زينب حفني
في أوقات متقاربة من الجمعة الفائتة، وقعت ثلاثة حوادث دمويّة في كل من فرنسا وتونس والكويت. ففي مدينة ليون الفرنسيّة قام شخص بقتل شخصين وإصابة آخرين، ووصلت الوقاحة بالقاتل الذي كان يحمل راية سوداء إلى القيام بتصوير «سيلفي» مع رأس القتيل!
وفي مدينة سوسة التونسيّة داخل منتجع سياحي، أقدم مسلح تونسي في بداية العشرينيات من عمره بفتح النار على سيّاح أجانب معظمهم يحملون الجنسيّة البريطانيّة مما أدّى إلى قتلهم. وهي حادثة ستؤدّي إلى إصابة السياحة التونسيّة في مقتل خاصة أنها تُشكّل دخلاً رئيسيّاً للبلاد. وبالفعل تراجعت الرحلات السياحيّة خوفاً من حدوث هجمات إرهابيّة أخرى. يعني كما نقول في أمثالنا الشعبيّة «موت وخراب ديار!»
فإذا انتقلنا إلى الكويت، سنجد بأن انتحاريا ينتمي لتنظيم «داعش» ويحمل الجنسيّة السعوديّة، قد قام بتفجير نفسه وسط المصلين بأحد المساجد الشيعيّة، مخلّفاً أكثر من خمسة وعشرين قتيلاً وعشرات الجرحى. وهو ما يؤكّد على أن هناك مخططاً شيطانياً يقوده هذا التنظيم التتاري لتفجير الأوضاع داخل منطقة الخليج العربي.
كانت الفنانة الكويتيّة «حياة الفهد» قد طالبت عبر اتصال هاتفي لإحدى القنوات التليفزيونيّة، حكومة بلادها بتعليق المشانق للإرهابيين وعدم سجنهم، وألا يتم تعصيب أعينهم ليتعرّف عليهم أهل الكويت. متابعة بأن وطنها لم يشهد طوال تاريخه التفريق بين مواطن شيعي ومواطن سنّي، بل مواطن كويتي فقط.
ديننا الإسلامي يأمر بأن من قتل يُقتل، وبالتالي يجب تنفيذ حكم الاعدام في كل من يقضُّ أمن أوطاننا، ويهدر دماء الأبرياء، لكن السؤال الذي يفرض نفسه.. هل سيتم القضاء على الجماعات الإرهابيّة نهائيّاً بتطبيق القصاص فيهم؟ أرى بأنه جزء من الحل الرادع ولكنه ليس بالحل النهائي! وإذا أردنا جزَّ الإرهاب من جذوره، علينا أن ننصب المشانق للأفكار الهدّامة. علينا أن نعدمها في ميادين عامة حتّى تشبَّ مستقبلاً أجيال واعية ومستنيرة فكريّاً. علينا أن نلملم الكتب المليئة بالفتاوى التكفيريّة من المكتبات المدرسيّة ونمحوها من مناهجنا التعليميّة. علينا أن نُراقب منابرنا ونُقصي كل الدعاة المتطرفين الذين يضحكون على عقول الشباب ويسوقونهم إلى الجحيم بمغريات وهميّة! نحن للأسف إلى الآن لم نفعل شيئاً سوى الشجب على ما يحدث، والبكاء على دماء الضحايا التي تسيل، لكن لم يتم اتخاذ إجراءات مستقبليّة للقضاء على ظاهرة التطرف الفكري، ولم نسعَ لوضع قوانين ُتجرّم صانعي الفتن الطائفيّة!
أيام عصور الأندلس العظيمة، كان لدينا فيلسوف ومفكّر عظيم يُدعى ابن رشد. هذا الرجل الذي تأثّرت الحضارة الغربيّة بأفكاره التنويريّة، تعرّضت كتبه للحرق في ميدان عام دون أن يشعر من قاموا بهذه الفعلة المشينة بتأنيب الضمير! ونحن ما زلنا نُقدّم رجلاً ونؤخّر أخرى في الإقدام على إعدام كل الكتب المتطرفة في ميادين عامة، والتي كانت سبباً مباشراً في شيوع الفكر المتطرف بين شبابنا.
متى سنملك الشجاعة لإشعال النار في كل فتوى رجعيّة؟ متى سنرفع أصواتنا في وجه كل عالم دين متطرف ساهم في تدمير عقول أبنائنا؟ للأسف نحن عاجزون عن اتخاذ قرارات صارمة وكل ما نفعله هو البكاء والنحيب ثم ينفضُّ المجلس ويذهب كل إمرئ في حال سبيله!
هذه الثقافة انتقلت لأعماق مجتمعاتنا، وصرنا ننظر لمن يُخالفوننا في العقيدة والمذهب والطائفة نظرة تشكيك، وهذه معضلة أخرى! ولا أنكر أن بين صديقاتي ومعارفي من يحتدم معي في القول ويُشكك في انتماء هذه الفئات لأوطانها.
نحن أمام مفترق طرق، ولو لم نواجه أنفسنا ونضع أيدينا على التقرحات لمعالجتها معالجة سليمة، سننتظر المزيد من المفاجآت المأساويّة!
1159 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع