زينب حفني
في الأيام الأخيرة اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالتصريح الذي أدلى به مدير الإدارة العامة للجوازات السعوديّة اللواء سليمان اليحي، حول الإعلان قريباً عن اجراءات جديدة تتعلّق بسفر المرأة دون تصريح، وأنها لن تكون مرتبطة بجهة الجوازات فقط بل بجهات أخرى كوزارتي العدل والشؤون الاجتماعيّة، وأن الضوابط الجديدة لن تعتمد على عمر المرأة بل على ماهية الخروج وأسباب السفر، وأن أي خطاب سيردهم من المحكمة يقضي بعدم ممانعة سفر المرأة أو استخراج وتجديد الجواز دون أذن ولي الأمر سيتم تنفيذه فوراً.
القرار لم أفهم مضمونه! ولا أعرف هل قُصد به النساء اللواتي ليس لهن آباء أو إخوة أو ابناء ويجدن صعوبة في اتمام إجراءات سفرهن خارج السعوديّة، أم أنه سيتم تطبيقه على كافة النساء السعوديات دون استثناء؟ في كلا الحالتين وبصريح العبارة أجد بأن الوصاية على المرأة ستظل قائمة، وستنتقل من ولي الأمر إلى القاضي الذي سيتولى حق تقرير مصير المرأة الراغبة في السفر أو في استخراج جواز سفرها وتجديده! مما يعني أن هناك طوقا جديدا سيحكم قبضته على رقبتها، وستخضع المرأة حينها لتوجهات المشايخ الدينيّة!
حقيقة لا أعرف ما الذي يُخطط له المشايخ تجاه المرأة! لقد تركوا الدعوة لجز جذور الإرهاب، ومعرفة سبب تزايد الفكر المتطرف بين شبابنا، وغيرها من القضايا ليحصروا دائرة اهتمامهم على المرأة السعوديّة، كأنها هي أسُّ المصائب والسبب الرئيسي خلف كل ما يجري من سلبيات داخل مجتمعنا، دون أن يعترفوا بالحقيقة الواضحة كنور الشمس، بأن المرأة هي التي تُربي الأجيال وتزرع الفضائل في عقول أبنائها.
لقد طالبت النساء المثقفات في الماضي والحاضر بوجوب رفع الوصاية عن المرأة السعودية ومعاملتها كمواطنة كاملة الأهلية، فمن غير المعقول أن تصل المرأة السعوديّة إلى هذا القدر العالي من التعليم، وتُحقق إنجازات باهرة بكافة المجالات وما زالت تخضع لأهواء الرجل! ومن غير الممكن أن نتقبّل فكرة أن يُصبح مصير المرأة تحت رحمة القاضي أو ولي الأمر في استخراج أو تجديد جواز سفرها الذي يُعتبر هويتها وحقا من حقوق المواطنة.
المرأة السعوديّة وصلت لمجلس الشورى، وأصبحت تحتل مراكز مرموقة، لكن كل هذا سيظل صور مهزوزة في تاريخها ما لم يتم إلغاء قانون الوصاية المعمول به لحد اليوم، والاصرار على ترك مصيرها بأيدي مشايخنا الذين ينظرون إليها على أنها ناقصة عقل ودين.
لاحظتُ بأن صورة لطائفة من اليهود البريطانيين تمَّ تداولها على "فيسبوك"، ترفض أن تقود نساؤها السيارة، وقد علّقتُ على هذه الصورة بتغريدة.."وهل يجب أن نفرح لأن هناك من يُشاركوننا تخلفنا الحضاري؟". أعلم بأن هناك نساء ببلادي ينقصهن الوعي تجاه حقوقهن سيسعدهنَّ هذا الخبر، وسنجد من ستُدافع منهنَّ عن القرار الثاني الذي يدعو لجعل مصير النساء السعوديات في أيدي القضاة بحجة المحافظة عليهن! والسؤال المضحك..
كيف ستُقنع المرأة القاضي برغبتها في السفر للترفيه عن نفسها، أو لزيارة صديقة بدولة أخرى، أو لرغبتها في مشاهدة ثقافات الشعوب الأخرى؟ لقد حيّرنا العالم بنظرة مجتمعنا المعقدة والقاصرة للمرأة! وكلما فُتحت أمامنا كوّة جديدة استبشرنا خيراً، لكن سرعان ما تطغى نبرة التشاؤم في صوتنا! ولذا ما زلتُ مؤمنة بأن مطالب المرأة لن تتحقق إلا بسواعد النساء المثقفات المتمسكات بحقّهن في حياة كريمة مستقلة، داعية النساء أن لا يعتمدن على معاول الرجال في انتزاع حقوقهن، وكلما كانت المرأة أكثر اصراراً وأوفر عزيمة سيُصفق لها الرجل تقديراً لصمودها وسيقف بجانبها كشريكة حياة وليس كتابع.
1196 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع