أمنيات صدحت بها فاتنة بغداد المغنية عفيفة اسكندر أيام كانت بغداد تشتهي الغناء مثل فتاة في ليالي القمر حين يكتمل في السماء، وكانت آخر مرة رأيتها فيها لا ترى شيئاً من حولها مقعدة على كرسي متحرك ترعاها سيدة ينادون عليها (أم عيسى) كان ذلك قبل موتها بثلاث سنوات وكان للتو قد عاد مسرح بغداد الوطني للعمل .
كنت أسمع الحكايا عن عفيفة التي فتنت السياسيين والشعراء والكتاب الذين ألفوا عنها ونقلوا ما كانت تقول من كلمات مغناة، وما أبدعته في السينما ورحلاتها الى بعض البلدان . من عادتي أن أستلهم العبر من حياة الناس، من فقرهم وجوعهم وعريهم وإنتظارهم للغد الذي لا يأتي وإذا جاء فهو ليس بغدهم الذي ينتظرون. نظرت في وجهها الممتليء وثيابها الفاخرة ودلعها ورقتها وعذوبة صوتها وأشفقت عليها من سياسيي وضباط ذلك الزمان، وكنت أتخيل لحظة موتها وكيف ستوارى ، وكيف ستكون أجواء التشييع ومن سيحضره من الناس والمسؤولين وتساءلت عن الذين عاشوا معها وتملقوها وأحبوها وقبلوا الأرض بين يديها ، أين هم الآن ، وهل سيحضرون ساعة مواراتها الثرى، وفي أي المقابر ستدفن، في مقبرة الباب الشرقي أم في المقبرة التي في جوار منزلي ؟.
عفيفة إسكندر التي صالت وجالت وفعلت مافعلت بعد أن قالت ماقالت وصدحت بأرق الكلمات وأعذبها وغنت بالعربي الفصيح رغم إن رواد الملاه البغدادية لم يكونوا كلهم من الساسة والمثقفين والنخب المجتمعية فقد كان منهم الإقطاعيون والفلاحون والسراق والعربنجية والفتوات وأصحاب النفوذ ،هذه العفيفة المسكينة تموت لوحدها ولولا (أم عيسى) لتعفنت جثتها ولماتت من سنوات فالجميع هجرها لم يسأل عنها الفلاحون الذين تيبست أراضيهم ،ولا التجار الذين شاخوا ،ولا السياسيين الذين ماتوا أو فروا خارج العراق ،ولاالضباط الذين إحيلوا للتقاعد أو رحلوا عن عالمنا،ثم هاهي تلحق بهم فاغرة الفاه كأي ميت يفتح عينيه شاخصتين الى الخالق العظيم وبفم مفتوح !
هي نهاية كل إنسان ،ولكن أن تموت مغنية بحجم عفيفة إسكندر كانت بغداد تستورد أرقى ماركات الخمور من أجل لياليها الملاح ويترك الساسة مقار أحزابهم والضباط لوحداتهم العسكرية من أجل أن يحظوا بليالي الحب في ملهى من ملاهيها وينظروا في وجه عفيفة الممتلئ ويروا إليها تتغنج وتتمايل مثل غصن البان لهو أمر مختلف فيما لو كان الميت من عامة الناس وفقرائهم.
العبرة يمكن أن تؤخذ من كل مار في هذه الحياة ومودع لها بعد حين تاركا أثرا، حسنا كان أو سيئا ،والمهم إنه سيكون في حال لايطارده الناس فيه وليس له إلا أن ينتظر الرحمة والعطف الإلهي ليغفر له شيئا من خطاياه أو يغفرها جميعا برحمته وغفرانه .
تستهويني كلمات الإغنية الريفية العراقية التي تصدح بها حزم القصب والبردي في أهوار الجنوب وتقول في بعض من كلماتها.
يل رايح بها لدرب ،،،،،وإنت إعلا ناسك ضيف
ينراد معشر حلو ،،،،، لمة أحباب وكيف
لمة احباب وكيف،وبس
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
944 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع