لا محاجة في أن العنف، الذي أمسی و للأسف خبزاً يومياً للإنسان المعاصر والذي يرتبط بالأفراد حيناً و ترعاه المؤسسات أحياناً أخری رذيلة وهمجية أتعبت العالم ولم تُفِد الإنسانية في شيء، فهو يتجسد في إستعمال القوة بشكل غير مشروع لإلحاق الضرر و الأذی بشخص ما أو جماعة من الأشخاص.
العنف، الذي كان يُنظر اليه في الماضي كصفة غريزية أو مكتسبة والذي نقسمه اليوم علی أساس التحليل النفسي الفردي أو علم النفس التحليلي التجريبي الی العنف الدفاعي أو التدميري ما هو إلا قانون يحكم النوع الحيواني لا الإنساني و ثقافة العنف تقوم على منظومة فكرية مركزية عقائدية وأخلاقية تستند إليها، لذا يمكن مناهضته بإستعمال العقل في الإقناع الحجاجي والبرهاني و تفعيل قيم الفلسفة والحوار، إبتداءً من الأسرة ثم من قاعة الدرس، بعد إعداد الأساتذة والمعلمين بقيم العقل والتفكير المنطقي و الإنفتاح علی الآخر، ليقوموا هم بدورهم لإيصال تلك الثقافة الی الطالبات والطلاب، كي يستطيعوا من خلالها أن ينظروا بشفافية و علمية الی ذواتهم لإكتشافها، ثم إلى واقعهم المهووس بقيم الخرافة والتفكير اللامنطقي. فالمجتمع الذي يربِّي أطفاله على العنف، ولو لجيل واحد، بحجة البناء أو بذريعة الدفاع ضدَّ العدوان، لا يستطيع، فيما بعد، تلافي توريث هذا العنف للأجيال اللاحقة إلا بجهود شاقة وكبيرة.
اليوم 2012.11.26 وبحضور السيد نيجيرفان بارزاني رئيس حكومة اقليم كوردستان وأعضاء من برلمان كوردستان وعدد من الوزراء وممثلي الأمم المتحدة و المكاتب والقنصليات الأجنبية في إقليم كوردستان إنطلقت حملة مناهضة العنف ضد المرأة في أربيل العاصمة، التي تستمر 16 يوماً تقام خلالها العديد من النشاطات والفعاليات لتوعية المجتمع في هذا المجال. و ما أسعدني بعد هذه الإنطلاقة كلمة السيد رئيس حكومة إقليم كوردستان، الذي أكد فيها دعم حكومته لكل عمل يناهض العنف ضد المرأة، معرّفاً المجتمع الذي يدعوا الی العنف ضد المرأة بمجتمع خالٍ من الأسس و القواعد الديمقراطية و معتبراً عدم المساواة الحقيقية بين الرجل والمراة في المجتمع بمصدر من مصادر العنف ضد المرأة. و الذي نعرفه بأن حكومة إقليم كوردستان تشارك منذ عام 2007 في الحملة العالمية لمناهضة العنف ضد المرأة و ذلك من أجل توعية و زيادة الوعي الاجتماعي للوقوف ضد كافة أنواع العنف وهي من ضمن الدول الـ 122 المتقدمة في العالم، من حيث مكافحة العنف ضد المرأة وقانون العنف الاسري.
ثقافة العنف نابعة أصلاً من العُقَد الاجتماعية، كفقدان القدرة علی المواجهة والخوف من عدم التكافؤ الاجتماعي والخوف من السلطة المنشغلة والمهمِلة لفردية الإنسان و كذلك من عقدة العار. ففي ظلِّ تلك الثقافة نری الإنسان يخجل من ذاته، يعيش حياته عاراً وجودياً متأصلاً و نشاهده في حال دفاع دائم من إحتمال إفتضاح أمره وعجزه وبؤسه، إذ يخشى أن ينكشف و لا يصمد في النهاية أمام الحقيقة.
أما الأطر الثقافية التي تقوم على التمترُس الماضوي و العقيدة المركزية التوتاليتارية و النرجسية، ورفض الآخر، والانغلاق، والارتداد إلى السلف، القريب أو البعيد و تقدم دعماً و تبريراً للعنف ضد المرأة يمكن حصرها في العادات والتقاليد والقيم الإجتماعية البالية، بالإضافة الی القيم العشائرية، التي تساند الثقافة الذكورية و ترفع من شأن الرجل، الذي يتعامل مع المرأة بشكل دوني إقصائي عدواني لتكون هي عبداً لنزواته و نرجسيته أحاديته و إصطفائيته. و بممارسة هذه الثقافة في المجتمع تُسلب حقوق و دور المرأة في الحياة الإقتصادية والسياسية والإجتماعية و تنتزع منها مكانتها الإنسانية، مما تؤدي الی تقوية سلطة الرجل و تعطيه التبريرات في ممارسة العنف ضدها.
نحن نعرف بأن الاعلان العالمي لحقوق الانسان أكد عام 1948 في مادته الثانية رفضه الكامل للتمييز على أساس الجنس و في مادته الرابعة ترفض الإسترقاق والاستعباد. أما مادته الخامسة فترفض التعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية و في المادة 16 إشارة على سن الزواج، الذي هو سن البلوغ، والتساوي في الحقوق لدى التزوج وخلال قيام الزواج ولدى انحلاله.
أما المادة الثانية عشر من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فتنص: لا يعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو لحملات على شرفه وسمعته، ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات.
فعلينا اليوم بتطوير التشريعات والإجراءات في الإقليم أكثر و أكثر و تشجيع إجراء الدراسات والبحوث المتعلقة بالعنف ضد المرأة لنبذ منطق الإحتكار والمصادرة الذكورية أو الإستئثار للهيمنة وأن لا نتعامل مع العناوين الوجودية والحضارية بمنطق الثبات والجمود وعلی المؤسسات التربوية و الثقافية و الإعلامية أن تلعب دوراً أكثر بروزاً في مواجهة العنف و الحد منه بتفعيل مراكز الإرشاد القانوني و مكاتب شكاوی المرأة وتنشيط وترويج ثقافة عدم التسامح مع العنف ضد المرأة في الاسرة والمدرسة وفي المجتمع و علی المجلس القضاء الأعلی و وزارة العدل في الإقليم تفعيل دور القضاء و أعضاء الإدعاء العام للحد من ظاهرة الإفلات من القضاء والتسليم باحتياجات الضحايا والتجاوب معها، وتعزيز التعبئة الاجتماعية والتحول الثقافي وعدم جواز في أن يكون العرف أو الدين أو التقاليد تبريراً للعنف المرتكب ضد المرأة. و علی الجهات الحكومية العمل برسالة السيد رئيس الحكومة في تعزيز المساواة بين الرجل والمرأة في القيمة والكرامة الأصيلة، لكي تستطيع المرأة أن تتمتع بكامل حقوقها كإنسان ولكي تمارس دورها في في التنمية علی أحسن وجه. فإن القيمة العميقة لأية حضارة تكمن في المكانة التي تعطيها لكرامة الإنسان و ليکن الهدف ممارسة السلام في الأسرة للوصول الی السلام في المجتمع.
وختاماً نراه من الضروري إعادة كلمات العظيم مهاتما غاندي في إستهجان العنف لنقول: "إن اللاعنف هو القانون الذي يحكم النوع الانساني و سيظل العنف ذلك القانون الذي يحكم النوع الحيواني."
الدكتور سامان سوراني
1019 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع