جليل ابراهيم المندلاوي
في احدى زوايا المقهى كان الحاج ميرالي متكئا على مصطبة من الخشب وهو يردد كلمات غير مفهومة حول نيزك او جسم فضائي غريب وعيناه تلتمعان فخرا وهو يكرر قوله ابني خضر اول من اكتشف اللعبة.. استغربنا هذا الحديث حين اقتربنا منه طالبين معرفة الحكاية ليحدثنا وهو يبدي سروره...
كنت اسكن آنذاك في قازانية وهي بلدة حدودية نائية تضم بضع مئات من العوائل الفقيرة التي تعتمد على رعي المواشي كمصدر رزق اساسي لها.. اناس بسطاء يصدّقون كل مايقال لهم لاسيما اذا كان المصدر رسميا..
كان للحزب الحاكم منظمة صغيرة هناك يتولى مسؤوليتها عواد الاعرج الشخص الوحيد في بلدتنا الذي يحمل اجازة رسمية من الحكومة في بيع الشعارات التي كان يجني من ورائها الكثير من المال، ربما تتساءلون كيف كان يبيع الشعارات؟؟ اخبركم كيف.. كان في كل مناسبة رسمية، وما أكثرها.. يجمع من اهالي البلدة مبالغ على شكل رسوم من اجل ان تقوم منظمة الحزب الحاكم في البلدة باحياء المناسبة، وهو يردد دائما ان احياء المناسبات الوطنية امر ضروري من اجل تقوية اواصر الوحدة الوطنية وكذلك من اجل اثبات ولاء الاهالي للحزب الحاكم.. وبما ان هناك عدداً من رجال الشرطة يساندونه فقد كان الاهالي يدفعون بكل ممنونية مايطلبه منهم عواد الاعرج، كان المختار الشخص الوحيد الذي لايدفع هذه الرسوم لأنه جناب المختار كما يردد الاهالي..
المشكلة ان عواد الاعرج كان يخترع بعض المناسبات الوهمية لأجل جمع المال ففي احدى المرات جاء ليجمع التبرعات لاحياء مناسبة عيد الجيش وعندما اخبره احد الاهالي بأنه قام في الاسبوع الماضي بجمع التبرعات لهذه المناسبة اجاب عواد الاعرج مستدركا ان المناسبة السابقة كانت عيد الجيش الرسمي اما المناسبة اليوم فهي عيد الجيش الشعبي!!!
اضف الى ذلك كله ان عوادا هذا كان يجمع الكثير من الاموال والحلي بأسم تبرعات المجهود الحربي.. لم نكن نعلم كم كان يرسل منها ولا أحد منا يجرؤ ان يسأله لأنه كان يغدر حتى بأقربائه..
في احد الايام استيقظ الاهالي على اخبار مزعجة لم يعرف احد مصدرها ومضمونها ان نيزكا ضخما يواصل تقدمه نحو الارض ومن المفترض ان يسقط على البلدة في غضون الاسابيع القادمة.. مما اثار الهلع لدى الاهالي الذين انطلق عدد منهم لتقصي الامر من عواد الاعرج عسى ان يكون لديه علم من قبيل اتصاله بالحزب الحاكم لكن الاعرج لم يعط جوابا شافيا بل ترك الكرة متدحرجة في الملعب ليسددها الاهالي الى الهدف دون ان يقترب منها حيث اخبرهم ان هناك معلومات سرية يتم تداولها بين اوساط كبارالعلماء في الخارج هم الذين يؤكدون ذلك وانه لايتحمل مسؤولية هذا الخبر..
احتار الاهالي فيما سيفعلونه هل يغادرون البلدة التي ولدوا وترعرعوا فيها وتعودوا على ارضها ام يسلمون امرهم الى الله..
كان الحاج ميرالي يتابع عيون مستمعيه وهم يصغون بلهفة لهذه الحكاية الغريبة حيث صمت بضع لحظات ليتابع حديثه بعد ان ألح عليه الحاضرون..
كنت كباقي الاهالي مشتت الرأي لاأعلم كيف سأواجه هذه المصيبة القادمة الينا، لكنني عزمت على الصبر وانتظار ابني خضر الذي كان يدرس في بغداد علّه يحمل رأيا صائبا، كانت الايام التالية عصيبة جدا على الاهالي لاسيما بعد ان قام جناب المختار بتوزيع اوراق خاصة الى الاهالي وهو يطلب منهم توقيها حيث ازداد قلق الاهالي فمضمون الاوراق هو تعهد من الموقع بأن بقاءه في البلدة على مسؤوليته الخاصة وان الحكومة لن يكون عليها تحمل اية تعويضات للاهالي، وهذا مادفع العديد من الاهالي الى الهرب من البلدة...
النيزك يقترب والاهالي يفرون.. العديد منهم.. ونحن بانتظار رحمة الله.. كنت فخورا جدا حين تجمع العديد من الاهالي الباقين في بيتي المتواضع,, حيث كان ابني خضر قد وصل ويريدون معرفة رأيه فهو الشاب المتعلم الذي يسافر دوما الى العاصمة ومن المؤكد ان لديه الخبر اليقين حول موضوع النيزك..
ضحك خضر بملء شدقيه وهو يسمع مايتردد من اخبار وهو يردد..
- عواد الاعرج يحصل على معلومات سرية يتداولها كبار علماء الخارج وهو الذي لم يسافر خارج نطاق منظمته الحزبية، ماهذه الخرافات هل يعقل ان تصل الامور الى هذا الحد من السوء، ثم هلا فكرتم للحظات عن الدافع وراء هذه الاكاذيب..
- طيب وجناب المختار والاوراق التي وقعنا عليها ماذا يعني ذلك.. سأل احد الحاضرين.. فأجاب خضر - انها فصل من فصول لعبة قذرة يراد من ورائها ترحيلكم عن هذه البلدة دون اثارة مشاكل للحزب الحاكم..
عندها فهمت مايقصده ولدي خضر الذي اعاد الكرة الى وسط الملعب ليطمئن فؤادي وانا اؤيد واعيد كل ماذكره امام الحاضرين الذين استقرت نفوسهم وزالت شكوكهم حول هذه الاشاعات.. ثم زدت على حديثه قائلا..
-يجب ان لاتنسوا ان الحزب الحاكم ليس من قوميتنا ولايرغب بوجودنا في مكان واحد فهو يريد تشريدنا عن اراضينا لصهرنا وتشتيتنا..
انفض الجمع وعاد كل الى داره مطمئن البال ليمارس حياته الطبيعية حيث التقاني في اليوم التالي عواد الاعرج قائلا..
- متى قررت مغادرة البلدة ياحاج ميرالي؟؟
- من المؤكد انني لن اغادرها قبل ان نحتفل بقدوم النيزك..
1218 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع