فلاح ميرزامحمود
المرور ولو بصورة سريعة على تاريخ بغداد يدفعنا الى التوقف عند بعض المراحل التى كانت سببا مباشرا فى الذى جرى لها بعد ان كان لها شأن فى التاريخ كما يتحدث عنها ففى زمن تولى المامون شؤون الدولة العباسية تلقى رسالة من جورج الخامس ملك الدنمارك يعلمه فيها انه ارسل وفد مؤلف من رجال ونساء تراسهم ابنة عمه لتلقى العلم الذى كانوا متقدمين به عليهم
ومثل ذلك كان ملك الافرنجة فى انكلترا يطلب من زعماء الدولة الاسلامية فى الاندلس ولايزال ابن سينا يذكرك بذلك عند مدخل جامعة السوربون فى فرنسا , الامة ومنذ ذلك الزمان مأمورة بالعلم هكذا تقول الحقائق فى رسالتها والاثر الذى تركة العرب لايزال خزنيها فى المستقبل عندما تدخل من بابها الواسع وعندما تتمسك برسالتها ومنهجها فالايام دول فالامة لاتصلحها الا رسالتها قال ابن خلدون ذلك واذا نزعت الرسالة عنها اصبحت حيوان اعجم ولكن للاسف منذ ان تولى العراقيون مسؤولية ادارة شؤون البلاد من الذين تعاقبوا على احتلال العراق من السلاطين العثمانيين فى القرون التى سبقت سيطرة الانكليز عليه فى نهاية القرن التاسع عشر وحتى الربع الاول من القرن العشرين ولاشك فان لكليهما العثمانيين والانكليز دورا فى تنوع المجتمع وتغير مكوناته التاريخية والثقافية والحضارية والاجتماعية يضاف اليهما ما جرى على يد الفرس حينما اشاع الصفويون موضوع الشيعة والسنه وبذلك تحولت خارطة العراق الديمغرافية الى مناطق يكون فيها مكون معين الغالب على المكونات الاخرى وصار العراقييون بمرور الزمن منقسمين الى سنة وشيعة واكراد وتركمان وبعض الطوائف الاخرى مسيحين وصابئة وازيديين وكل من هؤلاء تجمعوا فى بغداد ليشكلوا مايسمى بالنسيج الوطنى للعاصمة ولكن قدر له ان لايكون نسيج متجانس رغم ادعاءهم عكس ذلك ؟ فلا الحكومات عملت على اذابة النوازع والخلافات التى تسببت بمشاكل فيما بينهم ولا حتى العراقيون انفسهم عملوا على الغاء هذا الفهم الخاطئ للمواطنة واما بالنسبة للحكومات التى تعاقبت على ادارة البلاد فانها هى ايضا كانت ترى العراقيين بنفس الصورة الغير متجانسة ولانها اخذت بما لايصلح للمقارنة بين حالة المجتمعات المتطورة الاخرى بحالتها هى بذاتها وليس المجتمع لكونها تلقت علومها من الخارج ووجدت فى ذلك الحالة المطلوبة وكذلك فانها لم تنتبه الى مايحيطها من دول لكل منها وضعا يختلف كليا عن وضع العراق وعوضا ان تحسن روابطها مع دول الجوار ايران الشيعية وتركيا السنية عملت على تعقيد مواقفها مع تلك الجارتين بشعارات لاعلاقة لها بتاريخها الطويل والمتنوع مابين السلالات التى اشارت اليها كتب التاريخ ناهيك عن السعودية والكويت فى حين استمرت تلك الدول فى تحسين وضع مجتمعاتها بصورة حضارية وعلمية وثقافية لتكون مصدا لاى خلل قد يعترض نسيجها الاجتماعى وخلال مايقارب قرن من الزمن تراجعت القيم والاخلاق وعلاقات الناس مع بعضها الى الوراء بدلا ان تتقدم بسبب السياسات المتبعة من قبل الحكومات الوطنية المتعاقبة يضاف الى ذلك قصور فى فهم الاحزاب والمثقفين فكان لكل من هؤلاء ثقافة غير ملائمة للحالة المطلوبة واصبح يطرب على ليلاه دون الحاجة الى رؤية المستقبل الذى كان ينتظره وواضعا ماصنعه العباسيون من تاريخ وقبلهم البابليون والاكديون والسومريون خلف ظهورهم بحيث لاتزال متاحف العالم تتحدث عنها ويتمنوا ان يكون لهم تاريخ كهذا وخصوصا لمدينة مثل بغداد, بحيث اصبحت بغداد الرشيد التى كان الغرب يتغزل باسمها وعالمها وجمالها الى ان تكون للاسف من المدن الغير صالحة للزيارة والعمل لا بل اصبحت موبوءة بالامراض والفساد وفقدان الامن .وباعتقادى ان مدينة مثل بغداد هذه المدينة التاريخية العظيمة التي صمدت اكثرمن الف سنة حتى الان، تترنح حاليا من ضربات ساحقة تاتيها من جهات متعددة لا تكترث بوجودها اصلا. بغداد تصارع الموت بكل معنى الكلمة، فهي مهددة فعليا بالتفتت والتحول الى كانتونات تحكمها ميليشات مسلحة، تماما كما نراه في بعض افلام هوليود، حيث انعدام كامل للسلطة المركزية واتخاذ سكان كل منطقة بأخذ زمام الامور بيدهم. طبعا حالة بغداد هي انعكاس مباشر لحالة الدولة العراقية المهددة هي بوجودها، واذا لم يستطع العراقيون بمراجعة انفسهم للتوصل الى حل دستوري وعقد اجتماعي مدني حضاري على اساس المساواة بالمواطنة وليس المحاصصة الطائفية التي فرضها المحتل الامريكي واقتنع الكثير من المغفلين والجاهلين بها، فان مصيرهم مهدد بالزوال الحتمي والتاريخ لايرحم ، ويوم لاينفع الندم، وكل من اراد بنا العودة الى القرون الاولى من الدعوةا التى تولاها اصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام وما تخللتها من فتوحات لنشر الرسالة التى جاء بها النبى (ص) بامر من الله وخصوصا تلك التى تولاها الخليفة الثانى عمر ابن الخطاب وان يصفوها بما لايليق بها من قيم ومبادئ عظيمة جاءت بها لانقاذ البشرية من العبودية والظلم فانهم لايدركون انهم بذلك يشتركوا مع اولئك الذين حاولوا ومنذ السنوات الاولى للدعوة وعلى راسهم اصحاب الردة والمارقين وبنوا قريضة والقنيقاع والفرس واتباع ابن سبأ ان يضعوا ما يثنيها عن تقدمها وانتشارها فى بقاع الارض كافة ومنذ البداية فقد جعلوا من تسلسل الخلافة بعد الرسول ممرا للفرقة والخلاف ولولا الشجاعة والحكمة التى تميز بها الخلفاء الاربعة لكان ما نتج عن سقيفة بنى ساعدة بعد وفاة الرسول علية افضل الصلاة والسلام محورا لشق المسلمين عن استمراهم بتكملة الرسالة النبوية لذلك ليس غريبا ان يتناول بعض الكتاب ناقصى الضمير مسيرة هؤلاء القادة العظام باقلامهم ويصفون بان الاسلام الذى جاء به الصحابة والتابعين من بعدهم ليكون مبشرا للخير والامل للبشرية كان بواسطة السيف والقوة والقتل ولاشك فانهم بذلك يشتركون مع اقلام غيرهم من الذين يكرهون الاسلام مضطرين لغاية بنفس يعقوب فالعودة الى ماحدث للخليقة الثالث على يد الامصار واريد بها اشهار الخلاف بين الخليفة الرابع على كرم الله وجه ومعاوية ابن ابى سفيان والى الشام وما يحدث اليوم للمسلمين كأنه امتداد لذلك التاريخ يراهن عليه اولئك الذين جعلوا من الاسلام دين بلا رحمة ولا انسانية كالذى تمارسه تلك الجماعات التى تطلق على نفسها تسميات اسلامية قبل غيرهم من قتل وتهجير وحرق وقطع الرؤوس والتى لم يمارسها قبلهم من الفاتحين لاقوام من غير المسلمين فكيف اذن حالهم الان وهم بامس الحاجة الى الحوار والتفاهم مع الاديان الاخرى وبما يسمى بحوار الحضارات فما تركه النبى(ص) وصحابته الاجلاء وماجاء به كتاب الله وسنة رسوله (ص)هو المعول عليهما ومن اراد خلاف ذلك فليضرب راسه بالحائط وستبقى ارض العراق وعاصمتها بغداد جمجمة العرب وفيها خزائن علم الله فالامة تهزم وتسقط ولكنها لاتموت وتمرض ولكنها لاتنتهى فأمتنا شروق وليس غروب هكذا كانت وهكذا ستكون
856 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع