شملت القرارات «الثورية» الأخيرة للرئيس المصري محمد مرسي من ضمن ما احتوت من خطوات تصعيدية خطيرة بنودا وردت تحت مسمى «تطهير الإعلام».
إذن، لم يعد مستترا أن أحد عناوين المعركة اليوم في مصر هو الإعلام. وللحقيقة فإن الرئيس مرسي وقيادات «الإخوان» منذ توليهم السلطة دأبوا على مناصبة شرائح واسعة من الإعلام والصحافة والفن في مصر العداء. بدت تلك الهجمة مترددة بداية ثم علت وتيرتها تدريجيا.
إنه «إعلام فاجر يتلقى أموالا» يتساءل دائما «الإخوان المسلمون» والسلفيون ذوو «الشفافية المطلقة» في الكشف عن مصادر تمويلهم... وهم «سحرة فرعون» على ما أطلق عليهم مرشد «الإخوان» قبل أشهر ليتحول هذا الوصف للأزمة يرددها مناصرو «الإخوان» والمتحالفون معهم، لذلك قد يبدو بالنسبة إليهم مبررا وقف صحف وتعطيل قنوات ومحاكمة صحافيين وتهديد مناصرين لـ«الإخوان» والسلفيين شرائح من الصحافيين والصحافيات وكتابا ومثقفين تحت طائلة «شرع الله».
يدرك المصريون أن طريق ثورتهم لا تزال طويلة، وأن خلاصهم من مستبد سابق لا يعني أن المسيرة انتهت. واليوم يعد الإعلام الفضائي المصدر الأول لصياغة الرأي العام المصري، وهذا ما تحاول قيادات «الإخوان» ضبطه ومصادرته، ويبدو أن هذه الجماعة لن تتوانى عن استخدام أي سبيل بهدف تحقيق ذلك. فالأفق المصري اليوم ملبد بكثير من العنف والفاشية التي تستتر خلف مظاهر ومشاعر شعبية، وتتغذى من حماسة المخدوعين بأن الدعوة للحق والنور ممكنة عبر إسالة الدماء، وأن الطريق إلى الجنة تمر عبر العنف والبلطجة.
لقد وقعت حوادث قتل واعتداء بحق صحافيين ولم يتوقف عندها قيادات «الإخوان». وطبقا لتقديرات منظمات حقوقية فإن التهديد الذي باتت تشكله الجماعات الإسلامية المتشددة على حرية الصحافة تتزايد، والحكومة المصرية لا تتعامل مع الأمر بالجدية اللازمة حتى لا يقال إنها تغض النظر عنها.
والرئيس مرسي الذي أعلن قراراته مطلع العام الهجري للتأكيد على «هجرة المسلمين من نظام فاسد إلى نظام جديد»، على ما قال القيادي السلفي محمد عبد المقصود، لم يتوقف عند محاولات الكثير من التيار الإسلامي إسباغ صفات غير دنيوية عليه وعلى قراراته. ألم يقل شيخ «جليل» إن من يعترض على قرارات مرسي سيتعرض للإهانة من الله لأنهم يعصون «ولي الأمر» والله كفيل بالرد عليهم.
إنها محاولات لا تكل للخلط بين دور الحكومة و«ولي الأمر» وما بين القانون و«الشريعة» وما بين المواطنة و«الرعية».
وللحقيقة فإن القرارات الأخيرة تشكل صفعة لـ«الإخوان المسلمين» والتيارات الإسلامية بالدرجة الأولى رغم أن الظاهر يوحي عكس ذلك. فهذه القرارات انعكاس لصدع يتضاعف لمدى فشل النموذج الذي يمكن لـ«الإخوان المسلمين» أن يقدموه في الحكم. فنموذج الإسلام السياسي الذي يتصدره اليوم «الإخوان المسلمون» لا يطرح موضوع الحريات في صلب اهتماماته وهواجسه، ومن يكن هذا ديدنه فهو يمكن أن يسقط بسهولة، كما نشهد كل يوم وآن.
*كاتبة من مصر
683 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع