الاستاذ فؤاد يوسف قزانجي
مدخل
ما اشبه اليوم بالبارحة ؟!
بعد اكتشاف ملحمة (ايرا و ايشوم) البابلية، تمت قراءة رقيم جديد يتضمن قصيدة يعود نظمها ،على الارجح الى الشاعر نفسه الذي نظم الملحمة وهو (كابتي-ايلانا -مردوخ) من عائلة (دابيبي)، اسماها (مواجهات او انعكاسات اخيرة من عصر مظلم) ، ومع ذلك فقليلة هي المعلومات التاريخية التي وصلتنا عن عصر الاضطرابات التي حصلت في العراق القديم في القرن الثاني عشر قبل الميلاد . حيث كانت الامبراطورية البابلية الاولى قد تداعت بعد ان استولى عليها الكاشيون قبل ثلاثة قرون، كما ان الاشوريين لم يكونوا بعد قد توسعوا في مملكتهم جنوب بلدة نينوى. وهكذا عرفنا ان الشاعر عاش في هذا الفترة .
كانت ملحمة( ايرا) تشير الى مافعله ايرا في البلاد وهو الاله المسئول عن الاوبئة والفواجع التي تحل في البلاد . وتقول الملحمة ان الاله ايرا حينما شعر ان الالهة الاخرى تتعالى عليه وتنظر اليه باحتقار ،هاج وماج ،مخلفا وراءه الموت والخراب. وكان الميديون بعد ان ضعف البابليون ، قد قاموا من جنوب ايران بالهجوم على بابل ونهبها وسرقة محتويات المعابد ومنها معبد ايزاكلا الكبير ، حيث قام ملكهم شوتراك – ناخونتي بسرقة ما وجده من تحف ومن بينها مسلة حمورابي، ونقلها الى عاصمته سوسا.
وفي قلب البلاد ،في بابل ،تجمع الناس حول محراب الاله ايرا ، وقاموا بحرق معبده! لكن بعد ذلك قامت القوات الملكية بقتلهم. وقام السوتيون (لعلهم الاراميون؟) باجتياح مدينة اوروك ونهبوا المدينة، كما هاجموا مدينة سيبار ودمروا سورها العتيد، وكذلك مدينة دير (حاليا بدرة )،مما سبب فزع الالهة الاخرى. وحينذاك هدأ الاله ايرا ، واعطى الى بابل بركاته.
ويصور الشاعر ما حل في بلاد بابل في القرت الثاني عشر قبل الميلاد وفي مدينته ،التي نرجح انها سيبار ، حيث كانت فيها مدرسة للكهنة الذين يمثلون الطبقة المثقفة في البلاد. اذ كان هناك صراع بين الكاشيين والحثيين على حضارة وتجارة بلاد بابل . ثم غزا البلاد العيلاميين بقيادة ناخوتا الذي نهب العاصمة بابل ولم تسلم حتى بعض مسلات الملوك البابليين منها مسلة حمورابي ، وتمثال الاله مردوخ اله البلاد . وهكذا فقد سارع احد الشعراء من العراق القديم ليعبر عن لسان شعب بلاد بابل .
يصف الشاعر الخراب الذي حل في بلاده، ولكن بلغة بسيطة ومؤثرة على النحو التالي:
من لم يمت بالوباء، فان العدو سيدوسه،
والذي لم ينهبه العدو، فان الحرامي(في البلاد) سيسرقه،
والذي لم يسرقه الحرامي، فان اسلحة الملك (الحاكم) سوف تقمعه،
والذي لم تقمعه اسلحة الملك، فان الامير(الذي ياتي بعده) سيقتله،
والذي لم يقتله الامير،فان اله العاصفة سيمسحه من الارض،
والذي لم تمسحه العاصفة، فان ابن الاله سوف يرميه بعيدا،
والذي ترك البلاد الى البرية، فان الرياح ستكنسه،
والذي دخل بيته ، فان الشيطان سيضربه،
والذي يصعد الى مكان عالي، فسيموت من العطش،
والذي يختبأ في مكان عميق، سيموت من شدة مياه الامطار،
وهكذا،فان الاماكن المرتفعة والواطئة كلها ،قد دمرت.(1)
المصدر:
Van De Mieroop, Marc. A History of the Ancient Near East. Blackwell. 2009. P.199.
1271 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع