خالد القشطيني
الشيخ يوسف الشربيني من ظرفاء القرن السابع عشر. كان عالمًا من علماء الدين في مصر، ولكنه كان أيضًا من ظرفائها، بيد أنه سخّر أدبه وسخريته في تصوير الحالة المزرية للفلاحين في تأخرهم وجهلهم وشقائهم. لا جديد تحت الشمس.
كان من إنتاجه قصيدة «أبي شادوف» التي جسم فيها مشكلة الفلاح المصري الأبدية.. ثم مضى فشرحها بكتاب سماه «هز القحوف في شرح قصيدة أبي شادوف»، وقسم الكتاب إلى قسمين؛ يصور الأول حياة الفلاحين وبؤسهم، ويسخر فيه من جهل بعض الفقهاء القرويين وأساليبهم وخرافاتهم. ويشرح في القسم الثاني قصيدته على الطريقة التي يشرح بها النقاد القصائد الجدية.
وفي معرض ذلك، يروي كثيرا من التفاصيل الدقيقة عن حياة القرية في عصره وتقاليد حياتها. ويضم هذا القسم خطبتين ساخرتين على لسان الفقهاء، ولكن بسخرية عذبة تدور حول صنوف الطعام الذي حرم الشعب منها.. يقول:
«أيها الناس، مالي أراكم عن الزبدة بعسل النحل غافلون، وعن الأرز المفلفل باللحم الضاني تاركون، وعن البقلاوة في الصواني معرضون، وعن الأرز السمين والدجاج المحمر لاهون؟ فاغتنموا، رحمكم الله، هذه الموعظة، ودعوا أكل المغلّظة كالعدس والمدمس والفول الحار. وقد روي عن سهلب بن مهلب، عن زلطاح بن النطاح بن قليل الأفراح، أنه قال..».
أما شعره، ففيه كثير من النقد لحياة الفلاحين وأحوالهم، كما في هذه الأبيات الواردة في هز القحوف:
وهمهم وشغلهم في الطرّ
في حالة البرد ووقت الحر
وإن يريدوا المزح والملاعبة
مثل كباش قد أتت محاربة
تلف لهم حينئذ زعيقا
تحسبه يا صاحبي نهيقا
وقسوة القلوب لهم طبيعة
وقلة الخير لهم ذريعة
ومشيهم في الحر من غير وطا
ونومهم في الغيط من غير غطا
فقيههم ذو الكم والعمامة
إذا أتى كأنه غمامة
ويروي الشربيني شتى النكات عن حياتهم. أراد أحد هؤلاء الفقهاء أن يتعين قاضيا بينهم فسألوه: «هل تحفظ القرآن؟ فقال: نعم، عندي مصحف مليح محفوظ في البيت بخط المؤلف».
وذكر أن قاضيا دخل قرية فوجد أهلها يدخلون المسجد ومعهم قُفَّة من خوص فيها مغرفة وخشبة وسكين وفأر ميت. تعجب من أمرهم وانتظر حتى رأى خطيبهم يأتي حاملا مثل ما حملوه، فسأله، فقال: «قرأت في كتاب (التيه) أنه لا تصلح جمعة أحدكم إلا بقفة ومغرفة وخشبة وسكّينة وفار». فطلب منه الكتاب، وإذا به كتاب «التنبيه».. واصل القول: «لا تصلح جمعة أحدكم إلا بعفة وسكينة (دون تشديد الكاف) وخشية ومعرفة ووقار»!
743 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع