بقلم أ.م. د.هيثم الشيباني
خبير في العلوم البيئية
تمهيد :
ذكر التقرير الذي اعدته منظمة (بيس غروب) الهولندية ونشرته أكثر من وكالةأنباء ،أن مخاطر و آثار ما استخدم من أسلحة يورانيوم منضب في العراق في حربي 1991 و2003، كانت أكثر بمئة مرة من مخاطر وآثار حادثة مفاعل تشيرنوبل.
واوضح التقرير أن العراق يحتاج إلى 30 مليون دولار على أقل تقدير لتنظيف أكثر من 300 موقع ما يزال ملوثا بإشعاعات اليورانيوم.
وتعد حادثة مفاعل مدينة تشيرنوبل في أوكرانيا التي حدثت في (الـ26 من نيسان 1986)، أسوأ كارثة تسرب إشعاعي وتلوث بيئي شهدتها البشرية حتى ذلك الحين .
كماو قدرت الأمم المتحدة عدد من قتلوا بسببها بأربعة آلاف شخص ، في حين إن عدد الضحايا بلغ ثمانية آلاف شخص، لكن منظمات دولية شككت في هذه الأرقام وتوقعت وفاة ما بين عشرة آلاف وأكثر من تسعين ألف شخص نتيجة إصابتهم بسرطان الغدة الدرقية المميت.
وصف حادثة تشيرنوبيل :
يبعد موقع محطة تشيرنوبيل 18 كم عن مدينة تشرنوبيل و 16 كم عن حدود اوكرانيا مع بيلاروسيا ،و يبعد بحوالي 100 كم عن مدينة كييف و بمحاذاة مدينة برايبت التي اقيمت لايواء العمال و عائلاتهم.
احتوت المحطة على 4 مفاعلات من نوع آر بي إم كي -1000 القادرة على توليد 1000 ميغاواط من الكهرباء في الساعة .
كانت المحطة قبل الحادثة تزود اوكرانيا التابعة للاتحاد السوفياتي السابق بحوالي 10% مما تحتاجه من كهرباء .
لقد وقعت الحادثة يوم السبت 26 أبريل من عام 1986 ،حيث كان ما يقرب من 200 موظف يعمل في المفاعلات(3،2،1) أثناء إجراء تجارب السلامة في المفاعل 4 فحصل انفجار كبير نجم عن انصهار قلب المفاعل نتيجة ارتفاع درجة حرارته بشكل كبير جدا بسبب اخطاء تقنية ارتكبها عمال المناوبة الليلة الذين كانوا مستجدين لا يملكون خبرة كبيرة فتعطل احد المحركات التوربينية و فشل نظام التبريد الخاص بالمفاعل فأدى الانفجار إلى توقف جميع أنظمة التحكم بالمفاعل.
نسفت قوة الانفجار سقف المفاعل الذي يزن 2000 طن من الفولاذ وانطلق ما يوازي 8 طن من الوقود النووي إلى الفضاء الخارجي ثم تدخلت فرق الانقاذ لاطفاء الحريق و التي كانت تجهل تسرب مواد خطيرة مثل اليورانيوم و البلوتونيوم و السيزيوم و اليود، فتعرضوا لمستويات خطيرة من الاشعاع الذي وصل آلاف أضعاف المستوى العادي فتسببت في الأشهر اللاحقة في وفاة 36 شخصا أغلبهم من عمال الاطفاء وعمال المحطة.
وكان انبعاث المواد المشعة سببا في تلوث أجواء جزء كبير من أوروبا بالاشعاعات، لا سيما أوكرانيا، بيلاروسيا، روسيا، ألمانيا وحتى السويد ،ثم انتشرالى أرجاء بعيدة في العالم بموجب حركة الرياح وطبيعة الأنواءالجوية.
انتبه الخبراء بعد السيطرة على الحرائق إلى وجود خطر وشيك اخر و هو تسرب المادة المنصهرة المشعة إلى التربة ونهر دنيبر ، لأن النهر كان يمد ملايين السكان بالمياه الصالحة للشرب اضافة إلى امكانية وصول الاشعاع إلى المياه الجوفية مما يعني كارثة اخرى قد تستمر لمئات السنين ، فتم معالجة الموضوع.
تم حشد حوالي 600 ألف شخص من كل البلاد اغلبهم كان من أفراد الجيش بالاضافة إلى قوات الاطفاء و الدفاع المدني و عمال المناجم ، فشاركوا في عمليات اطفاء الحرائق و ازالة مخلفات الانفجار التي كانت مشبعة بالاشعاع اضافة إلى اخلاء المدن المجاورة .
أدى الحادث و ما نجم عن الاشعاعات إلى وفاة حوالي 2000 شخص حسب ارقام الاتحاد السوفياتي و 8000 شخص حسبما صرحت به اوكرانيا بعد انفصالها و ذلك في الأشهر و الأعوام التي تلت الحادثة اضافة إلى اصابة مئات الالاف بالاشعاعات بدرجات متفاوتة ، مما سبب أمراض السرطان و الاعاقات و التشوهات و بلغت الخسائر المادية أكثر من ثلاثه مليارات دولار اضافة إلى تهجير أكثر من 200 ألف ساكن و تحول مدينتي تشرنوبيل و برايبت إلى مدن اشباح .
بدعوة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية انفتح الاتحاد السوفياتي السابق الى العالم باقامة مؤتمر دولي في مقر الوكالة في فينا , وقد أوفدتنا المنظمة مع زميل آخر لحضور هذا المؤتمر ، وأفصح العاملون في فرق الاطفاء والفنيون والمهندسون والعلماء المسؤولون عن المفاعل المنكوب عن تطورات الحادث وتداعياته بالساعات والدقائق،مما أدى الى ان يستفيد العالم بأجمعه من هذا المهرجان العلمي الذي امتد أربعة أيام عمل.
وبالتالي يمكن القول بأن حادثة مفاعل تشيرنوبيل كانت :حادثة تشغيليلة غير مقصودة.
مصدرها مفاعل معروف من كافة الوجوه الفنية وموقعه محدد على الخارطة، وقد تم استنفار هيئات الطوارئ والمنظومات الفنية والهندسية والعلمية في الاتحاد السوفياتي وأوربا والتنسيق فيما بينها وتبادل الخبرات.
الاعتراف بالحادث وتعريف العالم بأبعاده ومخاطره.
كلفتنا رئاسة المنظمة برئاسة لجنة من ملاكات المنظمة المدربة بشكل جيد للقيام بالواجب المطلوب للبحث والاستقصاء والاستطلاع والتخمين وتقديم المشورة والتوصيات , وعليه وضعنا خطة متكاملة وكما يلي:
الحصول على المعلومات المنشورة من الدول الأعضاء في الوكالة الدولية للطاقة للذرية ومن الوكالة نفسها من خلال القنوات الرسمية ,المتعلقة بانتشار التلوث من منطقة الحادث الى الأجواء العليا ثم الى المناطق البعيدة عن موقع الحادث في العالم .
التأكد من صلاحية منظومات وأجهزة الكشف والاشعاع وقياس الأشعاع الموجود عندنا والمنظومات المختبرية وتعييرها وتهيأتها للعمل.
خصصت رئاسة المنظمة عجلات (لاندكروز حديثة ) لواجبات اللجنة .
تشكيل فرق ميدانية لغرض الحركة الى كافة مناطق العراق في وقت واحد , فالبعض منها توجه الى المحافظات الجنوبية وصولا الى حدود الكويت والبعض الآخر توجه الى الحدود الغربية وصولا الى سوريا والأردن والبعض الآخر تحرك الى الشمال وصولا الى حدود تركيا والبعض الآخر تحرك الى الشمال الشرقي وصولا الى أربيل والسليمانية مع التركيز على المناطق الجبلية والبعض الآخر الى الشرق وصولا الى حدود ايران.
قامت اللجنة بجمع وتحليل النتائج وتوصلت الى نتائج مهمة اذ أن بعض متساقطات المواد المشعة كانت قد وصلت الى بعض مناطق العراق الجبلية الشمالية بفعل العوامل الجوية , مما تطلب التوصية باعتبار المحاصيل الزراعية الملوثة نفايات والتعامل معها حسب ذلك.
عرضت اللجنة توصياتها الى رئاسة المنظمة ومنها تم تحديد الرقم الوطني المسموح لتناول المواد الغذائية ( الشرب والطعام) , وتمت الموافقة على التوصيات جميعها .
اعتبرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن اجراءات منظمة الطاقة الذرية العراقية مثالية من حيث الرؤى والخطط والتنفيذ , وطلبت من الدول العربية أن تستفيد من خبرة العراق في هذا المجال وقد تحققت زيارات متبادلة بيننا وبين بعض الدول العربية . وجاء هذا بفضل البناء السليم للملاكات البشرية الفنية والعلمية والهندسية , والاستفادة من دعم الوكالة في الحصول على أجهزة الكشف والاستطلاع الاشعاعي , وتأسيس منظومات مختبرية متطورة حساسة يعتمد عليها.
924 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع