أ.د. محمد الدعمي
لم يعد الراسخون في العلم من الخبراء الأميركيين الرفيعي المستوى من عيار “ديفيد بترايوس” (مدير المخابرات المركزية الأميركية السابق، ومبتكر فكرة قوات الصحوة)
يخفون خشيتهم من اضطرار الولايات المتحدة لإنزال قوات أميركية على الأرض في إقليم “سورقيا” (اي إقليم سوريا والعراق، كما يسميه القوميون السوريون) (راجع مقابلته مع الـCBS يوم 3/6/2015). ومرد اللجوء إلى “آخر الدواء”، أي “الكي” هو استشعار الخطر الداهم على الأمن القومي الأميركي المنبعث من هذا الإقليم على نحو خاص.
إن المشهد في العراق، كما يراه هؤلاء المختصون قاتم بكل معنى الكلمة: فما يسمى بـ”الدولة الإسلامية” تتمدد على نحو مطرد، يشبه انتشار الخلايا السرطانية في جسد مريض بعد أن أعيت هذه الخلايا العلم من أجل إيقافها، كما تعيي قوات هؤلاء الإرهابيين العلمين العسكري والاستخباري في الولايات المتحدة والشرق الأوسط من أجل صدها. لقد تجاوزت مخالبها أكثر من ثلث مساحة العراق، خاصة بعد تمددها عبر محافظة الأنبار، التي لا تبعد مراكزها المدينية الحيوية والإدارية عن ضواحي بغداد سوى بضعة من عشرات الأميال: قفزة عسكرية واحدة تكفي لأن يكون مقاتلوها في مطار بغداد الدولي، القريب من الفلوجة والرمادي، أي لأن يقطعوا اتصال العراق بالعالم الخارجي على نحو مطلق وحاسم بعد السيطرة على جميع النقاط الحدودية البرية نحو سوريا والأردن وربما نحو المملكة العربية السعودية.
خشية بترايوس تتجسد في إخفاق رؤيا الاعتماد على العراقيين والسوريين لقتال الدولة الإسلامية نيابة عن الولايات المتحدة: في سوريا الوضع كارثي بمعنى الكلمة، أما في العراق فالوضع يتقمص شكلًا يشبه شكل فيتنام جديدة، ولكن من النوع الذي لا يبقي ولا يذر، خاصة بعدما أقدمت الولايات المتحدة عليه، بعلم وموافقة بل ومباركة الحكومة العراقية، من عمليات نشر السلاح في البلد عبر تقديمه للكرد، والآن للعشائر السنية. علمًا أن المعنى النهائي لهذا الانتشار للسلاح غير المسجل، هو بمثابة إطلاق صفارة الحرب الأهلية، خاصة عندما نتذكر أن قوات ما يسمى بـ”الحشد الشعبي” التي لا يراها الأميركان، كما يفعل الكثير من العراقيين، سوى قوات تمثل تمدد النفوذ الإيراني المتعاظم في العراق.
مكمن الخطر الداهم بالنسبة للعالم الغربي عامة والولايات المتحدة خاصة، هو في تهديد “الدولة الإسلامية” “حلفاءنا” و”أصدقاءنا” عبر إقليم الشرق الأوسط، أي تهديد إسرائيل والدول الصديقة للولايات المتحدة ومنها العراق ذاته، بطبيعة الحال. هذا هو ما يجعل إنزال وحدات عسكرية أميركية فعالة، لا خبراء فقط، ولا قوات جوية فقط، وإنما قوات محمولة متكاملة، ضرورة لا مفر منها، خاصة بعد تناهي الأنباء عن ظهور ما يدل على وجود خلايا “للدولة الإسلامية” داخل إسرائيل قبل بضعة أيام.
إن اختلاط أشكال واتجاهات القوى الجديدة، المتوالدة بالانشطار والمتواصلة في التناسل في بيئة موائمة وعلى نحو مطرد، إنما يقود إلى تداخل وتشعب قوى الشد والجذب الداخلي في الإقليم الملتهب أساسًا. وإذا كان هذا الاختلاط كفيل بتجميد ما يسمى بالمشروع الديمقراطي في العراق وفي “سوريا المستقبل” (باعتبار قوانين الطوارئ) وبفعل ظهور مشاريع أشد خطورة، أي مشاريع الحروب والتداخلات القادمة التي يصعب التمييز بينها، فإن القادم من الأيام قد لا يشبه كرة النار المتدحرجة، كما يفضل بعض المعلقين تسميتها، وإنما هو أشبه بما حدث، على نحو شمولي في أوروبا الحرب العالمية الثانية التي قضمت الملايين من سكان تلك القارة الشقراء خلال بضعة سنوات من إعمال ماكينة هذا النوع من الحروب المتداخلة والمختلطة الجبهات.
1010 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع