أ . فؤاد يوسف قزانجي
من اوائل تراجم الحياة في الادب القديم ،كانت حياة الملك سرجون الاكدي،الذي عاش في النصف الثاني من القرن 25 قبل الميلاد، والتي تضاهي قصة ولادة النبي موسى كما وردت في التوراة. ويقول المؤرخ كورنيلوس نينوس من القرن الاول ان اول سيرة وصلتنا كانت ولادة النبي موسى وكذلك قصتي حياة النبيين داود وسليمان وهما لاتخلوان من المبالغة. واخرون يعتقدون ان اول من كتب سيرة حياته هو المؤرخ اليهودي فلافيوس جوزيفوس في عام 100م.
اما بالنسبة الى ترجمة الحياة التي بين ايدينا فتعود الى العامين 542-541 قبل الميلاد كتبتها الملكة اداد-كوبي ام الملك نابونائيد، اخر ملك بابلي، وذلك قبل موتها في مدينة حران. ويذكر ان الباحث اوليفر بيردو O.Perdu قد نفى وجود هذا النوع من اشكال النثر او الادب في اداب الشرق الادنى القديم، ويرى ان تراجم السير الحقيقية في الادب العالمي، لم تظهر الا في عصر النهظة الاوربية ! (1)
ان نص سيرة الملكة الأم اداد-كوبي قد وجد محفورا على لوح حجري او بالاحرى في مسلة كانت قد وضعت في ارضية مدخل جامع مدينة حران. وقد اكتشفت صدفة حين جرى تعميره. وكانت اسس البناء في الاصل معبدا للاله الكبير سين(القمر) في مدينة حران (حاليا بلدة صغيرة في جنوب تركيا).
كانت حران قد اعتبرت مركزا لاله القمر سين، في بلاد كنعان واجزيرة العربية وذلك منذ عهد الملك الاشوري شلمانصر الثالث الذي استولى على شمال سوريا ثم قام باعماره. وكذلك فعل الملك آشوربانيبال، وكانت ابنته اداد-كوبي* مفتونة بالاله سين، فلما اصبح ابنها نابونائيد ملكا،اصبحت رئيسة الكهنة في هذا المعبد المسمى (اي هول-هول). وكان نابونائيد آخر ملك بابلي (559-539 ق.م.) قد قاد حملة على سوريا وشمال الجزيرة العربية في السنوات(550-541 ق.م.) من اهم اهدافه نشر دين عبادة القمر . وكان قد وصل الى حران مع الجيش البابلي بعد ان احتل شمال سوريا، وقام باعادة بناء معبد حران قبل ان يزحف بجيشه الى فلسطين وشمال الجزيرة العربية متوجها الى مركز التجارة والقوافل العربية في تيما (تيماء). وبعد ان اعاد بناء المدينة وعمر سورا لها وبنى معبدا للاله القمر (سين) ،ارسل جيشه ليحتل اياثريبو (يثرب) المركز الثاني في وسط الجزيرة العربية وربما قام جيشه هناك ببناء معبد للاله القمر .
توفيت ادد-كوبي عام(541 ) بعد ان بلغت من العمر اكثر من 95 عاما. وحضر الملك نابونائيد جنازتها،قادما من تيما، بعد ايام من وفاتها.
كانت الملكة ام نابونائيد قد املت سيرتها قبل وفاتها، وحفرت السيرة على مسلة رفعت امام قبرها، والتي كتب عليها سيرتها:
''انا اداد-كوبي ام نابونائيد ملك بابل، وخادمة الهي سين، وكذلك الآلهة نركال ونوسكو وسادارنونا؟ .قمت بخدمة الالهة المقدسة منذ ان كنت شابة. ولدت حينما كان قد مضى عشرين سنة على حكم ابي الملك آشوربانيبال. وحتى السنة الواحدة والعشرين والثانية والعشرين من (الاله الشرير مردوخ!)، وطول هذه المدة اعتنيت بالاله العظيم سين: ملك الهة السماء والارض، واعتنيت بجميع معابد هذا الاله العظيم،وقد بلغ عمري 95 عاما، وفي عهد ابني نابونائيد الذي استطاع ان يفتح لمدينة القمر حقبة جديدة من الاشعاع الروحي. اذ ان الاله سين هو الذي رعاني، وجعلني اقوم باعمال طيبة، انجزتها بكل سرور. وكان الاله قد استجاب الى صلواتي وقبل رجائي، حينما دعا ابني الوحيد(نابونائيد ) الذي هو من نسلي،الى عرش الملوكية**. وهو نفسه الذي اعطى الملوكية الى سومر واكد، كما وهبها الى كل الممالك حتى البحر الاعلى(المتوسط) وحدود مصر وحتى البحر الاسفل(الخليج ) وكل الارضين. وقد حلمت بالاله سين ملك الالهة،ووجدته يضع يديه علي قائلا:سأجلب الالهة الى موطنها في حران بمساعدة ابنك نابونائيد الذي سيجدد بناء المعبد في حران ويجعله اعظم من ذي قبل، ثم سيجلب الالهة ننكال ونوسكو وسادارنونا في موكب مهيب الى مستقرها في (اي-هول- هول) وكنت اصغي الى كلماته التي تحققت .”
خاتمة
ماتت اداد-كوبي في السنة الرابعة عشرة من حكم نابونائيد ملك الامبراطورية البابلية الاخيرة. وكان ابنها قد قام بدفنها بنفسه. كانت قد البست ثوبا جميلا وعليه عبائة ذهبية زاهية تزينها الاحجار الكريمة الرائعة. اما جسدها فقد دهن بالزيت العطر، ثم ذبح اسمن الخرفان اضحية لها الى الاله سين. وقد احاط بالملك نابونائيد شخصيات من بابل وبورسبا كانوا يعيشون في مناطق بعيدة (عن الوطن) وكذلك بعض الملوك والامراء من الحكام التابعين الى مملكة بابل في سوريا .(2)
وعاد الملك نابونائيد ليجد ان الجيش البابلي بقيادة ابنه بيل-شار-اوصور يقاتل كورش الفارسي عند مدينة اوبس على دجلة مقابل طيسفون. وكان تطرفه الديني واهتمامه بالاله سين بدلا من اله بابل الكبير مردوخ،احد اسباب سقوط مملكة بابل العظيمة.
اهم الهوامش والمصادر
*الاسم اداد-كوبي مركب من اسمين اكدي وآرامي،ويرجح ان امها التي تزوجها آشوربانيبال، كانت آرامية.
** لم يكن نابونائيد من الاسرة الحاكمة الكلدية، بل هو بابلي اختير بعد صراع بين الاسرة الحاكمة نظرا لانه كان معروفا بحكمته وتقواه ولعله كان مسشارا او احد كبار الكهنة في بابل.
(1)Perda, Oliver .The Ancient Autobiography. 1990
(2)Van De Meroop, Marc. A History of Ancient Near East> Blackwell,2004.P.279-280
1222 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع