الاستاذ فؤاد يوسف قزانجي
عرف البابا يوحنا بولس الثاني الكبير،رئيس الكنيسة المسيحية الكاثوليكية في العالم (يتبعه اكثر من مليار و200 مليون نسمه) ، برجاحة عقله ، ونشاطه في سبيل الوحدة المسيحية والسلام في العالم .
حيث مد يد التحاور مع الاديان السماوية الاخرى (اليهودية والاسلام) ، ومنذ الستينات من الالفية السابقة، أنطلقت مؤتمرات عدة للتوافق الفكري وتوثيق العلاقات الانسانية بينها ، كما تقدم خطوة اخرى جريئة بالدعوة الى وحدة المذاهب المسيحية الصحيحة مادامت متحدة في جوهر المسيح : وهي الكاثوليكية والبروتستانتية والارثوذكسية ،وقام البابا الذي خلفه برعاية هذه الخطوة حتى نجحت .
هو البابا الرابع والستون بعد المئتين ، ولد في بولندا في18 مايس من عام 1920، وانخرط في سلك الكهنوت عام 1946 . لعب دورا في تعزيز الايمان المسيحي ضد الفكر الشيوعي في بولندا، في نفس الوقت كان قبل وفاته يندد بوحشية الرأسمالية . كان البابا يوحنا قارىء متميز: يجيد الالمانية والانكليزية والاسبانية،اضافة الى اللغتين البولندية والايطالية . حصل على شهادة الدكتوراه مرتين الاولى من المعهد البابوي في روما، والثانية من الجامعة الكاثوليكية في لوبلان .
وقد اهتم بالشخصيات المسيحية التي عانت او استشهدت في سبيل المسيحية،وكذلك الذين عرفوا بتقواهم وشفائهم للمرضى باسم الله ويسوع المسيح . وادخل اصلاحات اساسية في التقاليد المتعلقة بالبابا.كانت محور نقاشاته تقوم على طلب القداسة الكاملة .
في يوم13 مايس من عام 1981 ،بينما كان البابا يوحنا يحيي المؤمنين في ساحة الفاتيكان، تقدم نحوه شاب تركي وهو يحيه،ثم مد يده واخرج من جيبه مسدسا واطلق اربع رصاصات عليه فاصابته احداها بطنه و امعائه، واخترقت الثانية صدره وكادت ان تصل الى قلبه، فوقع مغشيا عليه وهو يتضرج بدمائه .
القي القبض على الجاني التركي واسمه محمد علي اكجا او اغا ، وجرت محاكمته في روما وحكم عليه بالسجن مدى الحياة . وقد أفاد اكجا حينما حوكم، بان النظام الايراني هو الذي حرضه على قتل البابا ،وانه اذا ماحكم عليه بالاعدام ومات ،فانه بذلك سيذهب الى الجنة حتما !؟، لكنه لم يكن صادقا . ويذكر ان المجرم محمد علي كان قاتلا محترفا من منظمة الذئاب الرمادية الفاشية التركية . وكان قد اطلق النار على صحفي يساري في اصطنبول، وحكم بالسجن لمدة عشر سنوات .
وقد اتضح بعد حين انه قد اتصل به احد عملاء الاستخبارات السوفيتية في بلغاريايعرفه، وهو في السجن، وطلب منه ان يغتال البابا يوحنا مقابل مليون دولار ، بالاضافة الى تهريبه من السجن،بعد رشوة الشرطة التي تحرسه، كما سيحصل على جواز سفر مزور يتيح له السفر اينما يشاء ، وكانت المخابرات البلغارية قد اختارته لقتل البابا المعارض للفكر الالحادي الذي كان يدرس في الجامعات في شرق اوربا، بالاضافة الى كون الكنيسة الكاثوليكية في بولندا كانت على خلاف مع الاوساط الشيوعية الحاكمة في بولندة . وفعلا تم تهريبه ورافقه البلغاري الذي يعرفه ، كان الضحية الاولى المطلوب قتلها هو كاردينال بولندا (وبزينسكي) فتم ضربه حتى الموت في بيته في بولندا ،ثم سافر القاتل اكجا الى روما لانجاز مهمته، بعد ان تسلم الجزأ الاول من الدولارات الموعود بها من احد البنوك .
قضى البابا مدة طويلة بعد عدة عمليات جراحية لانقاذ حياته ، وعانى طويلا حتى شفي ،ومع ذلك طلب البابا من المحكمة الايطالية في عام في 2010 ، ان تعفو عنه، لانه عفى عنه معتبرا انه شاب قد غرر به ولم يدرك ماذا فعل . وذكر ان محمد اكجا بعد ان سمع تصريح البابا بالعفو عنه،قد قال بانه ربما سيتحول الى الديانة المسيحية، فقامت ضجة في بعض الصحف التركية ، عقب اطلاق سراحه ، لكن ذلك كان ذرا للعيون، اذ عرف عنه اثناء سجنه انه مصاب بالشيزوفرينيا ،اي بانفصام الشخصية.
ومما يذكر ان محاولة اخرى كانت قد جرت لقتل البابا يوحنا من قبل قسيس مخبول عندما كان البابا يوحنا يزور البرتغال، بعد سنة تقريبا من المحاولة الاولى . وبعد عشر سنوات جرت محاولة ثالثة لقتل البابا نفسه في الفليبين، من قبل شخص ينتمي الى منظمة القاعدة الارهابية، الذي القي القبض عليه قبل شروعه في تنفيذ الجريمة .
كان البابا يوحنا قد صلى على احدى الراهبات المريضات والمصابة بمرض في المخ و التي لايرجى شفائها،فاستجاب الله لصلاته وشفيت قبيل وفاته . وخلال سنتين كانت لجنة خاصة تتابع حادثة شفاءه العجيب لتلك الراهبة، من خلال التقارير الطبية المتوفرة ،والتي اقرت صدق الحادثة بالاضافة الى اعماله الجليلة ، فشرعت اللجنة منذ بداية عام 2014، دراسة مسألة تطويبه ، فتقرر اخيرا تطويب البابا باعتباره قديسا ، وخصوصا كان قبل ذلك قد شفى طفلا مصاب بالسرطان بعد ان صلى عليه، في الاحتفال الذي جرى قبل بضعة اشهر اي في 26-4-2014 . و ذكرت اللجنة ان الراهبة التي كانت مريضة في المخ ،والتي شفيت ،كانت قدحضرت احتفال تطويبه .
يعتبر القديس البابا يوحنا بولس الثاني الكبير ،احد الشخصيات العالمية البارزة ، لجهوده في تقارب الاديان وفي تلاحم المسيحيين من المذاهب الثلاث الرئيسية الصحيحة التي اشرنا اليها، ولدعمه ازدهار المسيحية في بولندا بعد تخلصها من النظام الشيوعي ،ولجهوده في السلام العالمي : فقد كان من اشد المعارضين للتفرقة العنصرية ،وايد بقوة اتحاد اوربا ،كما عارض قصف ومحاصرة العراق من قبل امريكا في عام 1991 . كما عارض أيضا بوضوح احتلال وتدمير العراق في عام 2003 ، وكان في حينها قد ارسل مبعوثا خاصا لهذا الغرض. لقبته الاوساط الفكرية بالكبير، لنشاطه الانساني والفكري المتعدد . توفي البابا يوحنا بولس الثاني الكبير في 2 نيسان من عام 2005 .
مؤلفاته ونشاطه الفكري:
يعد البابا يوحنا بولس،اكثر البابوات ال65 حتى الان خصبا في مجال التاليف والبحث والنتاج الفكري ،وربما هو اول بابا ينظم الشعر ايضا . صدرت له 29 كتابا خلال الخمسة والعشرين سنة كرئيس للكاثوليكيين في اكثر من 15 دولة مسيحية : منها 20 مؤلفا ثقافيا دينيا، وديوانين من الشعر الديني، والبقية كتب تتضمن خطبه ورسائله وكلماته في المناسبات الكبيرة ،وصلواته الخاصة التي كتبها بنفسه . ويذكر ان مؤلفاته موجودة كلها باللغة الانكليزية، وبعضها بلغات اخرى،وقد ذكرنا انه يجيد ثمانية لغات منها الانكليزية والالمانية والروسية والاسبانية . ومن مؤلفاته المشهورة : 1- عبر خيوط الامل. 2- محبة ومسئولية . 3- الرجل والمرأة خلقهما الله معا .4- رسالة موسوعية : حول العلاقة بين الايمان والعقل . 5- قم: دعنا نمشي في طريقنا . 6- روعة الحقيقة . 7- لاهوت الجسد، أو حب الانسان في خطة المعبود .8- ذاكرة وهوية :مناقشات في فجر الالفية الثانية ، واشهر مؤلفاته هو الكتاب الذي يضم مجموعة محاضراته وخطبه تحت عنوان (لاهوت الحياة) .
ومن ابرز اقواله :
1- ان الموهبة الفنية : هي عطاء من الله ،ومن يكتشفها في داخله، فعليه واجب معين وهو معرفة ان تلك الموهبة ينبغي الا تهمل بل ان تنموا وتتطور .
2- ان المستقبل يبدأ من اليوم لامن الغد .
3- ايها الانسان : انك في الحقيقة تبحث عن المسيح،حينما تحلم بالسعادة .
4- قال مخاطبا العلماء : اجعلوا حياة الناس افضل، ولاتصنعوا شيئا يزيد من الامه .
5- ابحثوا عن ثقافة تقلل الام الناس في العالم .
اهم المصادر
1- الموسوعة الكاثوليكية .
2-البابا جون(يوحنا) بول الثاتي: ويكبيديا بالانكليزية
3- فلم ايطالي، عن حياة واعمال البابا ومحاولة اغتياله في ساحة الفاتيكان . قناة نورسات في4-1-2015
1200 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع