علي السوداني
ثمة عياطٌ عالٍ يمطر على أيام الناس ولياليهم من شاشة التلفزيون ومن ثقب المذياع .
ألمذيع يعيّط ومثله الضيف ومثلهما المعقِّب . زخّات ضخمة من الأنباء والشائعات والصور ، تتلف أمخاخ النظارة والقارئين والمنصتين . لا خبرَ يقيناً ولا شرائطَ ثقةً ولا وقوعاً رحيماً فوق أُسّ الجرح . ليس من صمّامات أمانٍ ولا من سواتر وعيٍ تسدُّ مسدَّ أكياس الرمل التي بمقدورها صدَّ طلقات الخديعة . فوق الأرصفة الغبراء وفي محابس أكشاك الكتب ، تترمّل جرائدُ الورق وتكفهرّ وترفرف بعنواناتها النائحة ، كما لو أنها تعيد انتاج طقطوقة وردة الجزائرية : اشتروني واشتروا خاطر عيوني ريّحوني ، فلا من يشتري ولا من يقرأ سوى كمشة عجائز يتأبّطون الصحيفة وييمّمون عيونهم وقلوبهم شطر مقهى الرصيف ، وموعد ما زال يسري بالدم ، مع رشفات بطيئات من فنجان قهوة ، وشفطة مرتعشة من مؤخرة سيجارة .
ثمَّ جاء على الناس حينٌ جديدٌ من الدهر امتلكتْ فيه منبعاً مريباً للنبأ غير اليقين ، فوقعتْ في غرامهِ وصدّقتْهُ وبادلتهُ الحبَّ بالحبّ والغوايةَ بالغواية والطعنة باللذة .
هو عالم الفيسبوك الشاسع وإخوانه بالرضاعة الذين أشهرهم السيد تويتر .
في هذه العيشة الغابوية ، تجد السوق محتدمة والعرض قائم على حيلهِ بدكة مزاد لا يكلّف القوم غير سويعات من وسعهم ونواح مجسّات الاستلام وفقدان غرابيل التصفية ، وفق مبدأ إذا جاءكم فاسدٌ بنبأ فتبينوا وتيقنوا وتحسّبوا . اسمٌ يوحي لك بشيعيّتهِ فيقتل الشيعة ، وثانٍ بقناعٍ سنّي ليقتل السنّة . واحدٌ اسمه شوان حمه يطلب صداقتك وإذ تذهب للبحوشة والتنقيب بصفحتهِ المصفّحة كي تطمئنّ روحك وقلبك ، ستجده يغوص بما غاص به وطمس عبد الزهرة .
لأبي حفصة اسمٌ آخر هو جورج ، ولصليوة قناع عنوانه نويل ، ولعازف الليل صورة مستلة من ألبوم عازفة الجسد البديع .
سرّاق شعر وحرامية فكرة ولصوص مصطلح . مشعلون قساة لنيران وفتن ودسائس . غواة لغوة جائفة غاطسة متعفنة ببطن التأريخ . زرّاع أمراض وعللٍ ، ومشرعنو قِوادة ومحتلو أدمغة باردة . هي أكبر عملية تدويخ سقطتْ فوق رأس البشر حتى الآن .
في هذا الموات العظيم ، ثمة من يقلّي ويدوزن حروفهُ بزيت الحق .
1044 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع