د. منار الشوربجي
يبدو أن هناك قوى يمينية في أميركا لا تريد بوش الابن مرشحاً للحزب الجمهوري في انتخابات 2016، ولكنها لا ترفض بالضرورة توليه الرئاسة في انتخابات رئاسية تالية! فقد كانت مدهشة تلك الحملة التي شنها اليمين الأميركي الأسبوع الماضي على جيب بوش.
فهي من قبيل الأنباء التي يدرجها علماء الصحافة تحت عنوان «شخص يعض كلباً». فالطبيعي أن يشن الليبراليون الأميركيون هجوماً على بوش، المحافظ. لكن حين يأتي الهجوم الأكثر ضراوة من اليمين على سياسي له سجل يؤكد أنه محافظ بامتياز، يصبح الأمر لافتاً. ورغم أن تلك ليست المرة الأولى التي تهاجم فيها قوى يمينية جيب بوش، إلا أن المفاجأة هذه المرة تتعلق بالموضوع لا بالهجوم نفسه.
فجيب بوش كان خلال مقابلة أجرتها معه شبكة فوكس نيوز، سئل فيها عما إذا كان سيتخذ قراراً بغزو العراق، «لو أنك تعرف ما نعرفه الآن» بخصوص زيف التقارير الاستخباراتية حول أسلحة الدمار الشامل، أجاب بأنه كان سيتخذ قرار الغزو «وهيلاري كانت ستتخذ القرار نفسه بالمناسبة».
وقد هاجم الديمقراطيون بوش. لكن المفاجأة كانت في الحملة الشرسة التي شنها عليه ليس فقط منافسوه على منصب الرئاسة وإنما رموز يمينية سياسية وإعلامية، حتى اضطر الرجل لتغيير موقفه قائلاً إنه أساء فهم السؤال، وليؤكد صراحة أنه «بعد ما عرفناه الآن، لم أكن لأغزو» العراق.
والحملة على بوش بخصوص العراق مثيرة للاهتمام لأن مقولة جيب بوش التي تعرضت للهجوم لا يزال الكثير من رموز الحزب المعتبرين من ديك تشيني وكوندوليزا رايس، لأغلب المحافظين الجدد يرددونها قائلين إن غزو العراق كان «حربا لابد من خوضها».
ثم أن منافسي بوش على الرئاسة الذين هاجموه يرددون مقولات تعتبر أوباما «ضعيفا» في صيانة الأمن الأميركي، وتؤكد على ضرورة استخدام القوة العسكرية الأميركية في الخارج بخطاب مماثل للذي استخدم قبل غزو العراق. وما يضيف لغرابة الموقف أن الهجوم السابق من جانب قوى اليمين ارتبط دوما باتهام جيب بوش بأنه «ليس يمينيا بالقدر الكافي»، بينما موقفه الذى هوجم عليه هذه المرة موغل في يمينيته.
والحقيقة أن جيب بوش له سجل سياسي كحاكم لولاية فلوريدا يؤكد بشكل واضح أنه لا يمكن اتهامه بأنه ليس يمينياً. فهو يمثل نموذجاً واضحاً للمواقف المحافظة. وفي السياسة الخارجية، اختار الرجل بول ولفوويتز ليكون مستشاراً له وهو من أعتى صقور المحافظين الجدد الذين كانوا مسؤولين عن الحروب الأميركية في عهد أخيه، الأمر الذى يظهر بوضوح أن مقولة «ليس يمينياً» تلك هي من باب الدعاية الانتخابية الهادفة لإلصاق صفة بعينها بمرشح ما لينصرف قطاع من الناخبين عنه.
القوى اليمينية التي تريد إزاحة بوش لا تؤمن هي نفسها بأنه ليس يمينياً بالقدر الكافي، إنما هي قوى تسعى لفوز الجمهوريين بالبيت الأبيض في 2016 بأي ثمن وتجد في جيب بوش ما يعرقل هذا الهدف. فهذه القوى اعتبرت أن هيلاري كلينتون ستكون لا محالة مرشحة الحزب الديمقراطي، وتجد أن بوش لن يفلح في هزيمتها ومن ثم تريد إزاحته من الحلبة. وبعض كلمات المهاجمين لبوش على موقفه من العراق تشي بذلك. فالكاتب بايرون يورك الذي هاجم بوش بشدة قال مثلاً «إذا أصر (يقصد جيب بوش) على موقفه، فسيمثل ذلك خطوة للوراء للحزب الجمهوري.... ولو صار مرشح الحزب، فسيظل هذا الموقف يلاحقه فى الانتخابات».
وتلك القوى ترى أن هزيمة هيلاري ممكنة عبر إلصاق أمور بعينها واتهامات لها، ولكن تلك الأمور سيصعب استخدامها لو أن جيب بوش هو مرشح الحزب الجمهوري. فإذا كان جيب بوش، ابناً وأخاً لرئيسين سابقين وصاحب الآلة الانتخابية الضخمة، هو مرشح الجمهوريين سيستحيل إدارة حملة ضد هيلاري تركّز على أنها كرئيسة ستكون «نسخة من زوجها»، أو أنها «تمثل النخبة المالية» التي لا تشعر بالمواطن. وسيصعب أيضاً إدارة حملة تعبئ قاعدة الحزب الجمهوري لو أن «بوش» هو المرشح. وسيصعب، كما قالت مجلة أتلانتك، «خلق حالة نسيان» بخصوص كوارث بوش، وإدارة حملة تتهم أوباما ومن ثم هيلاري، بالفشل الخارجي.
إذن، الهجوم اليميني على جيب بوش هدفه أن لا يكون هو المنافس لهيلاري. وهو ما يحمل مفارقة طريفة. فالهجوم يفترض أن هيلاري ستكون، لا محالة، مرشحة الحزب الديمقراطي، كما كان الافتراض قائماً في مثل هذا التوقيت قبل عام من انتخابات 2008، ثم هزمها أوباما في الانتخابات التمهيدية وصار هو مرشح الحزب.
1033 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع