زينب حفني
من المعروف أن الإنسان العادي لا يستخدم أكثر من عشرة في المئة من قدراته الدماغيّة، إلا فئة معيّنة من الناس استطاعت من خلال التركيز الشديد والتدريب المستمر، زيادة قدراتها الذهنيّة بنسبة ضئيلة لا تتجاوز اثنين في المئة، فنسمع عن مهارتها في التواصل ذهنيّاً مع آخرين في مناطق بعيدة من العالم، وقد قرأت كتباً تتحدّث عن أناس في الصين يملكون القدرة على رفع أجسادهم بالتركيز الذهني، وعلى تحريك الأشياء من مكانها وهم قابعون على كراسيهم.
فيلم (لوسي) ليس من أفلام المغامرات، ولا يُصنّف ضمن أفلام الرعب والإثارة، ولا ينضوي تحت مسمّى الأفلام الرومانسيّة، وإنما هو فيلم من أفلام الخيال العلمي، ويطرح علامة استفهام كبيرة. ماذا لو استطاع الإنسان استخدام قدراته الدماغيّة كلها بنسبة مئة في المئة؟ هل سيكون هذا الإنجاز لو تحقق وبالاً على الإنسان أم ستؤدّي حتماً إلى هلاكه في النهاية؟
قصّة الفيلم تدور حول طالبة تعيش في تايوان للدراسة. شاء حظها العاثر أن تتورّط مع عصابة تعمل في التهريب باستغلال أجساد ضحاياها، وتقوم العصابة بفتح بطن المرأة ووضع مادة كيماوية في معدتها لتهريبها خارج البلاد مع آخرين، ولكن هذه المادة تتسرب وتسري في دمها فتحدث فيه تغيّرات تؤدّي إلى تطوّر قدراتها الدماغيّة بطريقة مذهلة. وكلما مرَّ الوقت ارتفعت النسبة وتفتّحت مجالات أكثر في دماغ لوسي، وازداد شعورها بكل شيء، كشعورها بالهواء، والاهتزازات والجاذبية الأرضية، وتكتشف قدرتها الخارقة في السيطرة على الأشياء من حولها، وامتلاكها مهارة التحريك الذهني، واتساع نطاق معرفتها حتّى أنها استطاعت تعلّم اللغة الصينيّة في ساعة واحدة، وقامت بتشخيص مرض صديقتها لحظة ملامستها لها ونصيحتها لها بوجوب زيارة الطبيب.
بطلة الفيلم الممثلة الشابة (سكارليت جوهانسون)، نجحت بفضل أدائها المتميّز، ووقوف مخرج موهوب خلفها، وكاتب قصّة أبدع في كتابة تفاصيلها، أن تفتح أمام أعين الناس ملفات مهمة كانوا غافلين عنها، ويطرح سؤال لم يزل العلماء أنفسهم لحد اليوم حائرين في الإجابة عليه.. ماذا لو نجح الإنسان في استخدام مئة في المئة من عقله؟ هل سيكون هذا النجاح وقتها لصالح البشرية أم ستكون وبالاً عليها؟
ضمن أحداث الفيلم، طرح طالب على أستاذه الذي يُعطي محاضرات حول المخ البشري نفس مضمون السؤال، وكانت إجابة الأستاذ بأنه نفسه لا يعرف الإجابة! وينتهي الفيلم بموت «لوسي» بعد أن وصلت قدراتها الذهنية إلى مئة في المئة لتذوب وتتلاشى أمام عدد من الأطباء الذين يقفون مذهولين أمام حالتها!
منذ أن خلق الله الأرض، وهناك صراع بين الخير والشر، بين الفضيلة والرذيلة، وإن اختلفت مسمياتها وماهيتها من مجتمع لآخر، لكن الحقيقة التي لا يختلف عليها اثنان أن البقاء دوماً للأقوى، وأن الغلبة لصاحبها مهما كانت دوافعه!
بعد أن انتهيتُ من مشاهدة الفيلم، تساءلت: لو كان بعضنا نجح مستقبلاً في أن يصل بقدراته الذهنيّة إلى هذه النسبة العالية، هل سيقوم بتسخيرها في خدمة الناس، أم سيستخدمها كي يُسيطر على عقولهم؟ أيهما أفضل للإنسان: بقاؤه على الوضعيّة التي خلقه الله عليها، أم قدرته على التحوّل لـ «سوبرمان» كي يكتشف الوجوه ويحس بالأشياء الدائرة من حوله؟ قالت بطلة الفيلم عبارة جميلة «ليتني أعود إنسانة طبيعية». نعم ليس مفروضاً على كل فرد منّا أن تكون له عينان ثاقبتان تخترق أعماق الناس، فجمال الحياة يكمن في قدرتنا على الاستمتاع بمباهجها مع أحبائنا، وألا نكون رقباء على كل ما يجري فيها. حلاوة الحياة تنبثق من انشغالنا ببناء آمالنا، وأن ندع الخلق للخالق!
1166 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع