أ.د. محمد الدعمي
أليست هذه مفارقة مضحكة بحق؟ علمًا أن إخفاقات النسختين الأخيرتين من البرلمان والحكومة لم يتبدل، كما لم تتغير تبريراتها التي لا تقل عنها استدرارًا للضحك على الذقون، بدليل أن الجمهور الغاضب المحتج يدين نفسه بنفسه عندما ينشد شعارات من نوع: “سرقونا الحرامية، باسم الدين”! فإذا كان هؤلاء قد سرقوكم وباسم الدين، لماذا إذًا، تم انتخابهم ثانية، وثالثة، وربما رابعة، قريبًا على شاشة “سينما بغداد”؟
عكست التظاهرات الحاشدة التي اجتاحت مدن العراق الرئيسة خلال الأيام القليلة الماضية أنماط سلوك جماعية تستحق الرصد والتحليل، بحق. وإذا كانت هذه الأنشطة الجماعية قد رفعت الشكوى والاحتجاج بشأن ضعف الخدمات البلدية والمدينية الأولية التي تتمتع بها أغلب شعوب العالم، ومنها الفقيرة، دون حاجة للاحتجاج ولا للتجمع، فإنها قد قدمت من العراق عددًا من المفارقات الغريبة، حد استدرار الضحك واستدعاء التندر، للأسف.
بل إن النتيجتين الأخيرتين (أي الضحك والتندر) قد قدمتا من قبل أعضاء الحكومة والبرلمان الذين كان يفترض أن يكونوا هم المدانين، بدليل أن عددًا من الوزراء وأعضاء البرلمان تمادوا باستغفال الجمهور والتندر بتظاهره، حد إبداء الاستعداد للنزول إلى الشارع والالتحاق بجموع المحرومين والمحتجين والمشتكين، فما هذا الاستهزاء والتحجيم؟ هل لأن هذه الجموع تبدو وكأنها غير قادرة على تنظيم نفسها، ولا على الاتفاق على برنامج احتجاج اجتماعي ـ سياسي يبلور مطالبها على نحو دقيق، خاصة وأن هذه المطالب جميعًا قد سقطت في فوضى عدم التنظيم وغياب القيادة الموحدة القادرة على توجيه الاحتجاج الاجتماعي على النحو المؤثر والصحيح. لذا يشعر المتظاهرون أنفسهم اليوم بلا جدوى ما أقدموا عليه وتحملوه من مصاعب لم تجد نفعًا قط.
أما المفارقة الثانية، فهي أكثر مدعاة للتندر، لأن البرلمان القائم اليوم (وهو موضع الاحتجاج وهدف التهم بالفساد) هو نفس البرلمان بأغلبية كتله وأعضائه، ذلك البرلمان المسؤول عن تردي وتراجع الخدمات والحاجات الأولية لبقاء الحياة بالنسبة للنوع الآدمي في العصر الحالي، وأقصد الماء النظيف والكهرباء: فلماذا الاحتجاج والشكوى ضد كتل سياسية وأفراد سبق أن انتخبهم الجمهور المحتج بنفسه، بل وكرر انتخابهم مرة تلو الأخرى، ليدور هذا الجمهور في حلقة مفرغة، من سيئ إلى أسوأ في واحدة من أغنى دول العالم، موارد طبيعية وبشرية وزراعية، العراق.
أليست هذه مفارقة مضحكة بحق؟ علمًا أن إخفاقات النسختين الأخيرتين من البرلمان والحكومة لم يتبدل، كما لم تتغير تبريراتها التي لا تقل عنها استدرارًا للضحك على الذقون، بدليل أن الجمهور الغاضب المحتج يدين نفسه بنفسه عندما ينشد شعارات من نوع: “سرقونا الحرامية، باسم الدين”! فإذا كان هؤلاء قد سرقوكم وباسم الدين، لماذا إذًا، تم انتخابهم ثانية، وثالثة، وربما رابعة، قريبًا على شاشة “سينما بغداد”؟
وإذا كان هؤلاء المنتخبون هم سبب البلوى، نظرًا لاستغفال الجمهور بالشعارات واللافتات الدينية المزيفة، فلماذا لم تستأنس كتل المحتجين بالحديث النبوي الشريف: “لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين”، وقد لدغ هؤلاء المؤمنون من ذات الجحر عددًا من المرات، وأظنهم سيلدغون مرات أخرى إن لم يواجهوا لا جدوى ما يفعلون، دون واقعية وحسم حقيقي يضع الأمور على نصابها الصحيح، خاصة وأن ثلث مساحة العراق تقبع اليوم تحت سيطرة ما تسمى بـ”الدولة الإسلامية”، مع شديد الأسف.
891 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع