببلداننا العربيّة، حيث تنقل لنا عدسات المصورين كيف يغطُّ بعض النواب في النوم أثناء المناقشات الحامية التي تُجرى في قاعات البرلمانات، وإنْ وصلت إلى حد الصراخ ورمي بعضهم البعض بالأقلام وطفايات السجائر!
كلمة حق تُقال! ما فعله زعيم كوريا الشمالية ليس بجديد! والحكام المجانين لم يخل منهم تاريخ الإنسانيّة! وهناك أفعال يندى لها الجبين قام بها بعضهم! وقد كان من أشهر هؤلاء في التاريخ القديم الإمبراطور نيرون الذي كان مريضاً بجنون العظمة ولديه هوس بالقتل. ويُقال إنه قام بقتل أمّه وأخيه وزوجته، كما قام بحرق روما عن آخرها متسبباً في ضياع أثمن الآثار الرومانيّة القديمة، ليقوم بعدها بقتل نفسه، وهو في الثانية والثلاثين من العمر.
نحن لسنا خالين من أمثال هؤلاء! فتاريخنا العربي يعجُّ بالحكام المجانين والسلاطين المستبدين! وفي القائمة أسماء مشهورة أبتليت بها أوطاننا وساهمت في خرابها وإفقار شعوبها في الماضي البعيد والقريب! ففي العهد الفاطمي، كان الحاكم بأمر الله الفاطمي الذي حكم مصر في سن لم يتجاوز الحادية عشرة، يقوم من وقت إلى آخر بإصدار قرارات عجيبة للشعب، من أهمها تحريم أكل الملوخيّة والجرجير على الناس. كما أمرهم أن يعملوا ليلاً ويستريحوا نهاراً. ومنع النساء من الخروج، وأمرهن بالتزام بيوتهن. كما منع صلاة التراويح لمدة عشر سنوات ثم عاد فأباحها. ومن أكبر جرائمه قيامه بقتل معلمه برجوان الذي رباه، بسبب تسميته له في صغره بـ (الوزغة)! كما قام بقتل آلاف من المقربين منه، حيث كان يُعلّي رتبهم لوزراء ثم يأمر بقتلهم.
الحروب والويلات التي وقعت في الأمس وما زالت تحدث اليوم بالعالم لم تحدث من فراغ أو صدفة! بل كان وراءها إمّا رئيس أخذته العظمة معتقداً بأنه يستطيع امتلاك العالم مثل هتلر، فسقط سقوطاً مروّعاً، وإما حاكم مستبد حكم بلاده بالحديد والنار، معتقداً بأن القمع وخرس الألسن وإخماد الأصوات المعارضة له، هي التي ستضمن بقاءه أبد الدهر على كرسي السلطة، فثار عليه شعبه بين ليلة وضحاها وهدم المعبد فوق رأسه!
التاريخ لا يرحم، ومن مميزاته أنه يقوم بتوثيق عهود الحكام كل واحد على حدة بالقلم والصورة، ومن رغب من الرؤساء استخدام وسيلة البطش، سيُكتب تاريخه بعد رحيله بحبر أسود، وسيبصق شعبه على عهده كلما مرّت حروف اسمه من أمامه. وأمّا من جعل شعار العدل سمة حكمه، سيُكتب اسمه بحروف من ذهب، وسيسمع عند قبره صبيحة كل يوم أصوات شعبه تترحّم على عهده المنصف.
1041 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع