تأليف / الدكتور عبدالرزاق محمد جعفر/ أستاذ جامعات
بغداد والفاتح (ليبيا) وصفاقس(تونس) / ســابقاً
الحلقة / الثالثة
اخذ ابوعزام يتردد على بغداد بحكم عمله ولتفقد صحة زوجته راغبه خاتون, وفي احدى الزيارات دب حنينه لصبريه واستغل حادث وفاة امها ليكمل الأستحواذ على ما تبقى من ارادتها القوية للرضوخ لأرادته بالزواج منه عُرفياً !وهكذا,.. أغدق ابو عزام الهدايا على صبريه وخالتها, وفاتحها بالزواج العرفي حتى لا ينكشف امره لزوجته راغبه خاتون ولية نعمته ويفقد وظيفته, او قل المال والجاه,.. وتمكن من اقناعها وطلب منها مهلة لأعلان زواجه رســميا لحين طلاق زوجته او ان يأتي يومها الموعود حيث انها تعاني من مرض خبيث!
***
ما من احد لا يدرك الوضع النفسي الذي تعيشـه صبريه بعد وفاة امها,.. اضافة الى وحدتها في دار خالتها, وخوفها من تحرش أولاد المحلة المراهقين بها, ولذا لا تخرج بمفردها او ان تســمح لأحد بزيارتها الا عندما تكون خالتها او زوجة المختار متواجدة معها في الدار.
وافقت الخاله على المقترح وفرحت صبرية بالحبيب الأول, ولم تحسب اي حساب لما يضمره ابوعزام من خطط اذا ما يتغير وضعه عند شفاء زوجته,... وأحتمال عودتها لبيتها ؟ وهكذا تراقصت الأفكارفي عقلها الصغير,... وأخيرا تغلبت على عاطفتها المتأججة واستسلمت لكل ما اقترحه ابوعزام, وتم كل شيئ بالسر, وحان يوم الرحيل وســافرت بصحبته الى داره او قل عـش السعادة الموهوم في الشطرة!
وهكذا حقق أبو عزام كل شــيئ ,.. المال والســلطة بزواجه من راغبه خاتون, والمتعة, ... لزواجه من الحبيبة الصبيه صبرية.
***
كان لصبريه بن عمه جمعته واياها مودة منذ الطفولة, الا ان الخلافات العائلية ودخول المحامي عزوز على الخط عندما كانت طالبة في المرحلة الثانوية وهي بسـن المراهقة, حال دون استمراراللقاء, وخفتت المودة بينهما و أ زداد نفور دايخ منها نتيجة لتردد ذلك الغريب عزوز على دار خاله من دون اي تواجد لرجل من الأقارب او من ابناء الجيران,... وهكذا انقطع التواصل بينهما وسار كلا منهما في طريقه, حيث اكمل دايخ الثانوية ودخل كلية الطب, واختار القدر لصبرية طريق المخاطر.
لم يعلم دايخ بزواج صبريه الســري الا بعد فوات الآوان, وكان في تلك الفترة طالبا في المرحلة الثانوية, وآمن بالأمر الواقع وركز على دراسته, وبعد سنوات تخرج من كلية الطب وعين في احد مســتشــفيات بغداد بسبب تفوقه على دفعته.
***
تحيط بمدينة الشــطرة العديد من العشائرالمنطوية تحت زعامة شيخ ذو بأس شديد اتخذ من المدينة مقرا له وصارت المدينة عاصمة لنفوذه واعتبره الســكان الأب الروحي لهم, وقد اكتســب شهرة واسعة في كافة ارجاء العراق, حيث كان عضوا في مجلــس النواب, وبعد عدة ســنوات عين بمرسوم ملكي عضوا في مجلس الأعيان.
كان ذلك الشيخ صارما في قراراته ولا يتهاون مع المذنبين مهما كانت منزلتهم, ولا يخشى لومة لائم في قول الحق حتى ولو كان من اقرب المقربين له, ولم يســمح باي انحراف في الأعراف داخل منطقة نفوذه,... حتى لو كان القائمقام مصدره!
فقد القائمقام الأمل بالذرية بعد مرض زوجته راغبه خاتون , وصار يتحســرعند رؤيته لأي طفل, وراح يداعب اطفال المدرســة الأبتدائية المجاورة لبيته عند مرورهم من امام باب داره.
صاروقوف القائمقام وهو بالدشداشة (الجلابيه) البيضاء يتكررأمام امام باب داره المشرف على (الشريعة), في الضفة الثانية للنهر,التي تقابل داره, صباح كل يوم,... حيث تتجمع فيه صبايا المدينة لغســيل الملابــس والصــحون والســباحة في ملابسهن احيانا في ايام الحر الشديد من دون خجل او اهتمام للرجال المستطرقين بمحاذاة الشريعة,... حيث كل القاطنين بالمدينة يعتبرون اسرة واحدة, والويل كل الويل لمن تسـول له نفسه بالأستهانة بتقاليد الأهالي والتعمد في مجونه والنظر للسـابحات الفاتنات !!,..ولهذا وقع القائمقام ابو عزام في المطب, لأنه لم يحســب لتصرفاته اي حســاب ولم ينبهه احد لخطورة تصرفاته الرعناء وهو يراقب الصبايا يســبحن في الشــريعة من على بعد, متذرعا بمداعبة الأطفال المتوجهين الى مدرســتهم بين الحين والحين.
اثارت اعمال القائمقام الأدارية الفاســده انزعاج اعيان المدينة وزاد الطين بلة وقوفه صباحا امام داره, حيث لم يكن ذلك متعارفا لديهم البته, اضافة لمجونه داخل نادي الموظفين و تردده على الغجر( الكاوليه) , في ضواحي المدينة ليلا,مع زمرة من الشباب او ما يسمى" بالشلة" المحيطة به من ابناء وجهاء المدينة والموظفين !
واضافة الى ذلك, سلوكه الصلف, حيث لم يعراية اهمية للعلاقات الخاصة مع وجهاء المدينة او حضور ديوان شيخ المدينة في اية مناسبة, مقربا له الأنتهازيين ليتسكع معهم في شـوارع المدينة امام عيون الأهالي من رواد المقاهي المنتشرة على ضفاف النهر,... ثم يتحول بصحبة شــلته الى نادي الموظفين لأحتســاء البيرة والخمرة ومن ثم العشــاء!!
وعندما تخلد المدينة الى النوم, يتوجه ابو عزام وكبيرشــرطة المدينة ورئيس البلدية ولفيف من ابناء الوجهاء الى اطراف المدينة لأكمال الســهرة عند الغجر!
لم يشعر القائمقام ولا اي فرد من شــلته بأســتياء الأهالي من تصرفاتهم, الى ان حل اليوم الأســود!!, والذي كان من اهم الأســباب التي غيرت مجرى حياة ابوعزام.
***
كانت مدينة الشطرة مشهورة بكيمرها(القشطه), ومعظم الأهالي يتناولونه عند الفطور,... ولذا يهرعون في الصباح الباكر للحصول على صــحن من ذلك الكيمر قبل نفاذه, الا ان وجهاء المدينة يصلهم الصحن المحسن والمميز الى بيوتهم, تحمله القروية الجميلة لهم والتي يفوق جمال بعضهن صــحن الكيمر, مما يُغري الشـرهين بالتحرش بهن شـــفهيا, ومن ثم أكرامهن ماديا بدفع (البخشــــيش).
وفي احد الأيام, مرضت بائعة الكيمر التي تمون الوجهاء والقائمقام, ولذا كلفت ابنتها" نسـمة" التي ما زالت طالبة في السادس ابتدائي, لأيصال صحون الكيمرالى الزبائن والقائمقام اولا , واوصتها بعدم الدخول الى الداراو الحديقة والعودة فوراً !
وصلت "نسـمه" حاملة صحون الكيمر لتوزيعها على الزبائن وبدأت بالتوجه الى دارالقائمقام ووجدته واقفا عند البوابة الخارحية وارادت تسليم الصحن له,...الا انه امرها بتسليمه الى زوجته في الداخل وترددت بالدخول,...فزجرها بعنف,..فخافت وما ان خطت بعض الخطوات الى الداخل حتى اغلق باب الحديقة,...وهجم عليها كالغول وراح يتحرش بها ويمســها في مناطقها الأنثوية !!,.. فراحت تصرخ بأعلى صوتها,... ورمت صحون الكيمرعلى رأسه وتلطخت دشــداشــته وســقط على الأرض, وفلتت منه بصعوبة وقفزت سياج الحديقة مهرولة نحو امها باكية, فوبختها الأم لعدم ألتزامها!
حاولت الأم التستر على الحدث خوفا من ثورة الأب ومن خطيب نسمه بن عمها والطالب بدارالمعلمين العالية في بغداد والمعارض للسلطة,...الا ان الخبر سرى كالنار في الهشــيم, ... وعلم ابو"نسمه" بالحادث وقدم شكوى على القائمقام لدى شيخ المدينة عند اليوم التالي, فأنزعج الشيخ من سلوك القائمقام, وطلب من ابو "نســمه" التريث.
***
ازدادت تذمرات الأهالي من تصرفات ابي عزام و راحوا يلفقون له تهما اضافية و يصدقها الصغير و الكبير على حد سواء ! وصارت قصصه تروى مساء كل يوم في ديوان الشيخ (المضيف).
لم يحسب ابو عزام اي حساب للعلاقات الشخصية مع الشـيخ عضو مجلس الأعيان والأب الروحي للمدينة ورئيس اكبر عشائر المنطقة, ولم يقم بأية زيارة مجاملة له منذ تسلمه السلطة في القضاء, مما زاد من امتعاض الشيخ منه وقراره بعدم صلاحياته.
اتصل الشــيخ بالجهة المسؤولة في العاصمه وحصل على وعد بنقله او فصله من وظيفته, وتم ذلك بسرعة قياسية حيث لا يرد طلب الشيخ لصلته الوثيقة بالبلاط الملكي.
لم يخبر ابو عزام زوجته الثانية صبرية بالأمر الوزاري بترك المدينة فورا لخوفه عليها حيث كانت حاملا في شهرها الثالث.
كذب ابوعزام على زوجته صبريه واعلمها أن سفره الفوري هو لأداء مهمة سرية كلفته بها وزارة الداخلية, وقد تطول لعدة ايام وطلب منها الذهاب الى بيت صديقتها زوجة زميله رئيس البلدية ابو علي , والسـكن عندها لحين عودته, و غادر الشــطرة الى مركز الناصرية لمواجهة المحافظ قبل ان يفتضح امراستدعائه بين اهالي المدينة المتربصين به, الا ان المحافظ امره بالتوجه الى الوزارة في بغداد.
خضع ابوعزام لتحقيق وزاري خاص,... واكتفوا بأرغامه على الأســتقالة من وظيفته, وعاد خائبا الى احضان زوجته راغبه خاتون وفرحت لعودته و وعدته بوظيفة ارقى.
***
وعلى أية حال , فقد تحطمت كل آمال صبرية بعد علمها بالحقيقة, والتزمت الصمت والتريث,... حيث لا فائدة من رمي نفسها بفضيحة مهلكة, ولم تنفع الندامة بعد الآن, فقد وقع الفأس بالرأس وليس لديها اي وثيقة تثبت زواجها السري من ابوعزام,.. حيث اســتولى عليها مع صــيغتها الذهبية يوم رحيله, ولهذا خلدت للصمت,.. و تحملت اخطائها,.. واعدت نفســها لمعركة طويلة,.. لمواجهة كل المصاعب بهدوء خوفا على الجنين في احشائها.
***
عادت صبرية خائبة الى بغداد ورمت نفسها ثانية بأحضان خالتها, وبعد اشهر ولدت بنتا اسمتها "نيران" لتحرق بها من كان سببا في نكبتها, وبدأت تخطط على نار هادئة.
كبرت "نيران" وازدادت حاجة "صبريه" للمال, فنصحتها خالتها والجيران بطرق باب زوجها عله يلين عندما يرى فلذة كبده, فأذعنت لأمرهم, وحملت طفلتها ودخلت عليه وهو منهمك في مكتبه,... على اساس زبونة لديها مشكلة ! ولما تمعن بها طردها شــر طرده, ولم ينفع معه توســلها لمسـاعدة فلذة كبده, وخرجت منه تجر اذيال الخيبة.
***
وبطريق العودة وقبل وصولها الى دار خالتها لمحت جمهور من الجيران امام الدار, فأخبروها بحالة خالتها الخطيرة ونقلها الى مستشفى خضر الياس, و بســرعة ســلمت ابنتها الى زوجة المختار ام رزوقي وتوجهت فورا نحو المســتشــفى, وتمكنت من مقابلة خالتها وهي في حالتها المزرية او قل في انفاسها الأخيرة.
فرحت الخالة برؤية "صبريه", وعادت لها عافيتها بعض الشــيئ واحتضنتها,... ثم راحت تهمس بأذنها عن سرلم تفصح عنه منذ عشرة سنوات!,.. حيث لديها كنز من الليرات الذهبية كأمانة للعائلة التركية التي كانت بخدمتها, والتي لقت حتفها في حادث تحطم سيارتها في جبال تركيا, ولم يطالب الورثة بممتلكاتها لحد الآن!
***
يتبع في الحلقة / 4 مع محبتي
للراغبين بالأطلاع على الحلقة السابقة
http://www.algardenia.com/maqalat/17042-2015-06-05-19-01-56.html
748 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع