سارة مطر
إن أردت الخروج من وطنك، فلا شيء يمنعك من مغادرتها، أو المضي بعيداً عنها من دون الرغبة في العودة إليها ولو لمرة أخيرة، لكن السؤال هو: بأي حال يمكنك أن تترك وطنك؟ مهزوماً، مكسوراً، مرتدياً معطفاً ممزقاً، أم أنك ستتركه وهو يضج بالحياة، أو وهو يرتب أوراقه لكي يقفز نحو فضاءات الاقتصاد الدولي، في مواجهة لتحديات قادمة من أجل مستقبل أفضل لمواطنيه.
تُرى ماذا كان حال الذين غادروا أوطانهم باكراً، من دون الرغبة في العودة لا محالة، هل ألقوا نظرة طويلة عليه قبل أن يفكروا بأنها ستكون اللحظة الأخيرة، ويبدأوا في ممارسة التأمل والاحتفال بالحب لوطنهم الأول عبر نوافذ وسموات الأوطان الأخرى عن بعد، من خلال إعادة مشاهدة ذكريات الحيطان وألفة السماء، وأصدقاء المدرسة، وأروقة بيوت الجيران، عبر شريط قديم، ولكنها تأتي متدفقة كالمطر في تشرين، ولكنها أيضاً عن بعد، فمثل هذه المشاهد حتى تبقى بالصفاء ذاتها، عليها أن تكون دوماً عن بعد، فلم تعد هناك الرغبة في مشاهدة الوطن بكل مواسمه عن قرب، ولم تعد هناك اللهفة لكي يملأ المهاجر وجهه لتزحف مدن وضواحي وطنه نحو عينيه، اللتين فقدتا الألق والحب، منذ أن اللحظة التي فكر فيها، أن عليه أن يكون صارماً بقرار الرحيل مرغماً.
معظم الذين يتركون وطنهم مبكراً، لا يزالون يشعرون بإثم الهروب، وبأنه كان يتوجب عليهم أن يكون لهم صبر عظيم حتى لا يملوا من محاولة إعادة ترتيب وطنهم من السقوط، ورفع معنويات الناس، وإزاحة تكشيرة الموت من على الحيطان التي مزقت الكثير من الأنسجة الرقيقة، وحاوطته بمختلف الأفكار التي تستدعي كل موطن للموت لا للعيش.
شعرت بمغص حاد في معدتي، وبألم فضيع يمزقني كمهاجر لا يمتلك حق العودة لوطنه، وأنا أقرا عبر نشرات الأخبار، عن اتهام المجلس المحلي في الزبداني الواقعة في ريف دمشق، لتعرضها لإبادة جماعية، بينما الأمم المتحدة عاجزة وصامتة. حاولت أن أنزع الكلمات بصعوبة من أعماقي وبإرهاق كبير، حتى أستوعب الخبر، خفتت ابتسامتي، وسرعان ما انكسرت بين شفتي، لم يكن الأمر يستحق كل هذا، لم تكن سورية تستحق كل هذه اللعنات بشتى اللغات، بل إنه يحق لأناسها أن يعيشوا من دون أي ألم يمزق معاطفهم الخشنة، أو يعبث بمشاعر قلوبهم، لو توقف مواطنوها عن الاشتراك في أن يكونوا جميعهم موظفي مخابرات بعضهم على بعض، ربما لو لم تكن هذه العصابات وليدة نظام الدولة، لأصبح لمواطني الدولة حرية الدفاع عن حقوقهم بالطريقة الشريفة التي يختارونها هم بأنفسهم، لا بطريقة حرب العصابات التي فرضها نظام الأسد وأعوانه.
النظام السوري الآن، وبالتعاون مع حزب الله اللبناني، يقومان بارتكاب أكبر جريمة سيتحدث عنها التاريخ طويلاً.. طويلاً، إلى جانب الجرائم الأخرى التي قام بها هذان النظامان بشكل عنيف ضد المدنيين ممن لا حول ولا قوة لهم. يقتل الأبرياء ويجرح الباقون الذين لا تنتظر منهم أن يتمسكوا بالحياة، جراء القصف المتواصل من النظام لمدنهم. والمؤلم أكثر بأن المجلس يقول بأن هناك ما يقرب من ألف عائلة، لا تزال محاصرة في الداخل، وقد قطعت المساعدات الإنسانية عنها، من قوات النظام وحلفائه منذ أشهر، أي أن هذا النظام يتقن فن التعذيب والترهيب، وممارسة فن إنهاء سورية من قلب كل «سوري»، إذ ينتهج سياسة الحصار والتجويع الجماعي، والقتل العشوائي في الزبداني.
ترى ما الذي يريده النظام الأسدي وحزب الله، أن ينهوا المدنيين تماماً من سورية، ويأتوا بآخرين ليكونوا بدلاء لهم، أم ماذا؟ فطيران النظام الأحمق يقوم على تنفيذ أكثر من 20 غارة جوية على الزبداني، تزامناً مع استمرار الاشتباكات والقصف العنيف على المدينة، كل ذلك يأتي لأن النظام وحزب الله، منذ شهر وهما يحاولان اقتحام الزبداني واستعادة السيطرة عليها من أيدي قوات المعارضة، لإتمام السيطرة على القلمون الغربي بشكل كامل.
السؤال هنا للسوريين: من قال إن بشار وأعوانه هم وحدهم من يمتلكون سورية، فهذا الوطن هو لكم، ولم يكن يوماً ملكاً لعائلة؟ هل يعقل أن تصمتوا على جنون هذا النظام وتتركوا أبناء وطنكم يتسلمون شهادة الموت، وكأنها شهادة نجاة من الجوع والسهام الحارقة، ومتابعة الصور العنيفة الدموية بشكل يومي، لمجرد إرضاء لشهوة البقاء لرجل أحمق مع عصابته التي لا ترحم؟ لكم الله يا أهل ريف الزبداني!!
698 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع