من القديح للعنود!

                                                    

                                   زينب حفني

جميل أن تحس بإنسانيتك، لكن المشاعر الإنسانيّة إن لم تكن مقرونة بالمواقف الإيجابيّة والمعتقدات السليمة تُصبح لحظتها مجرّد حبر على ورق! لذا يجب على كل فرد منّا أن يقف وقفة حازمة في وجه كل من يُحاول تأجيج الفتنة الطائفيّة ببلادنا! أن نتبرأ جميعاً في وضح النهار من الجماعات التكفيريّة ومعتقداتها المتطرفة التي تُريد الفتك بأمن بلادنا وزعزعة استقراره.

أغلبنا يعيش حالة حزن هذه الأيام على ما جرى منذ ثلاثة أسابيع بالقطيف إثر تفجير مسجد القديح وسقوط شهداء تجاوز عددهم العشرين، ليعقبها محاولة انتحاريّة فاشلة في مسجد العنود بمدينة الدمام! أحداث جعلت الألم يعتصر فؤادي والحزن يتملكني وأنا أتأمل صورة الشهيد الشاب عبد الجليل الأرش الذي عاد للتو من رحلة ابتعاثه من الخارج محمّلاً بأمانيه، ومتطلعاً لبناء بيت وتأسيس أسرة، فيقتل حلمه شاب مقارب لعمره، مفجّراً نفسه وهو يعتقد بأن حور العين ينتظرونه على أبواب الجنة ليأخذوه بالأحضان بعد أن أزهق أرواح بريئة لم تُسيء إليه يوماً! صورتان متناقضتان تؤكدان بأننا أمام معضلة كبرى في مجتمعنا!

لا شيء يُولد من فراغ! فهو إما صنيعة أيدينا أو بسبب تقاعسنا عن وضع إصبعنا في عين كل من تسوّل له نفسه العبث بأمن أوطاننا! كيف وصل مجتمعنا لهذا الحد من القسوة في نظرته للآخر؟ لماذا هناك فئات تُصرُّ على اقصاء الآخرين وعدم تقبّل مذهبهم أو ديانتهم؟

قرأت مقالات عدّة تستنكر ما جرى، لكن لم أجد أيٍ منها يضع يده على موضع الجرح باستثناء مقال جريء وعقلاني للشريف حاتم العوني، الأستاذ في كلية أصول الدين بجامعة أم القرى في مكّة والعضو السابق لمجلس الشورى السعودي، حيث يعلق على الحادثتين الإرهابيتين بالقول: "كل الاستنكارات التي صدرت من الجهات والشخصيات الدينيّة لن تكون لها قيمة حتّى يبنوا مواقفهم بصراحة في الشيعة الجعفريّة! هل هم مسلمون؟ وفي موضع آخر يقول: "إذا أردنا الاصلاح حقّاً فعلينا الرجوع إلى أصل المعضلة وحلّها من أساسها.. اشتعال المنطقة يجعلنا نُقدّم مصلحة الأمّة على مصلحة النفس".

كلام لامس الواقع، ولكن المشكلة تكمن بأن أعلامنا المكتوب ما زال يترنّح بين الدعوة لهذا الحل على استحياء وبين الوقوف على الجانب الآخر! وأضرب مثلاً على هذا، قيام جريدة رصينة مثل جريدة "الرياض" السعودية بنشر أسماء الشهداء الذين قتلوا في المحاولة الإرهابيّة الأخيرة ونعتهم بالقتلى، مما أثار حفيظة الشيعة. وقد تابعتُ عبر صفحتي على "فيسبوك" مشهداً لداعية شاب مخاطباً جيل الشباب، بأنه "لا يجب اعتبار الروافض شهداء"، وينبههم بأنه لا يجوز الدعاء لهم بالرحمة والمغفرة!

لا أعرف ماذا أقول؟ شعرتُ بالغيرة على مجتمعي بسنّته وشيعته ونسائه ورجاله وأطفاله. كيف يمكن أن ندعو للتلاحم الوطني ومناهجنا تغصُّ بالعبارات التي ترفض الآخر وتدعو لإقصائه؟ كيف يمكن أن نصد أطماع الغرباء الذين يتصيدون أخطاءنا، وفي مجتمعنا مغروسة بذور الفتنة والتفرقة العنصريّة وموثّقة بالصوت والصورة؟

المثقفون السعوديون يُدركون ما يجري ويُحاولون احتواءه لكن يد واحد لن تُصفق، فالإعلام المرئي والمكتوب لهما دور كبير في وجوب صياغة خطاب ديني جديد يقوم على فكرة التسامح وتقبّل الآخر. المناهج التعليميّة لها دور فعّال في بناء أجيال واعية. الأسرة لها دور كبير، ولذا لا أتعاطف مع حزن أم تورّط ابنها في عملية إرهابيّة كون الأم هي التي تزرع المبادئ والقيم في نفوس أبنائها ومنهج الاسلام المعتدل. كلها حلقات مرتبطة ببعضها، فهل هناك آذان عاقلة تسمع وتعي حتّى نُحقق المعادلة المطلوبة لمجتمعاتنا؟

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1028 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع